فك شيفرة قانون قيصر.. هل يستهدف الأسد حقا؟

الجمعة 19 يونيو 2020 07:36 م

بعد توقف طويل عن المشاركة في العملية السياسية في سوريا، عادت إدارة "دونالد ترامب" هذا الأسبوع بفرض "قانون قيصر"، وهي عقوبات أمريكية على النظام السوري ومؤيديه في موسكو وطهران.

وفي حين تأتي هذه الخطوة علانية تحت راية حماية المدنيين السوريين، فإنها تخفي نهجا أمريكيا لتعطيل أي محاولة روسية لإنهاء الصراع السوري دون شروط أمريكية مسبقة.

وتطلق إدارة "ترامب" مرحلة جديدة من سياسة الولايات المتحدة في سوريا، تتمثل في نهج لا يضمن نتائج مضمونة ولا إطارا استراتيجيا واسعا أو آلية قوية لتنفيذها.

وبعد 6 أعوام من المداولات داخل الكونجرس والبيت الأبيض، أصبح "قانون قيصر" حقيقة واقعة في وقت حرج من الحراك السياسي والظروف الاقتصادية الصعبة في جميع أنحاء سوريا وبلاد الشام.

وبدأت تداعيات هذه الخطوة قبل دخولها الرسمي حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران، وظهر ذلك في الأحداث التي وقعت في الأشهر الماضية، مثل التوترات الروسية الإيرانية في سوريا، وعلى الأخص النزاع بين رئيس النظام السوري "بشار الأسد" وابن عمه رجل الأعمال القوي "رامي مخلوف".

كما ظهرت آثار القانون قبل تطبيقه في المواءمة بين المصالح التركية والأمريكية، وانخفاض قيمة الليرة السورية واللبنانية مقابل الدولار الأمريكي.

ويعد النص الحالي لـ "قانون قيصر" نسخة معتدلة من المسودة الأصلية التي تضمنت ذات يوم اقتراحا لإضفاء الطابع المؤسسي على منطقة حظر الطيران فوق سوريا، ولكن عدم رغبة واشنطن لتوسيع التدخل في سوريا آنذاك أدى إلى تراجع التوقعات.

وفي النهاية، تم إدراج أجزاء من "قانون قيصر" الأولي في قانون تفويض الدفاع الوطني للعام المالي 2020. وجاء هذا التقدم في ديسمبر/كانون الأول الماضي عندما ظهر إجماع بين الحزبين في مجلس الشيوخ لتحديد مسار السياسة الأمريكية في سوريا، في الوقت الذي سمح فيه "ترامب" بالتوسع الروسي شرق نهر الفرات، في نتيجة مباشرة لإعطاء ضوء أخضر خفي للتوغل التركي في سوريا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويعتبر "قانون قيصر" اعترافا أمريكيا بأن الحرب السورية قد انتهت، وأن مسعى إدارة "ترامب" الآن هو الحفاظ على المكاسب الأمريكية في سوريا، وتوفير الحد الأدنى من الحماية للأراضي السورية الخاضعة للسيطرة التركية من هجوم روسي محتمل ومتكرر.

ومن خلال تفعيل هذا القانون، ترسل واشنطن برسالة إلى موسكو بعدم وجود خروج مجاني من الصراع السوري دون تلبية الحد الأدنى من المتطلبات الأمريكية.

وسوف يتحكم الفيتو الأمريكي في هذا النزاع على الأقل حتى الانتخابات الرئاسية السورية في العام المقبل. وبالتالي، من خلال سن "قانون قيصر"، تفتح الولايات المتحدة باب المزايدة على سوريا بين القوى المؤثرة في البلد الذي مزقته الحرب.

ويكرس "قانون قيصر" الأسس الأساسية لسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا منذ عام 2011، أي عدم اللجوء إلى الخيارات العسكرية لتحقيق الأهداف (باستثناء مكافحة الإرهاب) وعدم الانخراط بشكل مباشر في الحرب الأهلية السورية.

وبدلا من ذلك، تتخذ إدارة "ترامب" مسارا مألوفا من خلال العقوبات الاقتصادية التي تسعى من خلالها إلى تغيير الحسابات الروسية وبالتالي ديناميات الصراع السوري.

وعلى عكس العقوبات الأمريكية على إيران، فإن "قانون قيصر" ليس لديه آلية تنفيذ قوية، ولكنه يمنح الإدارة الأمريكية مساحة أكبر مما هو مطلوب عادة للسلطة التنفيذية في مشاريع قوانين الكونجرس.

ويمنح هذا "ترامب"، أو أي رئيس من بعده، مرونة في التفاوض مع روسيا والتساهل مع حلفاء واشنطن في الدول المجاورة فيما يتعلق بهذه العقوبات على سوريا.

الخطوط العريضة

ويتضمن "قانون قيصر"، 4 خطوط عريضة لا تعكس فقط تفكير الولايات المتحدة في الأمر، ولكن أيضا حدود سلطتها.

يتعلق الأول بحماية المدنيين السوريين، وهي محاولة لمنع قرار عسكري في إدلب وتعزيز الوضع الراهن في الأراضي الواقعة تحت النفوذ التركي.

ويعد "قانون قيصر" تأكيدا على التقارب الأمريكي التركي الأخير في سوريا وخارجها، حيث تواصل واشنطن جهودها لإبقاء أنقرة بعيدا عن موسكو قدر الإمكان.

ومع ذلك، فإن أفق هذا التكتيك محدودا، لأنه يعتمد إلى حد كبير على رد روسيا الإيجابي على الضغوط الأمريكية، في حين قد لا تكون تركيا على استعداد للذهاب إلى جانب الولايات المتحدة نظرا لدعم واشنطن المتواصل لـ "قوات سوريا الديمقراطية" التي يمثل الانفصاليون الأكراد عمودها الفقري.

وقد تجد الإدارة الأمريكية أيضا أن يديها مقيدة إذا قررت موسكو قلب الطاولة وأعادت إطلاق عملية عسكرية في إدلب.

أما الخط الثاني، فيتناول العملية السياسية السورية من خلال طرح القضايا التي تهم المعارضة السورية، مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب.

علاوة على ذلك، تقتصر المساعدة الأمريكية في هذا السياق، كما هو منصوص عليه في القانون، على السماح للسلطات الفيدرالية بالمساعدة في جمع الأدلة لدعم جهود المؤسسات الدولية التي تجري تحقيقات جنائية، بينما تتعهد فقط بعدم وجود مساعدة قانونية أو قضائية أمريكية لسوريا طالما بقي "بشار الأسد" في السلطة.

ويتضح بشكل متزايد أن القضايا الداخلية السورية لا تزال قابلة للتفاوض بالنسبة لواشنطن أكثر بكثير من مكاسبها الاستراتيجية في سوريا.

ثالثا، يترك القانون الباب مفتوحا لقضية المستقبل السياسي لـ "الأسد"، بالقول إن العقوبات تهدف إلى "إجبار حكومة بشار الأسد على وقف هجماتها القاتلة على الشعب السوري، ودعم الانتقال إلى حكومة تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع جيرانها".

ويشير القانون إلى "حكومة الأسد" دون أن يطلب صراحة من "الأسد" التنحي ودون ذكر المعارضة السورية ولو لمرة واحدة.

ويوجد القليل مما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله أو ترغب في القيام به فيما يتعلق بنظام "الأسد" بخلاف العقوبات. ولا يبدو أن الحال نفسها حين انخرطت الولايات المتحدة ضد "معمر القذافي" في ليبيا قبل الربيع العربي، و"عمر البشير" في السودان بعده.

وبخلاف متطلبات الولايات المتحدة من روسيا لتقليل التأثير الإيراني، وهو المطلب الذي لا تعارضه موسكو، يمكن لروسيا أن تفي بكافة المطالب الأمريكية الأخرى في إطار سيناريو روسي مصاغ بعناية يحافظ على الوضع الراهن.

رابعا، تتأثر روسيا وإيران بالعقوبات الأمريكية القائمة بالفعل، ومن ثم فلن يكون لـ "قانون قيصر" تأثير كبير على الدور المستمر لكل منهما في الصراع السوري، وقد يعطي التوتر المتزايد لـ "ترامب" مع الصين حافزا لبكين لملء الفراغ الاستثماري المتبقي في سوريا.

إلا أن "قانون قيصر" سيؤثر حتما على حلفاء واشنطن في المنطقة، ويزيد من الضغط الاقتصادي على النظام السوري.

وتبعث واشنطن هنا برسالة واضحة إلى الدول المجاورة التي كانت تفكر في التقارب مع دمشق؛ مثل لبنان والأردن والعراق والإمارات، وحتى تركيا.

وتملك واشنطن اليد العليا في الوقت الحالي، حيث تتزايد مخاوف موسكو بشأن العبء الاقتصادي للصراع السوري، وقد تعوق العقوبات الأمريكية عملية إعادة الإعمار في سوريا، وتحرمها من الاستثمارات الخليجية المحتملة.

ولكن، لا توجد ضمانات لنجاح "قانون قيصر"، وتعني السياسة الداخلية الأمريكية المتقلبة أن واشنطن قد لا تدعمه لفترة طويلة.

ويتطلب تحقيق أهداف "قانون قيصر" دبلوماسية أمريكية مكثفة ومشاركة حتمية مع موسكو، وهو الأمر الذي لا يبدو عمليا خلال الفترة المتبقية من رئاسة "ترامب".

وتُظهر الولايات المتحدة استعدادها لعرقلة الانتصار الروسي الإيراني، وهو أمر مثير لإعجاب المعارضة السورية، التي طالما كانت تتوق إلى القيادة الأمريكية. ومع ذلك، عندما يستقر الغبار، لن تقدم واشنطن استراتيجية متماسكة ولا مسارا واضحا لتحقيق تلك الأهداف.

المصدر | جو ماكرون/ريسبونسيببل ستيتكرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قانون قيصر نظام بشار الأسد العقوبات الأمريكية

بينهم حمشو وماهر الأسد.. 39 شخصا وكيانا على قائمة قيصر

واشنطن تتوعد المقربين من نظام بشار الأسد بألم حقيقي

مات قهرا بعدما شاهد صورة ابنه المقتول بسجون الأسد

هل يمكن أن تسقط عقوبات قيصر الأسد؟

بالأسماء.. عقوبات قيصر الجديدة تطال مساعدين للأسد