استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الجائحة ورهاناتنا الخاسرة

الثلاثاء 2 يونيو 2020 11:17 ص

الجائحة ورهاناتنا الخاسرة

جموع الفقراء والمهمشين الذين يحتجون اليوم في الغرب سيحددون الرهانات ويدفعون بها إلى الواجهة.

يراهنون على طلب الاحتجاج طلبا للكرامة والحق في الحياة في الولايات المتحدة ويقاومون التورط في العنف.

الجائحة تكشف تناقضات المجتمعات وتظهر أسباب أزماتها وتضعها أمام اختيار حاد بين الانتصار للعدل والحرية والسقوط في تعايش مع ظلم وفقر وعنصرية.

*     *     *

هذا هو فعل الجائحة، تكشف تناقضات مجتمعاتنا وتظهر الأسباب الحقيقية لأزماتها وتضعنا أمام اختيار حاد بين الانتصار الصريح لقيم العدل والحرية والتسامح والتضامن وبين السقوط في هوة التعايش الخانع مع المزيد من الظلم والفقر والعنصرية وسحق الضعفاء.

تواصل جائحة كوفيد ـ 19 تعريض حياة الناس للخطر، والضغط على منظومات الرعاية الصحية، وتعميق المعاناة الاقتصادية والاجتماعية للفقراء والمهمشين والضعفاء.

وتدفع الحكومات إلى محاولات محمومة ومتنوعة للاستجابة إلى تحديات شيوع الموت والمرض والبطالة وتصاعد الاحتجاجات المجتمعية المطالبة بالتغيير ممن ظلموا طويلا كما في الولايات المتحدة أو ممن يرون أن انتهاك كرامتهم وحقوقهم وحرياتهم بلغ مع الجائحة دركا يستحيل معه مواصلة الصمت كبسطاء العمال من الأقليات في الخليج.

أما نحن، البقية أو الأقلية التي لم تتغير بعد ظروف حياتها على نحو جذري في الشمال الغني والجنوب الفقير، فلم يعد أمامنا غير سوى أمر من أمرين؛ فإما التضامن مع مطالب التغيير دفاعا عن إنسانيتنا.

ورفضا لرؤية المزيد من المواطنين الأمريكيين السود يقتلون والمزيد من العمال الآسيويين والمصريين يرحلون والمزيد من الفقراء والضعفاء في عجز عن الحصول على الرعاية الصحية وعن إعاشة أسرهم أو تجاهل كل هذه المعاناة والاختباء المخادع خلف ما يبدو لنا اليوم كضمانات للحماية من تناقضات مجتمعاتنا.

وليس فيما تمارسه شرائح الطبقات الوسطى المتعاطفة مع اليمين المحافظ في الغرب الأمريكي والأوروبي من تأييد لحكومات وأحزاب تمعن في محاباة الأغنياء وتمرير المظالم الاقتصادية والاجتماعية والانتهاكات باتجاه الفقراء والمهمشين والضعفاء والتعامل الأمني مع الاحتجاجات التي تشهدها اليوم المدن الأمريكية وبعض ضواحي المدن الكبيرة في فرنسا.

ليس في ذلك غير الاختباء المخادع خلف ضمانات لون البشرة ومستوى الدخل ومكان السكن وهي جميعا وبعيدا عن إنسانيتها الغائبة ذات طبيعة مؤقتة وقابلة للانهيار المفاجئ والسريع.

وليس فيما تمارسه الأغلبية الصامتة من المواطنين في الخليج من تجاهل للأوضاع المهينة لبسطاء العمال الأجانب ولا فيما تمارسه الطبقات الوسطى في عموم المجتمعات العربية من ترك الفقراء والمهمشين ومحدودي الدخل يواجهون مصائرهم القاسية المحتومة دون تضامن يذكر سوى من الحكومات.

ليس في هذا وذاك غير رهان غير إنساني وخاسر على صنوف الحماية التي يوفرها شيء من الدخل وشيء من السكن الآمن والكثير من استغلال الفقراء والمهمشين.

تلك هي الرهانات غير الإنسانية والخاسرة لبعض شرائح الطبقات الوسطى في الغرب ولجل الطبقات الوسطى في المجتمعات العربية وفي العديد من أقاليم عالمنا المعاصر.

فما هي الرهانات الأكثر إنسانية والأكثر قابلية للنجاة بنا من هوة التعايش مع الظلم والفقر والعنصرية وسحق الضعفاء ومن كارثة العنف الأهلي التي لن يوقفها لا التعامل الأمني ولا حلول جزئية من مسكنات ومهدئات مؤقتة مثل توزيع القليل من المال على جموع المسحوقين في الولايات المتحدة الأمريكية أو إعادة العمال البسطاء من الخليج إلى مواطنهم الأصلية حيث الفقر والبطالة والمرض في الانتظار؟

وهل يحق لي أو لغيري ممن لم تتغير ظروف حياتهم بفعل الجائحة على نحو جذري وممن تعايشوا طويلا من مواقعهم الاقتصادية والاجتماعية المختلفة مع سحق جموع الفقراء والمهمشين دون طلب جاد للتغيير المجتمعي، هل يحق لنا التفكير في هوية تلك الرهانات الأكثر الإنسانية والأكثر قابلية للنجاة بمجتمعاتنا؟

الإجابة هي أن جموع الفقراء والمهمشين الذين يحتجون اليوم في الغرب ويثقون في الخدمات التي تقدمها لهم حكوماتهم السلطوية في الشرق أكثر مما يثقون في المعارضات الديمقراطية هم من سيحددون هذه الرهانات ويدفعون بها إلى الواجهة.

يراهنون على طلب الاحتجاج طلبا للكرامة والحق في الحياة في الولايات المتحدة ويقاومون التورط في العنف؛ يراهنون في بلاد العرب ومع غياب البدائل وضعف تضامن الطبقات الوسطى والشرائح الغنية على مسؤولية الفعل الحكومي لتجنيبهم المزيد من ويلات الجائحة.

يراهنون على تضامن عناصر النخب الفكرية والثقافية والأكاديمية والإعلامية مع بحث المسحوقين عن التعبير بحرية عن اختياراتهم وتحمل نتائجها..

وإن كان الاحتجاج في ظروف الجائحة في المدن الغربية لا يعجب البعض والتعويل على الحكومات غير الديمقراطية في بلاد العرب لا يروق للبعض الآخر.

لنتابع في صمت، ونعيد النظر.

* د. عمرو حمزاوي كاتب وأكاديمي مصري، باحث بجامعة ستانفورد الأميركية.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية