استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

نظرية "أنياب الدولة" والانعطافة المطلوبة في الأردن

الثلاثاء 23 يونيو 2020 07:16 م

نظرية "أنياب الدولة" والانعطافة المطلوبة في الأردن

"الدولة القوية" تعني حكومة قوية سياسيا بدسمٍ كامل وبرلمان فاعل وقوى عقلانية تقود الشارع وأجندة سياسية وطنية توافقية.

يخشى اشتباك نقابة المعلّمين و"مؤسسات الدولة" نتيجة تأجيل دفع "الزيادة المالية" المتفق عليها مع الحكومة للعام المقبل.

أين الحدود الفاصلة بين "أنياب الدولة" المطلوبة لتطبيق القانون ومحاسبة الفاسدين وبين الحريات العامة كحق التعبير عن الرأي.

"الردع" استراتيجية قوية لكن دون "منظور سياسي" لإدارة المرحلة سيعزّز الاحتقان الداخلي ويقود لتشقّقات أكبر في الجبهة الداخلية.

*     *     *

رغم أنّ الاختلافات والخلافات السياسية بين أبناء رئيس الوزراء الأردني الأسبق، هزّاع المجالي، معروفةٌ لدى النخب السياسية الأردنية، إلاّ أنّ إصدار الشقيقين أيمن وحسين (وهما وزيران سابقان) بياناً ينتقدان فيه، بصورة مبطّنة، آراء شقيقهم أمجد (وهو أيضاً وزير سابق، معروف بآرائه النقدية الشديدة في الآونة الأخيرة، وكان يصدرها من خلال حزب الجبهة الأردنية الموحّدة)، فقد لفت ذلك انتباه النخب السياسية.

بطبيعة الحال، بعد البيان مباشرةً؛ اتجه كثيرون إلى البحث عمّا قاله "شقيقهم" ودفع إلى هذا البيان، ليكون السبب خطابه الذي ألقاه في منزل المعارض الأردني المعروف والنائب السابق، أحمد عويدي العبادي، الذي جرى اعتقاله قبل أسابيع، ووجه مدّعي عام محكمة أمن الدولة تهما له.

وقبل ذلك كان توقيف النائب السابق، أيضاً، سليم البطاينة، أسابيع، ثم جرى توقيف أمين عام حزب الوحدة الشعبية، سعيد دياب، على خلفية مقال نشره على موقع الوحدة الشعبية المعارض.

في الأثناء، تخشى أوساط سياسية عديدة من "تسخينٍ" لاشتباك مقلق بين نقابة المعلّمين و"مؤسسات الدولة"، على خلفية رفض النقابة تأجيل "الزيادة المالية" المتفق عليها مع الحكومة إلى العام المقبل، بفعل الأزمة المالية الراهنة، وهو ما قد يعود بالبلاد إلى ديناميات الأزمة بين الطرفين التي أشغلت الرأي العام شهورا سابقة.

لا يمكن تجاهل الرسائل السياسية الجليّة وراء هذه التطوّرات أو التغافل عنها، وهي التي تحكمها رؤية جديدة، تسود في أوساط القرار اليوم، هي باختصار التكشير عن "أنياب الدولة"!

وهو ما يمكن تفسيره بدعوى أنّ تراخي الدولة وتساهلها مع الخطاب المعارض، ذي السقف المرتفع، أدّى إلى تجذير شعور عام خطير بأنّ "الدولة ضعيفة"، أو غير قادرة على الفعل، والردّ بقوة على تلك "التجاوزات"، وفق هذه الرؤية.

وبالتالي لا بد من تغيير هذه القناعة بصورة حاسمة، وضبط الأحداث والخطابات، وإظهار أنّ "الدولة" موجودة.

لا شك في أن مصطلح "الدولة القوية" يبدو مغريّاً وجذّاباً للوهلة الأولى. وقد عزّز ذلك ما حدث خلال أزمة كورونا، ما يبدو أنّه أعطى مؤشّراً للمعنيين بأنّ هنالك تعطّشاً لـ"هذا الوجه"!

ودفع نحو سيناريو "القوة الصلبة"، لوضع حدٍّ لسقف خطاب الحراك أو المعارضة المنفلت، بأيّ وسيلةٍ كانت، وإلاّ فإنّ البديل، وفق هذه الدعوى بالطبع، أنّ التطاول والإساءة لن تجد لهما سقفاً خلال المرحلة المقبلة.

الإشكالية، هنا، تكمن في "ترسيم" الحدود الفاصلة بين "أنياب الدولة" المطلوبة والمرغوبة، والتي يتحمّس لها كثيرون، في جانب تطبيق القانون على الجميع، ومحاسبة الفاسدين ورفض الاستقواء على الدولة تحت أي غطاءٍ كان، وهي ظاهرةٌ انتشرت أخيرا، من جهة، والحريات العامة وحقوق الإنسان، ومنها حق التعبير عن الرأي، من جهةٍ أخرى.

"الردع" استراتيجية مهمة وقوية، لكنه من دون "منظور سياسي" لإدارة المرحلة المقبلة سيعزّز الاحتقان الداخلي، وقد يقود إلى تشقّقات أكبر في الجبهة الداخلية، خصوصا إذا أخذنا بالاعتبار التحدّي الأكبر، التداعيات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية، مع ارتفاع معدّلات البطالة وتنامي الفجوة الطبقية ذات الأبعاد السياسية والثقافية والجغرافية، من جهة، وخطورة مشروع "صفقة القرن"، من جهةٍ ثانية.

ويدعو مثل هذا الوضع إلى انفتاحٍ سياسيٍّ حقيقيٍّ واستيعابٍّ للقوى السياسية والحزبية، وترميم الجبهة الداخلية، وتوحيدها في مواجهة الأخطار الخارجية، وإذابة الخلافات الداخلية ضمن حالة الإجماع، وليس العكس.

بيت القصيد يكمن في أنّ "الدولة القوية" تعني، بالضرورة، حكومة قوية سياسياً، ذات دسمٍ كامل، وبرلمان فاعل، وقوى عقلانية تقود الشارع، وأجندة سياسية وطنية توافقية، ومن ضمنها إظهار "أنياب الدولة" في مواجهة الفاسدين وفي تطبيق القانون.

ومن ضمنها، أيضاً، حماية الحريات العامة وصون حقوق الإنسان، فمثل هذه الصورة تمثّل "الرسالة القوية" الحقيقية إلى الخارج والداخل على السواء. ومثل هذه الرسالة ستكون مبنيةً على قاعدة متينة من الثقة والعلاقة الداخلية المتماسكة، وستحرّك ديناميكيات الحياة السياسية بالاتجاه الصحيح، وتكون الأدوار متكاملة ومنسجمة، لا توجد حالة من الضبابية أو الغموض فيها.

إذا كانت هنالك لحظة ذهبية، يتذكّرها الأردنيون جيّداً، شهدت توافقاً وطنياً غير مسبوق، وتحمّل فيها الشعب أعباء الأزمة الاقتصادية، واتحّدوا في مواجهات تحدّيات كبيرة، فقد كانت مع انعطافة عام 1989، ثم ما بعدها، فكان "الانفتاح الداخلي" هو القطار الذي استخدمه الملك الراحل الحسين بن طلال، وعبر من خلاله إحدى المحطات الخطيرة.

* د. محمد أبورمان باحث في الفكر الإسلامي والإصلاح السياسي، وزير أردني سابق.

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية