ناشيونال إنترست: دول الخليج ستضطر للاختيار بين أمريكا والصين

الأحد 21 يونيو 2020 05:22 م

لم يتم التركيز على بيان نادر في أوائل مايو/أيار 2020 لمساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى "ديفيد شينكر"، الذي قال إنه يتعين على دول الخليج وضع علاقاتها مع الولايات المتحدة في الاعتبار عند التعامل مع الصين.

وقال "شينكر": "على دول الخليج أن تزن قيمة شراكتها مع الولايات المتحدة، نريد من الدول الشريكة بذل الجهد الواجب".

وكشف هذا البيان الاستثنائي عن التوترات المستمرة بين الرياض وأبوظبي من جانب وواشنطن من جانب آخر بشأن علاقة دول الخليج العربي المتعمقة مع الصين.

واليوم، تقف دول الخليج في مقدمة نفوذ الصين المتزايد، خاصة مع المشتريات الصينية من النفط الخام ومشاركتها في تأسيس البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس في الخليج.

الصبر الأمريكي ينفد

تقلق الولايات المتحدة بشكل خاص من مشاركة شركة الاتصالات الصينية "هواوي" في تطوير قدرات الجيل الخامس في المنطقة التي تستضيف الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية والمقر الأمامي للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، وكذلك عدد من القواعد الأمريكية المهمة.

من ناحيتها، حظرت الولايات المتحدة شركة "هواوي" في الولايات المتحدة وضغطت على حلفائها لاتخاذ خطوات مماثلة.

تدرك السعودية والإمارات، وهما مراكز للنقل والتجارة العالمية، أنه لا توجد بدائل جيدة للضمانات الأمنية الأمريكية في الوقت الحالي، خاصةً في مواجهة إيران، ولكن تبقى هناك شكوك حول التزام واشنطن السياسي على المدى الطويل.

ربما تحاول الرياض وأبوظبي تأمين رهاناتهما وتأملان في أن تكون العلاقات مع الصين مكملة لعلاقاتهما مع الولايات المتحدة، ومع ذلك؛ يبدو أن صبر الولايات المتحدة على البصمة المتزايدة للصين في الشرق الأوسط ينفد، وهي تطلب من حلفائها الآن أن ينحازوا إلى أحد الجانبين.

وقال مسؤول أمريكي كبير لصحيفة "فايننشال تايمز" في يونيو/حزيران الماضي، فيما يبدو حملة ضغط على دول الخليج: "إنهم يخاطرون بتمزيق العلاقات الاستراتيجية طويلة الأمد التي تربطهم بالولايات المتحدة".

النفوذ الصيني في الخليج

من المتوقع أن يزداد الطلب الصيني على النفط في العقود المقبلة، ومن هنا تأتي أهمية الخليج الهائلة في اعتبارات الصين في الشرق الأوسط.

بالإضافة إلى ذلك، ترى الصين دول الخليج كسوق محتملة للاستثمار في البنية التحتية للصناعات الثقيلة مثل الموانئ والسكك الحديدية، وكوجهة للتكنولوجيا الصينية.

تستخدم بكين قوتها الاقتصادية بشكل متكرر لتعزيز أهدافها السياسية، ويعتبر الخليج هو أحد الساحات التي ينطبق عليها ذلك.

أما زعماء الخليج، فيبدو أنهم معجبون بالنموذج الصيني للانفتاح الاقتصادي وسياسة السيطرة مع تجاهل حقوق الإنسان.

بالرغم من التطورات الإقليمية الأخيرة، لا تزال الصين إلى حد كبير على هامش الملعب السياسي في الشرق الأوسط والخليج على وجه الخصوص، ولا تحظى مشاركتها في الشرق الأوسط بهذا النوع من الاهتمام الذي تحظى به مشاركة روسيا، مع أنه يمكن أن يكون أكثر أهمية.

فمشاركة الصين أكثر تعقيدًا وتستهدف المدى البعيد، حيث تستخدم أدوات اقتصادية وقوة ناعمة، دون وجود قوات على الأرض.

الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة، وبما إنها شهدت عودة الطلب المحلي إلى مستويات ما قبل أزمة "كوفيد-19"، فقد أصبحت أكثر أهمية بالنسبة لمنتجي النفط الخليجيين في خضم تدافعهم للعثور على مشترين.

وفي الواقع، يتم تصدير أكثر من ثلث صادرات النفط الخام والمواد البترولية الخليجية إلى الصين.

علاقة متجنبة للحساسيات

يجري تعزيز العلاقات السياسية بين الصين ودول الخليج في ظل تجنب متبادل للقضايا المثيرة للجدل في محاولة للتركيز على مجالات مشتركة.

ينعكس هذا التوازن الدقيق في تجنب الصين الثابت لإعلان سياسة إقليمية نهائية، واتخاذ موقف واضح بشأن القضايا الخلافية، والانحياز إلى جانب معين في النزاعات. وبهذه الطريقة تتجنب الصين الضغط، على نفسها وشركائها من دول الخليج العربية، خاصة من الولايات المتحدة وأوروبا.

تتجنب دول الخليج الإدلاء بتصريحات علنية واتخاذ مواقف بشأن القضايا التي قد تحرج الصين وتولد ضغوطا دولية، وخاصة في القضايا الداخلية.

تفهم دول الخليج الحساسيات الصينية وتدرك أن مثل هذه الخطوات ستضر بنسيج علاقة لها أهمية استراتيجية بالنسبة لها، وبالتالي، تتجنب التصريحات حول وضع حقوق الإنسان في الصين وتمتنع عن انتقاد معاملة الصين للأقلية الإيجورية المسلمة في مقاطعة شينجيانغ، حيث تم إرسال ما لا يقل عن مليون شخص من الإيجور إلى معسكرات "إعادة التأهيل".

لنأخذ على سبيل المثال السعودية، بالرغم أنها تظهر اهتمامًا بالأقليات المسلمة في أماكن أخرى من العالم بما في ذلك خارج الشرق الأوسط، فقد برر ولي العهد السعودي، "محمد بن سلمان" إجراءات بكين ضد الإيجور أثناء زيارته بكين في عام 2019،  معلنًا أن "الصين لديها الحق في اتخاذ إجراءات لمكافحة الإرهاب والتطرف لحماية الأمن القومي".

وعلاوة على ذلك، ففي عام 2019، كانت السعودية وقطر والإمارات من بين الدول الـ37 التي أرسلت إلى الأمم المتحدة خطاب دعم للصين وأشادت بها على "الإنجازات الملحوظة في مجال حقوق الإنسان".

إلى جانب نفوذها السياسي والاقتصادي؛ تستثمر الصين أيضًا الموارد لزيادة قوتها الناعمة، حيث تم افتتاح معهد "كونفوشيوس" في جامعة الملك سعود في الرياض في يونيو/حزيران 2019، ويقدم المعهد دورات في اللغة الصينية ويساهم في تعزيز التواصل الثقافي بين الجانبين.

في السنوات الأخيرة، زادت الصين من وجودها الأمني ​​في منطقة الخليج وحولها؛ فقد تم إرسال القوات البحرية الصينية إلى خليج عدن (لمكافحة القرصنة البحرية)، وزارت السفن الصينية موانئ في الخليج، كما تم افتتاح قاعدة للدعم البحري والجوي في جيبوتي (تعد الأولى خارج حدود الصين)، وتولت الصين إدارة ميناء بحري في باكستان، وأجرت مناورات عسكرية مشتركة مع إيران وروسيا والسعودية.

علاوة على ذلك، ازداد التعاون الأمني ​​بين الصين والسعودية، حيث أدى اهتمام الرياض وأبوظبي المتزايد بالطائرات المسيرة واستمرار رفض الولايات المتحدة توفير قدرات معينة (مع التركيز على المركبات الهجومية) بسبب قيود السياسة، وضوابط التصدير، والحاجة إلى النظر في الاحتياجات الأمنية لـ(إسرائيل) إلى استحواذ دول الخليج على هذه القدرات من الصين.

وبالرغم أن المنصات الصينية معروفة بجودتها الأقل مقارنة بالمنتجات الغربية، لكنها تبدو مرضية بما فيه الكفاية، وعلى أي حال، من الواضح أن هذه الجودة تتحسن باستمرار.

إبقاء التوازن صعب

تمكنت دول الخليج حتى الآن من تطوير علاقاتها الاقتصادية مع الصين دون الإضرار بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وستواصل بذل الجهود للحفاظ على علاقات موازية، كما ستبذل قصارى جهدها لتجنب الاضطرار إلى الانحياز لأحد الجانبين.

ومع ذلك، فمع تزايد الوجود السياسي والأمني ​​للصين في الخليج، ستجد دول الخليج صعوبة متزايدة في الحفاظ على هذا التوازن الدقيق.

في الوقت الحاضر، تتجاوز الولايات المتحدة قدرة الصين علي المنافسة، نتيجة الوجود العسكري الأمريكي وقدرته على إبراز القوة، إلى جانب جودة أنظمة الولايات المتحدة القتالية، وعمق العلاقات العسكرية والسياسية، وقدرتها على العمل بشكل مشترك مع الجيوش الصديقة.

ومع ذلك، يمكن أن تستفيد بكين من مخاوف الخليج فيما يتعلق بحليفها التقليدي؛ الولايات المتحدة، لتحاول خلق إسفين بينهم.

ومع استمرار بكين في اتخاذ خطوات غير مباشرة في المجالات التي فشلت فيها الولايات المتحدة في تلبية طلبات حلفائها الخليجيين، سيتعين على كلا الجانبين تقديم تنازلات.

لهذا؛ ستحتاج الإدارة الأمريكية القادمة إلى تزويد حلفائها الخليجيين ببدائل تكفي لمقاومة جاذبية الصين الاقتصادية والتكنولوجية المتزايدة، بينما سيتعين على دول الخليج أن تفهم تكلفة الحفاظ على هذا التحالف.

المصدر | يويل جوزانيسكي | ناشيونال إنترست - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

مسلمي الإيغور العلاقات الخليجية الصينية العلاقات الخليجية الأمريكية النفوذ الصيني هواوي الصينية

الصين تعزز وجودها في مجال الطاقة المتجددة بالخليج

على الخليج أن يحذر من الديون الصينية الملغمة

بين واشنطن وبكين.. هل يجب على دول الشرق الأوسط أن تختار؟

ناشيونال إنترست: الصين تهدد النفوذ الأمريكي بقاعدة في الخليج

شراكات الصين مع الخليج ستصمد بوجه الأزمات العالمية الحالية