استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

أناس لا يشبهوننا

الثلاثاء 18 أغسطس 2020 07:32 ص

أناس لا يشبهوننا

الأدب ليس عاكساً فوتوغرافياً للواقع كما هو بل  إعادة بناء له أو إقامة عالم موازٍ له تصنعه مخيلة الكاتب.

«كلما كانت تلك الشخصيات أقلّ شبهاً بنا فإنها توسع من أفقنا وتثري عالمنا» وتخرجنا من قوقعة الذات.

مهارة الكاتب أن يجعل الواقعي متخيلا ومن المتخيل واقعيا في بنية متماسكة لا هي متخيلة بالكامل ولا هي واقعية بالكامل.

الأدب «يُبرئنا من وهم الاكتفاء الذاتي» لا لأنه يتيح لنا رؤية أنفسنا في مرآته بل لأنه يعرفنا بشخصيات جديدة لا تشبهنا كلقاء أناس جدد.

*     *     *

في كثير من الحالات تشدّنا في الأدب، خاصة في الرواية، الشخصيات التي نجد أنها تشبهنا. ونغبط كتّاب هذه الروايات حين ينجحون في أن يضعوا على ألسنة هذه الشخصيات المشاعر التي تنتابنا مشاعر مشابهة لها، لأنهم أحسنوا التعبير عنها، فقالوا ما كنا نودّ قوله، لكننا لم نستطع.

ما أكثر ما نسمع في دوائر القراء حين يريدون الثناء على كاتب قولهم: «إنه يعبر عنا»، أو «يقول ما نريد قوله»، أو «نحس بأنفسنا في كتبه»، أي أنه ينتبه لتفاصيل نعرفها ونعيشها، لكن إما أنها لم تستوقفنا كما استوقفته، أو أنه عبّر عنها خير تعبير، فشرح ما نريد شرحه لو امتلكنا المقدرة نفسها.

في الدراسات النقدية الحديثة هناك نوع من السخرية أو الاستهجان للمقولة الكلاسيكية الشهيرة حول أن الأدب مرآة الواقع، لأن البعض يرى، محقاً، أن الأدب ليس عاكساً فوتوغرافياً للواقع كما هو، بل هو إعادة بناء له، أو إقامة عالم موازٍ له، تصنعه مخيلة الكاتب.

حتى لو كان قد استقى بعض عناصر هذا البناء من المادة الخام الحياتية، ولكنه صهرها في بنية كتابته، حتى بات من الصعب تبيّنها، أو فرزها من نسيج الكتابة، كأن نقول: هذا الجزء واقعي، وذاك الجزء متخيل.

تكمن مهارة الكاتب في أن يجعل من الواقعي متخيلاً، ومن المتخيل واقعياً، في بنية متماسكة لا هي متخيلة بالكامل ولا هي واقعية بالكامل.

لكن ماذا عن مقولة «إن الأدب مرآة لذات الإنسان الفرد، بما هي عليه من تناقضات وأفراح وأشجان وتجارب وخبرات وتمزقات وطموحات؟».

أليس هذا ما نعنيه حين نقول إننا نحب كتابة أديب ما، لأننا نجد فيما يكتب صورة لذواتنا، أفلح في التعبير عنها، لدرجة إحساسنا بأنه يقول ما كنا نودّ قوله؟

لا نريد تقديم إجابة قاطعة على هذا السؤال، ربما لأنها عصية بعض الشيء، ولكن الناقد البلغاري-الفرنسي تزفيتان تودوروف ينبهنا إلى أمر آخر، ربما يبدد الرأي أعلاه عن كون الأدب مرآة لذات الإنسان الفرد، كما شرحه مقاله: «ماذا يستطيع الأدب»، الوارد في كتابه «الأدب في خطر» الذي ترجمه إلى العربية عبد الكريم الشرقاوي.

الأدب، من وجهة نظر تودوروف، «يُبرئنا من وهم الاكتفاء الذاتي»، لا لأنه يتيح لنا رؤية أنفسنا في مرآته، وإنما لأنه يعرفنا بشخصيات جديدة لا تشبهنا، مشبهاً ذلك باللقاء بأناس جدد في الحياة نفسها، «فكلما كانت تلك الشخصيات أقلّ شبهاً بنا، فإنها توسع من أفقنا وتثري عالمنا»، وتخرجنا من قوقعة الذات.

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية