استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن إصلاح الشرطة.. فى أمريكا

الأحد 14 يونيو 2020 04:59 م

عن إصلاح الشرطة.. فى أمريكا

كلفت الشرطة بمراقبة هروب العبيد من المزارع ثم انتقلت العلاقة إلى لعب الشرطة دورا معوقا لصهر السود فى المؤسسات المختلفة.

كانت الشرطة أداة استخدمها حكام بعض الولايات لتنفيذ الفصل العنصرى بين السود والبيض والتصدي للسود المعترضين على هذا الفصل.

خلال حركة الحقوق المدنية كانت الشرطة تقف بوجه مسيرات الحركة بمدن الجنوب ورسخ ذلك كله صورة الشرطى العنصرى بين الطرفين: الشرطة والسود.

*     *     *

مع اندلاع احتجاجات واسعة فى مئات المدن الأمريكية على خلفية مقتل جورج فلويد، الرجل الأسود على يد رجل شرطة أبيض، انصب اهتمام نخب السياسة الأمريكية سواء فى واشنطن أو فى الولايات الخمسين على إعادة النظر وعلاج الاختلالات الهيكلية في تركيبة وبناء ونفسية أجهزة الشرطة التى أدت لتفشى العنصرية داخلها وتبنيها بعض الأساليب الوحشية فى التعامل مع الأقليات خاصة السود منهم.

البعض يرى الشرطة الأمريكية كغيرها من أجهزة الشرطة حول العالم، عليها أن تلتزم بما تلتزم به أجهزة شرطة الدول القريبة من أمريكا مثل كندا وبريطانيا وألمانيا.

ويطالب آخرون بإصلاحها وتهذيب أفرادها وإقناعهم بأنهم موظفون عموميون يقدمون خدمة عامة للمواطنين مقابل أجر، وفريق ثالث لا يرى أى غضاضة فى ممارسات الشرطة ويرجع التجاوزات لحوادث فردية لا تعبر فى رأيه عن سلوك أو عنصرية أجهزتها.

ويرجع تاريخ توتر علاقة السود بالشرطة لتاريخ طويل بدءا مع انتشار ظاهرة العبودية منذ منتصف القرن السادس عشر، إذ كلفت الشرطة فى بداية تأسيسها بمراقبة ومتابعة ومنع هروب العبيد من المزارع التى يعملون فيها، ثم انتقلت العلاقة فى مرحلة تالية إلى لعب الشرطة دورا معوقا لصهر السود فى المؤسسات المختلفة.

ثم كانت الشرطة هى الأداة التى استخدمها حكام بعض الولايات، خاصة فى الجنوب، لتنفيذ الفصل العنصرى بين السود والبيض والوقوف فى وجه السود المعترضين على هذا الفصل.

وخلال ذروة حركة الحقوق المدنية فى الولايات المتحدة كانت الشرطة هى التى تقف فى وجه مسيرات زعماء الحركة فى مدن الجنوب، وساهم ذلك كله فى ترسيخ صورة الشرطى العنصرى بين الطرفين نفسهما، الشرطة والسود.

ورغم تعدد المبادرات الداعية لإصلاح الشرطة الأمريكية والتى اتخذت منحنى أكثر جدية خلال الأيام القليلة الماضية، تبقى هناك عوامل أربعة تعرقل هذه الإصلاحات.

*     *     *

قوة الاتحادات العمالية لأفراد الشرطة، ويتمتع رجال الشرطة بدعم غير محدود من الاتحادات العمالية المهنية الخاصة بهم، ولا يقتصر دور تلك الاتحادات على ضمان حصول أفراد الشرطة على أجور مرتفعة أو برامج تأمين صحية مميزة ومزايا مادية كغيرها من الاتحادات العمالية، بل تضغط على السياسيين والقضاء من أجل معاملة أفضل لأفرادها، على خلفية خطورة المهام الملقاة على عاتقهم.

وتربط اتحادات الشرطة علاقات طيبة بالحزبين الرئيسيين، وتقليديا يتودد الديمقراطيون للاتحادات العمالية لأهداف تصويتية انتخابية صرفة، فى حين يقدم الجمهوريون على دعم التشريعات الداعمة لأفراد الشرطة والأجهزة الأمنية بصفة عامة.

من ناحية أخرى، تحد الاتحادات العمالية من قدرة رؤساء أجهزة الشرطة على إقالة أى شرطى أو وقفه عن العمل حتى بعد اقتراف انتهاكات كبيرة.

