كيف يتأثر الشرق الأوسط في عصر تنافس القوى العظمى؟

الأربعاء 22 أبريل 2020 05:13 م

في حديث أمام لجنة افتراضية يوم الخميس الماضي، أعرب باحثان مؤثران في العلاقات الدولية عن شكوكهما في الصعود المزعوم لمبدأ "تنافس القوى العظمى" كمنظور تتحرك من خلاله السياسة الخارجية الأمريكية.

كما أكد الباحثان "ستيفن والت" من كلية "هارفارد كينيدي"، و"باري بوسين" من معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا، أن واشنطن وضعت نفسها في وضع غير مواتٍ استراتيجيا بسبب تجاوزها العسكري ودعمها غير المشروط تقريبا للحلفاء الذين يعانون من مشاكل في الشرق الأوسط.

وقال "والت": "لدينا علاقات خاصة مع مصر والسعودية وإسرائيل، وربما الأردن، ويمكن لهذه الدول أن تفعل كل ما تريده بحصولها على دعم أمريكي غير مشروط. وفي الوقت نفسه، نتظاهر بأننا لن نتحدث أبدا إلى إيران، ما يعني أن الدول الأولى تتعامل مع دعمنا لها كأمر مسلم به، وأننا لا نمتلك أي تأثير مع الأخيرة".

وكان "والت" و"بوسين" قادة "المدرسة الواقعية" الراسخة في العلاقات الدولية، يتحدثان أمام منتدى برعاية معهد الشرق الأوسط ومقره واشنطن. وبالرغم من تأطير هذه المناقشة تحت عنوان "الشرق الأوسط في عصر تنافس القوى العظمى"، ويبدو أن كلا منهما يرفضان فكرة أن السياسة الخارجية الأمريكية قد تحركت بشكل حاسم نحو إطار تنافس القوى العظمى.

وقال "والت": "إذا نظرنا إلى موقع إدارة "ترامب"، فلا يزال لدينا قوات في الناتو تردع روسيا، ولدينا قوات في الشرق الأوسط بالرغم من كل تصريحات ترامب أنه لا يريد ذلك، ولا يزال لدينا قوات في أفغانستان. من المؤكد أن هناك تغيرا في الأسلوب، لكن التوجه العام للسياسة الخارجية الأمريكية تغير في الواقع بشكل أقل مما يعتقده الكثير من الناس".

واتفق الباحثان أيضا على أنه من غير المرجح أن تسعى روسيا والصين بقوة إلى الهيمنة في الشرق الأوسط. وأشار "والت" إلى أنه حتى مع انتصارها المعلن في سوريا، ما زالت روسيا تلعب لعبة دفاعية بشكل أساسي في الشرق الأوسط وعلى المسرح العالمي، بدلا من زيادة نفوذها بشكل كبير.

ومن ناحية أخرى، يمكن توقع أن تسعى الصين بشكل معقول إلى الحصول على قوة أكبر في المنطقة، لكنها لم تفعل حتى الآن.

وقال "والت": "كانت الصين أقل استعدادا لإقامة علاقة خاصة مع الشرق الأوسط، ربما لأنها تدرك تماما أن الأهمية الاستراتيجية للمنطقة ربما تنخفض في الواقع، ولأن الصينيين راقبوا التجربة الأمريكية هناك على مدار الـ20 عاما الماضية".

وتابع: "رأى الصينيون أن الشرق الأوسط كان مستنقعا هائلا أضعف الولايات المتحدة وموقفها العام. ويمكننا الحديث حول أن بكين تلعب لعبة معقولة للغاية هناك، وهي السماح للولايات المتحدة بالاستمرار في إنفاق الموارد في الشرق الأوسط دون الحصول على الكثير من المنافع في المقابل".

وأضاف "والت" أن حقيقة مقاربات روسيا والصين في الشرق الأوسط هي استعدادهما لإقامة علاقات دبلوماسية صحية مع جميع دول المنطقة، على النقيض من التزام الولايات المتحدة بتحالفات غير مشروطة وعداء دائم مع دول أخرى.

وأوضح "والت": "تتحدث كل من روسيا والصين إلى الجميع، يتحدثان مع الإيرانيين، والإسرائيليين، والسعوديين، والمصريين، وبهذه الطريقة تضاعف تلك الدول نفوذها. أما نحن فنفعل العكس تماما، نتحدث إلى بعض البلدان ونؤيدها إلى أقصى درجة، ولا نتحدث إلى الدول الأخرى".

واتفق "بوسين" و"والت" على أن الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط مبالغ فيه بشكل كبير مقارنة بأهمية المنطقة، وأنه يجب تقليصه على الفور.

واختلف الاثنان، مع ذلك، حول ما يتطلبه النهج الذكي للتعامل مع المنطقة من قبل الولايات المتحدة؛ حيث اتفق كلاهما على أن المصلحة الأمريكية الأساسية في الشرق الأوسط تكمن في منع صعود قوة مهيمنة هناك، لكن "بوسين" أكد أن هذا احتمال غير متوقع حتى من دون تدخل الولايات المتحدة لمنعه.

وأوضح "بوسين" أنه "لا يوجد مرشح واضح للهيمنة العسكرية في المنطقة. لقد كانت العراق وسوريا القوتين العسكريتين الرئيسيتين في العالم العربي، وقد انهارت تلك القوة. ومصر مشغولة بمنع التمرد، وإيران لم تقم بتحديث قواتها التقليدية منذ عقد ونصف.

وأوضح "بوسين" كذلك أن أسباب الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة، والعالم بأسره، تتضاءل بسرعة.

وقال "بوسين": "كان الشيء الوحيد الذي جعل هذا الجزء من العالم مثيرا للاهتمام هو النفط. ولم يكن النفط نادرا فحسب، بل هو سم. وعلى مدار الـ 20 عاما القادمة أو نحو ذلك، يجب أن تحاول جميع المجتمعات الصناعية أن تتخلص من هذا السم، لذلك لا ينبغي أن يكون من مهام الجيش الأمريكي دعم سعر منخفض للسم الذي يأتي من الشرق الأوسط".

ومع ذلك، لم يعرب أي من الباحثين عن أمل كبير في أن تتبنى الولايات المتحدة مثل هذا النهج في المستقبل القريب، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية لهذا العام.

وبالإشارة إلى نهج إدارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" باعتبارها تعتمد شيئا ما من "الهيمنة غير الليبرالية"، تنبأ "بوسين" بأن السياسة الخارجية لإدارة "بايدن" المحتملة ستختلف في الأسلوب، ولكن ليس في الجوهر.

وقال "بوسين": "أنا متأكد أن إدارة بايدن ستحاول استعادة ما يعتقدون أنه موقفنا في الشرق الأوسط، وسوف يعودون إلى استخدام بعض الأدوات الأكثر ليبرالية بينما يستمرون أيضا في استخدام الأدوات العسكرية".

ومع ذلك، يرى كلا الباحثين أن الأزمة العالمية الحالية التي أحدثتها جائحة "كوفيد-19" تتيح فرصة للقوى الكبرى لإعادة تقييم النظام العالمي، لتبني "تنافس القوى العظمى"، أو البحث عن نهج أكثر تعاونا أمام التحديات المشتركة.

المصدر | سام فرازر - ريسبونسيبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

نهج إدارة ترامب منطقة الشرق الأوسط فيروس كورونا تداعيات كورونا القوى العظمى

كيف تعمل استراتيجية الولايات المتحدة في العراق عكس أهدافها؟

هل يكون كورونا بداية النهاية للوجود الأمريكي في المنطقة؟

مغالطة التنافس بين القوى العظمى في الشرق الأوسط