استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

سجون أكثر ومستشفيات أقل.. تجارة الهلاك

الخميس 4 يونيو 2020 06:37 ص

الكارثة الحقيقية ليست وصول انتشار الوباء إلى الذروة، بل هي وصول منهج الغباء والاستغباء والاستخفاف إلى القمة، حتى باتت مصر تواجه كورونا بأقل من 10% من الطب وأكثر من 90% من الأمن والعسكرة والدجل والشعوذة.

خلال الأيام الماضية استمر تساقط أطباء وعاملين بالقطاع الصحي شهداء في مواجهة الوباء، فيما خرج وزير الإعلام يلوح بإجراءات عنيفة وتحدثت وزيرة الصحة عن تدابير أكثر قسوة.

لو حذفت وزيري الإعلام والصحة من العبارة السابقة، فلا يمكن أن يقرأها أحد إلا بوصفها تصريحات من وزير داخلية أو مدير أمن في مواجهة أعمال شغب أو أحداث عنف وبلطجة، أما كونها تمثل مضمون كلام وزيرين يفترض أنهما مدنيان.

فهذا يضعنا أمام حالة عبثية لو مضت معها الأمور على هذا النحو المفرط في الجهل يمكن مثلا مع قليل من الفنتازيا توقع إعلان السلطات عن حل مبتكر للتصدي لفيروس كورونا عن طريق إطلاق قنابل الغاز وطلقات الخرطوش على حلق المريض.

مع تصاعد مستويات الرعب الجماهيري من خطورة الوباء، في ظل تقافز عداد الوفيات والإصابات، وحالات الموت بحثًا عن مكان للعلاج، وارتفاع صرخات الاستغاثة على الأرض وفي فضاء التواصل الاجتماعي.

كان من المتصور أن تقطع الحكومة المصرية خطوات على طريق "أنسنة" سياساتها وسلوكياتها وخطابها، بحيث تبدو أكثر رحمة واحترامًا لأبسط قواعد العلم والمنطق في مواجهة الكارثة.

تخيلت مثلًا إعلاءً للخطاب العاطفي (المصطنع) من المسؤولين كما يفعلون في مناسبات أقل خطورة، من باب الهيمنة على وعي الجماهير ودغدغة مشاعرها، غير أن ما جرى كان عكس ذلك تمامًا.

إذ كلما أظهر الفيروس كثيرًا من شراسته، أظهرت السلطة المصرية المزيد من انتهازيتها الوقحة ورغبتها المستعرة في حصد أكبر قدر من المكاسب الممكنة، ماليًا وسياسيًا، بحيث ظهرت في صورة تاجر الأزمات المحترف، ضاربة بكلامها الاستعراضي في بدايات الكارثة عرض الحائط.

في الأسبوع الأول من أبريل/ نيسان الماضي ظهر عبد الفتاح السيسي في احتفالية عسكرية مهيبة، مقدمًا نفسه باعتباره القائد الأعلى لقوات محاربة كورونا.

ونشرت وسائل الإعلام الرسمية أن السيسي شاهد فيلما تسجيليا عن استعدادات مكافحة فيروس كورونا، وأنه تم تجهيز كل المستشفيات العسكرية لاستقبال العسكريين والمدنيين مع تجهيز 22 مستشفى عسكريًا بطاقة 4 آلاف سرير و4 مستشفيات ميدانية متنقلة بطاقة 502 سرير عزل.

هذا ما تم إعلانه في زفة عسكرية ضخمة، غير أن الواقع بعد مرور شهرين تقريبًا على هذه البيانات أن النظام يتاجر في الوباء، ولا يفتح مستشفياته العسكرية والشرطية للمواطنين الذين يموتون لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى مستشفيات تعالجهم، وإن وصلوا فلا يسمح لهم بالدخول!

ناهيك عن تلك الروح العدائية الاستعلائية التي تتعامل بها السلطة مع الأطباء، والتي تصل حد الاستهداف الأمني والتنكيل الوظيفي.

وفي ذلك استمعت لرسائل صوتية يتداولها عاملون في القطاع الطبي وتحمل حديثًا من وكلاء وزارة الصحة بالمحافظات وتهدد الأطباء بالقضاء العسكري ومحاكم أمن الدولة العليا في حالة عدم تنفيذ التعليمات الخاصة بعدم أخذ مسحات للمشتبه في إصابتهم بكورونا...

كما تشدد على ضرورة التوقف عن تقديم أية خدمات علاجية أخرى من غسيل كلى وخلافه، مع تشغيل أطباء الأسنان والعلاج الطبيعي إجباريًا في معالجة إصابات كورونا.

بل أن أحد وكلاء وزارة الصحة يقول حرفيًا "الدكتور اللي بيشتغل وهو ميت يشتغل.. عندك جراحين وعلاج طبيعي وأسنان شغلهم بالأمر".

وإلى جانب ترويع الأطباء والتعاطي معهم باعتبارهم عمال سخرة، لا يتوقفون عن ضخ مزيد من تصريحات تخاصم العلم وتحتقر الطب، وهذه المرة على لسان الوزيرة، التي جعلوها طبيبة ثم وزيرة للصحة رغم أنفها كما اعترفت في لقاء متلفز.

لتنشر على لسانها واحدة من صحفهم أن قوة مناعة المصريين أعطت للحكومة البراح لمعالجة مصابي كورونا، في اجترار لكلام المصاطب الذي راج على نطاق واسع تلفزيونيًا في بداية ظهور الوباء، وكانت النتيجة أنهم حشروا المواطن بين فكي الجائحة، وجلسوا يجمعون الأرباح.

بالتوازي مع ذلك، يعلن مجلس الوزراء رفضه القاطع للمطالب الخاصة بفتح مستشفيات الجيش والشرطة لعلاج المواطنين، ثم يحدد تسعيرة مستشفيات القطاع الخاص لاستقبال حالات الإصابة بالفيروس.

لتكتمل مكونات صورة الدولة/ التاجر الذي يطرح فرص النجاة من الوباء في السوق، بالصفاقة ذاتها التي يطرح فيها الفرص الاستثمارية على أصحاب الثروات، وكما استثمروا في بيزنس الحجر الصحي للعائدين، يواصلون مع الباحثين عن الغوث من موت يلاحقهم في بيوتهم ومقار عملهم.

لا أظن أن دولة في العالم، قديمه وحديثه، مرت بها كارثة طبيعية، وباءً أو زلزالًا، قايضت مواطنيها على رسوم النجاة من الهلاك. فهل سمعت عن قوات إطفاء تشترط الحصول على أجرتها قبل أن تنقذ بشرًا يكاد يلتهمهم حريق؟

ما أعرفه أن الدول المحترمة تنشغل بتوفير سرير في مستشفى، ومقعد في فصل دراسي، أكثر من اهتمامها بوجود مكان في زنزانة، مقبضة على كل مواطن يعارضها أو يحتج على سياساتها.

الدول الموبوءة بالطغاة فقط هي التي تحرص على توفير طاقة استيعابية ضخمة داخل السجون، ولا تعبأ بالطاقة الاستيعابية في المستشفيات.

- وائل قنديل كاتب صحفي مصري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية