استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

اليوم التالى فى الشرق الأوسط

الخميس 23 أبريل 2020 09:08 ص

اليوم التالى فى الشرق الأوسط

يصعب بقاء أحوال النظم وموازين القوى فى الشرق الأوسط على حالها بعد انقضاء جائحة «كورونا».

إلى أي حد يتراجع الوزن الدولي للولايات المتحدة فى عالم ما بعد «كورونا»؟ سؤال إجبارى قبل أى نقاش.

الأزمات تولد الفرص والمخاطر إذا لم نتحرك الآن بالمبادرة فقد تداهمنا تغيرات إقليمية محتملة بعد انقضاء «كورونا» بما لم نحتسب.

*     *     *

يصعب بقاء أحوال النظم وموازين القوى فى الشرق الأوسط على ما هى عليه بعد انقضاء جائحة «كورونا» المستجد.

هناك اعتباران رئيسيان سوف يتحكمان فى صياغة مشاهد اليوم التالى.

الأول ــ وقع التجربة المريرة فى أوساط الناس العاديين والنخب العامة على حد سواء، ومدى الأضرار البشرية والاقتصادية وقدر مسئولية النظم فى عيون مجتمعاتها.

هذه مسائل تدخل فى حسابات الشرعية وتضرب فيها عند الجذور، وما هو محتم من تغييرات مسألة وقت.

والثانى ــ حجم التغييرات فى النظام العالمى بعد انقضاء الجائحة، حقائقه وموازينه الجديدة، التى ستنعكس فى الشرق الأوسط قبل أى إقليم آخر فى العالم بقدر ما يشهده من أزمات وصراعات وحروب.

إلى أى حد يتراجع الوزن الدولى للولايات المتحدة فى عالم ما بعد «كورونا»؟ هذا سؤال إجبارى قبل أى نقاش.

إذا ما تراجع الدور الأمريكى بدرجة أو أخرى فإن انعكاساته على صراعات وأزمات الإقليم وموازين القوى فيه ستتخطى أي قدرة حالية على التخيل.

النظرة إلى إسرائيل وأدوارها ستختلف، والرهانات على تطبيع مجانى معها لإرضاء الولايات المتحدة حفظا للعروش والنظم ستتراجع، ومشروعات تأسيس شرق أوسط جديد تلعب إسرائيل فيه دورا قياديا ستختفى.

هذه مجرد أمثلة لمدى ما يمكن أن يترتب على تراجع الدور الأمريكى.

الدور الصينى مرشح للصعود بعد الجائحة، غير أن الطريق لن يكون معبدا، فالصين ليست فى عجلة من أمرها للتحول إلى قوة عظمى، على ما تؤكد دوما، وتحتاج إلى وقت لإصلاح اختلالات اجتماعية فادحة حيث يعانى بعض مواطنيها من فقر مدقع، ونظامها السياسى يحتاج إلى انفتاح أوسع حتى يكتسب جاذبية الإلهام، الذى تحتاجه أى قوة عظمى فى عالم السماوات المفتوحة.

على جانب آخر فإن هناك حروبا معلنة ومكتومة ستجرى ضدها للحيلولة دون أي صعود محتمل لمنصة القوة العظمى الأولى، إدارة «دونالد ترامب» بدأت الحملات عليها بذريعة مسؤوليتها عن تفشى الوباء وتضليل العالم ومنافسه الديمقراطى «جو بايدن» يزايد عليه ويتهمه بالتساهل مع الصين، ودول غربية أخرى دخلت على خط الاتهامات.

قد تعود بعض أسباب الحملة على الصين إلى أخطاء ارتكبتها فى بداية الوباء، أو تعود إلى صراعات انتخابية في الولايات المتحدة، لكنها فى صلبها تعبير عن صراعات سياسية دولية ستأخذ مداها، ولا شىء سيمضى يسيرا.

هذا عالم جديد يولد من تحت خرائب «كورونا»، وسيأخذ وقته قبل أن تستبين ملامحه وتنعكس حقائقه فى الشرق الأوسط أكثر أقاليم العالم اشتعالا بالأزمات والنيران.

بنظرة على العالم العربى، القوة البشرية الأكبر في الإقليم، فإنه بحالة انكشاف استراتيجى، قضاياه مستباحة وأمنه القومى منتهك ومنظمته الإقليمية الجامعة العربية مشلولة.

في حرب «كورونا» غاب «الدفاع الجماعى»، أو الحد الأدنى من التنسيق والإسناد الاقتصادى والطبى للدول الأكثر تضررا، كما غابت من قبل «اتفاقية الدفاع العربى المشترك» أمام أى تحديات ومخاطر نالت من أمنها القومى.

ضرب «كورونا» جميع المنظمات الدولية والإقليمية بالعجز شبه الكلي، لكنه لم تكن هناك مفاجأة فى حالة الجامعة العربية حيث عللها مزمنة وعجزها أمثولة.

تصلح أحوالها أم تعلن وفاتها؟، هذا سؤال سوف يطرح نفسه على جدول أعمال ما بعد «كورونا»، لكنه فى كل الأحوال ليست له أولوية، فموازين القوى الإقليمية المستجدة ستكون لها السطوة بأي حساب مستقبلي.

المجازفة بالتوقع أقرب إلى المشى فوق رمال متحركة، غير أن هناك ثلاث علامات قد تساعد على اكتشاف الصورة التى يمكن أن يصبح عليها الإقليم بعد «كورونا».

العلامة الأولى، أزمات شرعية تشمل دولا كثيرة فى الشرق الأوسط، لخصتها حالة الحراك السياسى بأربع دول عربية، السودان والجزائر ولبنان والعراق، قبل أن توقف فاعلياتها بتأثير الخشية من تفشى الوباء بأى تجمعات، وقفت فى منتصف الطريق، لا حققت أهدافها ولا رفعت راياتها البيضاء.

