مصر في 30 يونيو.. حصاد 7 سنوات عجاف

الاثنين 29 يونيو 2020 02:26 م

مع إشراقة يوم 30 يونيو/حزيران 2013، كان الشارع المصري على موعد مع تظاهرات كبيرة بدعم من المؤسسة العسكرية، والمناوئين لحكم جماعة "الإخوان المسلمون"، للمطالبة برحيل نظام الرئيس الراحل "محمد مرسي"، وهو ما توج بانقلاب 3 يوليو/تموز، من العام ذاته.

وعلى مدار 7 سنوات، توالت الوعود من وزير الدفاع السابق، والرئيس الحالي "عبدالفتاح السيسي"، بأن مصر ستكون "أد الدنيا"، وبـ"بكرة تشوفوا مصر"، و"انتوا نور عنينا"، وهي التصريحات التي أثارت سخرية وتندرا في الشارع المصري.

وتواصلت الوعود قبل شهور بأن مصر بنهاية يونيو/حزيران 2020، ستصبح "حاجة تانية خالص"، ليستيقظ الشعب المصري على كابوس تفوح منه رائحة الموت، الذي يحصد أرواح مصابي فيروس "كورونا"، جراء تدهور المنظومة الصحية، ونقص الإمكانات الطبية، وإرسال المساعدات إلى دول غنية مثل الصين وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية.

ولم يعد ترديد شعار "تحيا مصر" الذي صار أحد مفردات خطاب "السيسي"، ووسائل الإعلام الموالية له، كافيا لإقناع المصريين، بأن البلد تحيا، لا سيما في ظل أزمات عدة تهدد المصريين بالعطش والجوع والموت.

ديون وغلاء

بفاتورة دين خارجي تلامس حاجز 120 مليار دولار، ودين محلي يزيد عن 270 مليار دولار، وفق بيانات رسمية، يستقبل المصريون الذكرى السابعة لذكرى 30 يونيو/حزيران (مظاهرات مهدت للانقلاب العسكري).

وبذلك يكون "السيسي" قد قفز بالدين الخارجي للبلاد بنسبة تصل إلى 145%، إذ لم تكن الديون الخارجية تتجاوز حينما تولى الحكم، حاجز 46 مليار دولار.

وتوسع الرئيس المصري في الاقتراض من الخارج؛ لتمويل مشروعات غير ذات جدوى اقتصادية، على غرار "تفريعة" قناة السويس، والعاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، وبناء قصور رئاسية، وإبرام صفقات سلاح ضخمة؛ في محاولة لنيل شرعية دولية لنظام حكمه.

ومع الذكرى السابعة لـ30 يونيو/حزيران، تواجه مصر جدول سداد ديون خارجية صعبا للعامين المقبلين، وانخفاضا في الاحتياطي النقدي إلى 36 مليار دولار، واللجوء مجددا إلى صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة 8 مليارات دولار، يضاف إلى قرض سابق لم يسدد بعد بقيمة 12 مليار دولار.

ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، يعاني المصريون تدهورا حادا في قيمة العملة المحلية، نتج عنه ارتفاع سعر الدولار، وانخفاض القوة الشرائية، واستمرار موجة غلاء فاحش ضربت مختلف الخدمات والسلع، وتزامن مع ذلك توالي قرارات رفع الدعم، وزيادة أسعار الكهرباء والمياه والغاز وتعريفة المواصلات، وتذاكر المترو والقطارات.

وخلال 7 سنوات عجاف، صار المواطن المصري أسيرا لمفردات رئاسية من عينة "لازم نصبر"، و"لازم نجوع" و"ثلاجتي لمدة 10 سنوات ليس فيها سوى الماء"، و"أنا لو ينفع أتباع أتباع"، و"أنا عاوز الفكة"، و"أنا لو أقدر أديك هديك من عيني، بس أنا مش قادر، هتاكلوا مصر يعني، هتموتوها يعني"، و"إحنا فقرا أوي".

طوارئ وإعدامات

ويبدو أن الكيل طفح بالمصريين، فخرجوا في تظاهرات سبتمبر/أيلول 2019، للمطالبة برحيل "السيسي" في أول خروج نادر وحاشد في محافظات عدة، شهد إحراق صور الرئيس المصري، لكن الآلة الأمنية ردت بضراروة عبر شن حملة اعتقالات طالت الآلاف.

وامتدت الاعتقالات لمحامين وأكاديميين وحقوقيين، بتهم منها "استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة والانضمام إلى جماعة إرهابية محظورة والاحتجاج دون تصريح"، حيث قدرت مصادر حقوقية عدد الموقوفين حينها بنحو 3000 شخص.

ويقبع المصريون تحت حكم الطوارئ التي جرى تجديديها 12 مرة منذ أبريل/نيسان 2017، حيث يجري تجديدها كل 3 أشهر في جميع أنحاء البلاد.

وبموجب حالة الطوارئ، جرى حجب أكثر من 500 موقع وصحيفة ورقية وإلكترونية، منها مواقع حقوقية ودولية، وتشديد الرقابة على وسائل الإعلام ومواقع التواصل، وحبس عشرات الناشطين بتهمة "نشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام مواقع التواصل".

لكن الأخطر من ذلك، ارتفاع وتيرة التصفية خار إطار القانون، خلال عمليات مزعومة لتبادل لإطلاق النيران، ما أسفر عن مصرع المئات، تبين لاحقا أن من بينهم مختفون قسريا، بحسب مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط.

وخلال الأعوام الثلاث الأخيرة، تبوأت مصر مركزا متقدما في قائمة الدول الأكثر تنفيذا لأحكام الإعدام، رغم اعتراضات حقوقية، تشكك في نزاهة المحاكمات الحاصلة، وتسييس التهم الموجهة للمحكوم عليهم بالإعدام.

وصدر خلال السنوات الست الماضية 1510 أحكام بالإعدام، استهدفت الكثير من المعارضين، ممن تم القبض عليهم وإخفاؤهم قسرا، وإكراههم على الاعتراف تحت وطأة التعذيب، وفق تقارير حقوقية.

ووفق بيان حقوقي وقعت عليه 9 منظمات محلية ودولية، العام الماضي، فارق الحياة 917 سجينا في أماكن الاحتجاز خلال الفترة ما بين يونيو/حزيران 2014 وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بينهم 677 نتيجة الإهمال الطبي، و136 نتيجة التعذيب.

ومن أبرز من رحلوا نتيجة ذلك، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر "محمد مرسي"، ومرشد الإخوان السابق "محمد مهدي عاكف"، والقيادي بالجماعة الإسلامية "عصام دربالة"، والبرلمانيين السابقين "فريد إسماعيل"، وعبدالعظيم الشرقاوي"، والأمريكي من أصل مصري "مصطفى قاسم"، والصحفي "محمود عبدالمجيد".

انسداد سياسي

وتحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" وأن البلاد تخوض حربا ضد الإرهاب، جرى الزج بنحو 60 ألف معتقل في السجون، وفق تقديرات منظمة "هيومن رايتس ووتش".

ودفع "السيسي" بثلاثة من مرشحي الرئاسية السابقين إلى وراء القضبان، أبرزهم رئيس حزب "مصر القوية"، الدكتور "عبدالمنعم أبوالفتوح"، والداعية المعروف "حازم أبو إسماعيل"، ورئيس أركان الجيش المصري الأسبق، الفريق "سامي عنان".

وجرى وضع رئيس الوزراء المصري الأسبق، الفريق" أحمد شفيق" قيد الإقامة الإجبارية بعد عودته أو "ترحيله" من الإمارات، عقب إعلانه الترشح في رئاسيات 2018.

وطال التحرش السياسي، المرشح الرئاسي السابق "محمد أنور السادات"، ابن شقيق الرئيس المصري الراحل" محمد أنور السادات"، وجرى إسقاط عضويته البرلمانية بدعوى انتقاد المجلس في 2017.

كذلك جرى تداول تسريبات جنسية للمرشح الرئاسي السابق، الحقوقي "خالد علي"، والبرلماني المخرج "خالد يوسف"، والبرلماني "هيثم الحريري"، في عودة قوية لسياسة الابتزاز والتنصت التي كانت سائدة قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.

حزبيا جرى كذلك، بسط سيطرة المخابرات المصرية على أحزاب ليبرالية ومستقلة، وتخليق أحزاب جديدة موالية للسلطة "مستقبل وطن"، وتجميد وحل 18 حزبا بينهم أحزاب إسلامية، والتنكيل بالأحزاب المدنية، واعتقال أعضاء في أحزاب مؤيدة لـ30 يونيو/حزيران، بدعوى تشكيل تحالف سياسي استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة تحت اسم "تحاف الأمل".

والأخطر من ذلك، تمرير تعديلات دستورية في أبريل/نيسان 2019، تتيح لـ"السيسي" البقاء في السلطة حتى العام 2030، ومنحته سلطة تعيين الهيئات القضائية، ومنح الجيش دور صون "الدستور والديمقراطية".

اتفاقات كارثية

ومنذ وصول "السيسي" إلى السلطة منتصف العام 2014، جرى تمرير عدد من الاتفاقيات المثيرة للجدل، أبرزها وأخطرها التنازل عن جزيرتي "تيران" و"صنافير" للسعودية، أبريل/نيسان 2016، رغم صدور أحكام قضائية بمصرية الجزيرتين.

وفي مارس/آذار 2015، وقع "السيسي" ما يعرف بـ"إعلان المبادئ" الذي منح إثيوبيا شرعية لبناء سد النهضة، وأوقع مصر في موقف تفاوضي صعب يهدد حصتها التاريخية من مياه النيل (55 مليار متر مكعب سنويا).

وضمن تحالف إقليمي ضعيف سياسيا واقتصاديا وعسكريا، أقدم "السيسي" على ترسيم الحدود البحرية مع اليونان وقبرص، تنازل بموجبه لأثينا على شريط مائي تساوي مساحته تقريبا ضعف دلتا النيل، بحسب الأكاديمي وخبير الطاقة الدولي "نائل الشافعي".

وردا على دعمها السخي لنظامه، حصدت الإمارات جملة من الاتفاقات والاستثمارات النوعية في البلاد، لإدارة ميناء العين السخنة، وتنمية منطقة قناة السويس الاقتصادية، وقطاعات حساسة  كالدواء والاتصالات والنقل البحري، إضافة إلى مشاركة وتواجد استراتيجي في قواعد عسكرية مصرية "محمد نجيب" (غربي البلاد)، و"برنيس" (جنوبي البلاد).

وخلال فترته الرئاسية الأولى، والثانية، التي تمتد حتى 2024، صارت مصر رهينة الأجندة الإماراتية السعودية، ويجري دفعها كرأس حربة للتورط في الحرب الليبية لدعم "خليفة حفتر"، والاستمرار في حصار قطر، والتحرش بالسودان وتونس وسوريا، ضمن مخطط الثورة المضادة لإجهاض الربيع العربي.

الحصاد المر لا يمنع التطرق إلى إنجازات "السيسي" من بناء أكبر مسجد، وأكبر كنيسة، وأكبر برج، وأكبر أوبرا، وأكبر سارية علم، والعمل على إنشاء عاصمة جديدة، ومقر صيفي للحكومة بالعلمين، وقصور رئاسية جديدة، وبناء شبكة طرق وكباري، انهار بعضها سريعا، وحيازة حاملتي طائرات، وأسراب من المقاتلات المتطورة، وترسانة ضخمة من السلاح.

سنوات عجاف، هو لسان حال المواطن المصري مع حلول الذكرى السابعة لـ30 يونيو، ممزوجة بحسرة على الإطاحة بأول تجربة حكم ديمقراطية في تاريخ البلاد، وسط معاناة شديدة مع استمرار جائحة "كورونا"، ما يجعل حصاد الذكرى هذا العام أشبه بالعلقم. 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

وعد جديد.. السيسي للمصريين: سنعطي شقة لكل من يطلب

مصر بعد 8 سنوات من 30 يونيو.. جمهورية السيسي الجديدة خلف القضبان