استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الشهادة والذاكرة

الاثنين 14 سبتمبر 2020 09:16 ص

الشهادة والذاكرة

الاستسلام للبداهات ينطوي على مخاطر التسليم بأوهام تقدّم على أنها حقائق.

العلاقة المعقدة بين ما نتذكره نحن أنفسنا وما ينقل إلينا على شكل شهادات من الآخرين.

هناك ما تعلمناه بأنفسنا نتيجة مشاهدات لوقائع وهناك ما تعلمناه من محيط عائلي ومدارس وقراءات ومصادر أخرى.

هل سيكون كافيا القول بأن ما رأيناه بأعيننا هو الموثوق وأن ما أتانا من آخرين مهما كانت درجة ثقتنا فيهم، لا يحظى بنفس الصدقية؟

*     *     *

لا نعلم إلى أي درجة يمكن أن نضع ما في أذهاننا من معلومات ومعارف في خانتين. في الخانة الأولى ما تعلمناه نحن بأنفسنا، نتيجة مشاهدات لوقائع، رأيناها بأم أعيننا، أو كنا شركاء، بصورة ما في صنعها، فرسخت في ذاكرتنا، وقد نكون تعلمنا منها دروساً إذا كان لدينا من الفطنة والحصافة ما يكفيان لنفعل ذلك.

أما في الخانة الثانية فنضع ما تعلمناه من الآخرين: من المحيط العائلي الذي نشأنا فيه، ومن المدارس والكليات التي درسنا فيها، ومن الكتب التي قرأناها، والأفلام التي شاهدناها الخ.

هل سيكون هذا كافياً للقول بأن ما رأيناه بأعيننا هو الموثوق، وأن ما أتانا من الآخرين، مهما كانت درجة ثقتنا فيهم، لا يحظى بنفس الدرجة من الصدقية، وأن احتمالات الخطأ فيه واردة، لأننا لم نكن هناك لحظة وقوع الواقعة لنجزم بأن ما سمعناه أو نقل إلينا، شفاهة أو كتابة، قد حدث بذات التفاصيل التي رويت.

لنستطرد في الأسئلة، ولو من باب التسلية: كيف يصبح الوضع حين تختلف روايات ما جرى بيننا وأشخاص كانوا معنا لحظة حدوث حدث ما، فما يقولونه لا يتطابق مع ما تحفظه ذاكرتنا عما نعدّه نحن حقيقة؟

ما المسوّغ الذي يجعل ما نراه نحن هو الصحيح، وما يراه غيرنا تعوزه الدقة، حتى بافتراض حسن النوايا، وخلو الأمر من أي غاية؟

ألا يصحّ أن الآخر، أو الآخرين الذين كانوا معنا على درجة أعلى من النباهة ودقة الملاحظة وقوة الذاكرة بحيث رأوا من التفاصيل ما لم نره نحن؟

وبالتالي أين وجه الحق في منح أنفسنا امتياز أن نكون نحن المحقين وننكر هذا على سوانا؟

هذه، وسواها، أسئلة تتوالى في الذهن حين نقرأ في كتاب: «ما المعرفة؟» لمؤلفه دنكان بريتشارد، الذي أصدرته قبل سنوات، سلسلة «عالم المعرفة» عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، فصلاً بعنوان «الشهادة والذاكرة»، وهو يتناول بإسهاب العلاقة المعقدة بين الأمرين: بين ما نتذكره نحن أنفسنا وما ينقل إلينا على شكل شهادات من الآخرين.

محق الكاتب في قوله بأنه ليس ضرورياً أن تكون قد زرت مصر لتكون على يقين من أن نهر النيل يقطع أراضيها مثلاً، أو أن الأهرام تقع فيها، ولا سبيل لوضع ذلك موضع المساءلة أو الريبة، فليس منطقياً الزعم بخطأ ذلك فقط لأن أعيننا لم تره.

مع ذلك، فإن الاستسلام للبداهات ينطوي على مخاطر التسليم بأوهام تقدّم على أنها حقائق.

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر | الخليج - الشارقة

  كلمات مفتاحية