استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

عن «المثقف العضوي».. من زاوية أخرى

الأحد 13 سبتمبر 2020 08:46 ص

عن «المثقف العضوي».. من زاوية أخرى

في قضية فلسطين ومسألة الحريات والحقوق لا مطرح للبرودة والتبريد فالكتابة هي العلاج، و«الرقابة الذاتية» أو «غير الذاتية» هي الداء.

«المثقف العضوي» يتقرر معدل «سكره التراكمي» ومستويات «ضغط الدم» بشرايينه على إيقاع أحداث كارثية تحيق بشعبه وأمته من كل صوب.

«المثقف العضوي» يتداعى بنيانه العضوي وينخر المرض عظامه وروحه وهو يتابع هزائم متتالية لحقت بمشروعه الوطني والاجتماعي والثقافي.

 (1)

لست أقصد بالمثقف العضوي ما ذهب إليه، الفيلسوف والمناضل الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي، عن المثقف المرتبط عضوياً بـ«طبقته الاجتماعية»، العامل على خلق تجانسها الاجتماعي، والمفجّر لـ«وعيها بذاتها»...

ما أقصده هنا بالذات، شيء مختلف، أتحدث عن «المثقف» الذي يتداعى بنيانه العضوي وينخر المرض عظامه وروحه، وهو يتابع مسلسل الهزائم المتتالية التي ألحقت بمشروعه الوطني والاجتماعي والثقافي.

وعن «المثقف» الذي يتقرر معدل «سكره التراكمي» ومستويات «ضغط الدم» في شرايينه، على إيقاع الأحداث الكارثية التي تحيق به وبشعبه وأمته (وطبقته) من كل حدب وصوب.

(2)

مذ أن غادرت الصحافة الحزبية (الفصائلية) وأنا أجهد في ترك «مسافة أمان» بين وقع الأحداث وإيقاعها، وحالتي النفسية والذهنية والعصبية، وجهدت عن سبق الترصد والإصرار، على إخراج نفسي من الميدان وأن اعتاد النظر للمشهد «من فوق»، من برج مراقبة.

بذلت جهداً جهيداً لإبقاء رأسي باردًا وكذلك حواسي وأحاسيسي، لكي أكون «موضوعياً» قدر الإمكان، ولا أقول «محايداً»، فإنا أكره الحياد ولا اعترف به، ولطالما كنت منحازاً في النزاعات، من الخلاف البسيط بين صديق وزوجته، إلى النزاع بين صربيا وكوسوفو الذي وضع على سكة التسوية قبل أيام، شريطة «تطبيع» كلتا الدولتين لعلاقاتهما مع إسرائيل، ونقل (أو فتح) سفارتيهما إلى القدس.

أعترف أنني فشلت، برغم مرور ثلاثين عاماً على محاولاتي تلك... ما زالت نشرات الأخبار تستمطر نوبات الغضب والحزن والاكتئاب، فلحظات الفرح قليلة وأخبارها نادرة منذ زمن...

وما زالت «مؤشراتي الحيوية»، أو «العضوية» حتى نظل في عوالم غرامشي، تتقلب بسرعة شديدة، على إيقاع التتابع القريب للأحداث والتطورات، المحمّلة بـ«ريح السموم» التي تهب عليك من البيت الأبيض ومكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية.

لطالما اتهمت من قبل أوساط أكاديمية وبحثية بأنني مستفز provocative، وأحيانا مستفز aggressive، سيما حين يدور البحث في المسألة الفلسطينية.

واعترف بأن مثل تلك الاتهامات كانت تحفزني دوماً لتكثيف عمليات «التبريد» المنهجي للعقل والانفعال، فلا أريد أن أخسر منبراً بسبب حرارة زائدة هنا، أو انفعال ظاهر هناك... لا شك أنها كانت تذكرني بحاجتي لـ«المسافة الآمنة»، لكنني أعترف بأنني فشلت فشلا ذريعا.

(3)

التطورات في المشهد الإقليمي، ساعدتني على التخفف بعض الشيء من بعض غلوائي، سيما بعد أن «ضربت التفاهة أطنابها»، وأفقدتني الإحساس بالحاجة للانحياز لهذا الفريق أو ذاك.

فلماذا أحرق دمي دفاعاً عن حماس في مواجهة السلطة، والعكس صحيح، وما الذي يجبرني على الاختيار بين «الحوثي» و«هادي» و«الانتقالي»؟

ولماذا أزعج نفسي في الاختيارات بين سلطات لا يوجد أسوأ منها إلا لدى بعض معارضاتها.. لا شك أن ذلك كله، كان يساعدني على «خفض حرارة» الانفعال والتحليل، ويمدني بالعزم على الاحتفاظ بمسافة الأمان عن كل هذه الأطراف...لكن مع ذلك، تدهمك لحظات، تخرج فيها عن طورك، وتجد نفسك وقد عدت القهقرى لثلاثة عقود خلت.

(4)

موضوعان فشلت في اختبارهما فشلاً ذريعاً: المسألة الفلسطينية ومسألة الحريات والحقوق...هنا، لا مطرح للبرودة والتبريد، هنا الكتابة هي العلاج، و«الرقابة الذاتية» أو «غير الذاتية»، هي الداء و«سبب كل علة»!

هنا، تعود وأنت في عقدك السابع، إلى ما كنت عليه وأنت في عقدك الثاني أو الثالث... هنا تنعدم المسافة بين الذات والموضوع... هنا وهنا بالذات، تصبح الكتابة فعلاً «عضوياً»، مصحوباً بنوبات من الأدرينالين والسكر وارتفاعات في ضغط الدم...

هنا تستصغر حكاية المستفز provocative، والعدواني aggressive، هنا تتمنى لو أنك قادرٌ على قذف الحجارة في وجوه خصومك ومجادليك. هنا تتوقف لغة الكلام، وتستيقظ في دواخلك العميقة، لغة القتال والمعارك والحروب.

* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني

المصدر | الدستور الأردنية

  كلمات مفتاحية