وذكرت تقارير إخبارية أن الشرطى المتهم بقتل جورج فلويد قدمت ضده 17 شكوى خلال سنوات عمله كشرطى، ولم يتم عقابه أو وقفه عن العمل.

*     *     *

الطبيعة اللامركزية للشرطة الأمريكية، إذ يتوزع 800 ألف شرطى على أكثر من 18 ألف وحدة أغلبها وحدات صغيرة العدد. وتشرف الحكومة الفيدرالية على عدد محدود من أجهزة الشرطة عبر وزارة العدل ووزارة الأمن الداخلى من أهمها «إف بى آى» (FBI) وإدارة السجون الفيدرالية، ولا يتخطى عدد المنتمين للحكومة المركزية 100 ألف شرطى.

وينتمى أغلب أفراد الشرطة للولايات ووحداتها المحلية، وهناك رئيس للشرطة فى كل مدينة يعينه العمدة المنتخب، وتنتخب بعض المقاطعات مأمور الشرطة بطريقة مباشرة.

ويعرقل تفتيت أجهزة الشرطة الأمريكية فرض أى معايير إصلاحية على المستوى القومى، ويترك للولايات والوحدات المحلية استقلالية تدريب أفرادها وترتيب أوضاعها.

*     *     *

ثالث العوامل المعرقلة لإصلاح الشرطة يتمثل فى جهود عسكرة الشرطة وحق حمل السلاح، وتشتكى الكثير من المنظمات الحقوقية من طبيعة تدريب أفراد الشرطة التى تركز على مواجهات عسكرية على حساب كيفية التعامل فى الأزمات المختلفة دون الحاجة لاستخدام السلاح.

وتساهم وزارة الدفاع «البنتاجون» فى عسكرة الشرطة الأمريكية من خلال مدها المستمر بمدرعات وبنادق وقاذفات قنابل وذخيرة زائدة على حاجتها، ثم تقديم تدريب عسكرى لأفراد الشرطة على استخدام هذه الأسلحة.

وتدفع تجهيزات الشرطة العسكرية إلى قيامها بعمليات يراها المواطنون ذات طبيعة عسكرية، وهو ما يسهم فى فقدان الثقة بين الشرطة والمواطنين خاصة أبناء الأقليات.

ويرتبط بهذا العامل من جهة أخرى، أن الشارع الأمريكى مدجج بالسلاح بسبب التعديل الثانى فى الدستور الذى يحظر أى تشريع يحد من قدرة المواطن على امتلاك أسلحة.

وتشير بيانات حكومية لامتلاك 132 مليون أمريكى لأكثر من 383 مليون قطعة سلاح نارى من مسدسات وصولا لبنادق آلية.

ويزيد ذلك من خطورة عمل رجال الشرطة، حيث قتل منهم 2455 خلال الفترة بين عامى 2000 و2014، أى بمتوسط قتل ثلاثة أفراد شرطة أسبوعيا، وهو ما يصعب من دعوات الإصلاح.

*     *     *

فى تعقيبه على حادثة قتل فلويد، تنبأ الرئيس السابق باراك أوباما بأن ما تشهده الولايات المتحدة سيكون بمثابة «صحوة سياسية لتوحيد البلاد حول العدالة العرقية وإصلاح الشرطة».

وخلال السنوات الثمانى من وجوده فى البيت الأبيض، لم يستطع أوباما أن يدفع بإصلاحات جذرية تجاه ممارسات الشرطة الأمريكية حيث عرقل الجمهوريون دعواته الإصلاحية.

ويدفع تصويت السود بنسبة مرتفعة للحزب الديمقراطى، تتخطى الـ90%، لانخفاض حماس المشرعين الجمهوريين تجاه قضية غير مهمة لناخبيهم البيض بالأساس.

وأتبع ساسة جمهوريون خطى الرئيس دونالد ترامب فى إلقاء اللوم على عناصر فوضوية من تنظيم «أنتيفا»، بدلا من تحميل الشرطة مسئولية الفوضى التى أعقبت قتل فلويد.

ومن المنتظر أن تبحث عدة لجان فى مجلسى الكونغرس عدة مقترحات لإصلاح استخدام الشرطة للقوة، لكن ومع قرب حلول موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لا يعول الكثير على تبنى أى إصلاحات جادة خلال عام 2020.

* محمد المنشاوي كاتب صحفي في الشؤون الأمريكية من واشنطن

المصدر | الشروق المصرية

  كلمات مفتاحية