هل يبدو السودان أفضل حالا نسبيا بعد إنشاء سلطة انتقالية لم تستوف مؤسساتها؟ لا أحد بوسعه أن يجزم بانتقال السلطة من العسكريين إلى المدنيين، وما إذا سيكون حقيقيا أم صوريا.

فى الجزائر تعطل الاستحقاق الدستورى بأثر الإجراءات الاحترازية. رغم انتخاب رئاسة جديدة فإن الشكوك والريب ما زالت مخيمة على البيئة العامة، ولا أحد بوسعه أن يتوقع مآل الحراك والسلطة والشرعية بعد «كورونا».

في لبنان جرى توقف آخر بعد أن أنهك البلد بالتوظيف السياسى الزائد للحراك عكس مقاصده، وأفضى الوباء إلى تفاقم المصاعب الاقتصادية فوق طاقة أى تحمل.

وفى العراق جرى التعطيل نفسه لحراك شهد برك دماء مروعة دون أن تصل مطالبه المشروعة لمحطتها الأخيرة، كل شىء معلق على تطورات الحوادث.

العلامة الثانية، قدر الصدامات المسلحة فى الإقليم وما قد تؤشر عليه مستقبلا.

فى اليمن هدنة جزئية دعت إليها السعودية تحت ضغط أزمة «كورونا» المتفشية والحوثيون اعترضوا على طابعها المؤقت وجرت مناوشات.

فى ليبيا تصعيد للمواجهات العسكرية رغم نداءات التهدئة، وشكوك قوية فى دعم عسكرى تركى مكن قوات حكومة الوفاق الوطني «فايز السراج» من تحقيق تقدم مفاجئ فى بعض الجبهات، لم يكن ذلك ممكنا دون ضوء أخضر من قوة عظمى متداخلة فى الملف، أمريكا مرجحة وروسيا غير مستبعدة ــ كما استمعت من شخصية دبلوماسية رفيعة ومطلعة.

فى سوريا تبدت هدنة هشة موقوتة بحسابات وتفاهمات قد لا تصمد بعد أن ينقشع الوباء.

في البلدان المنكوبة الثلاثة، اليمن وليبيا وسوريا، خفتت حتى الآن أرقام الإصابات والوفيات بـ«كورونا» بسبب العزلة المفروضة عليها، فإذا ما استفحلت موجات الوباء فإنها ستكون فى وضع كارثى.

بقدر أكبر يتعرض الفلسطينيون فى الضفة الغربية وقطاع غزة وخلف الجدار ومخيمات الشتات إلى ضربات مزدوجة من الوباء والتمييز العنصرى الإسرائيلى.

العلامة الثالثة، الصورة التى تبدو عليها أكبر ثلاث كتل تاريخية وسكانية فى الإقليم، مصر وإيران وتركيا.

هناك قوتان أخريان مؤثرتان على خرائط الإقليم، السعودية بمواردها المالية وإسرائيل بأوزانها العسكرية، غير أنه بحقائق الجغرافيا السياسية فإن الكتل الكبيرة الثلاث هي التى ستلعب الأدوار الأبرز فى المشهد الإقليمى المستجد بعد «كورونا».

إيران فى وضع حصار مزدوج تحت ضربات «كورونا» القاسية والعقوبات الاقتصادية الأمريكية المتصاعدة، لكنها طرف رئيسى فى أزمات ومعادلات الإقليم يستحيل حذفه أو التوصل إلى تسويات مرضية فى غيابها.

تركيا فى وضع ارتباك والاتهامات تطارد حكومتها بالتسبب فى تفاقم الأزمة الصحية وافتعال صدامات مع عمد استنبول وأنقرة وأزمير خشية تصاعد نفوذ المعارضة.

رغم ذلك فإنه يستحيل حذف الدور التركى، أو التقليل من شأنه بأى حسابات مستقبلية.

وفي مصر.. قضية سد النهضة والتحرك الدبلوماسى لحلحتها قبل أن تصل إلى نقطة الانفجار، إذا ما ملأت خزانه إثيوبيا من طرف واحد دون اتفاق مع دولتى المصب مصر والسودان، لها الأولوية بطبيعة الحال.

غير أن إطلاق روح المبادرة على جبهات الإقليم سوف تكون إضافة حقيقية للوزن المصرى فى لحظة حرب مياه غير مستبعدة.

هناك ما يستحق المبادرة مثل نقل الحوار مع إيران إلى العلن الدبلوماسى بحثا عن حلول للأزمات المستعصية فى الإقليم ومصالحات ممكنة مع دول الخليج تساعد فى إنهاء المحنة اليمنية، التى لن تتوقف دون هذه المصالحة.

الخليجيون لا يمانعون فى مثل هذه المصالحة، لهم متطلبات واشتراطات بعضها يمكن قبوله وبعضها الآخر فيها تزيد، الدور المصرى أقرب إلى جسر تفاهم بين طرفين إقليميين انهكهما التنازع الطويل.

في الظروف الحالية تصعب أى تهدئة مستدامة مع تركيا، لكنه ينبغى التفرقة بين الخلاف السياسى مع «أردوغان» والعلاقة التاريخية مع الشعب التركى بقوته الناعمة ومثقفيه.

الأزمات تولد الفرص كما المخاطر، إذا لم نتحرك الآن بالمبادرة فقد تداهمنا التغييرات المحتملة في الإقليم بعد انقضاء «كورونا» بما لم نحتسب من أعاصير وزلازل.

* عبد الله السناوي كاتب صحفي مصري.

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية