استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التطبيع والبرزخ البحريني

الثلاثاء 15 سبتمبر 2020 11:14 ص

التطبيع والبرزخ البحريني

تطبيع الساسة لا صلة البتة تجمعه بإرادة الشعوب في أيّ برزخ عربي: مطعم الشواء أو متحف بيت القرآن، سواء بسواء!

قد ينقلب الإشفاق جراء أنساق الاجتياح المباشر إلى أسى شخصي إذا عرف المرء بعض تلك الأماكن، وله فيها أكثر من ذكرى حميمة.

لست واثقاً من أنّ استبداد آل خليفة سيسمح بإغلاق أبواب متحف بيت القرآن في وجوه نتنياهو أو غانتس أو رؤوبين رفلين أو ميري ريغيف.

*     *     *

قد يشفق المرء على أماكن كثيرة في أرض البحرين العزيزة من أن تطأها أقدام الوفود الإسرائيلية، إذا تكامل التطبيع السياحي مع التطبيع السياسي وفُتحت الشوارع والساحات والأسواق القديمة، في المحرّق والمنامة وسترة والرفاع، أمام رجال السياسة والمال والأعمال والأمن القادمين من دولة الاحتلال.

وقد ينقلب الإشفاق من صيغة تضامن وطني صرف مع الأهل في البحرين، جراء هذه الأنساق من الاجتياح المباشر؛ إلى طراز من الأسى الشخصي إذا كان المرء قد عرف بعض تلك الأماكن، وله فيها أكثر من ذكرى حميمة خاصة.

أفكّر، من جانبي، وعلى سبيل المثال الأوّل، بذلك المطعم الشعبي في قلب المنامة، الذي دعانا إليه قاسم حداد ذات يوم من ربيع سنة 2002، صحبة أمجد ناصر وعبد المنعم رمضان وعدد من شعراء الخليج.

والذي يقدّم الشواء بطرق بدائية وتقليدية لكنها آسرة وخلابة ومشهية؛ ويُجلس زبائنه على كراسٍ من القشّ منخفضة، تتوزّع على الرصيف وغير بعيد عن اقدام السابلة.

لم يكن مذاق الطعام من شواء وخبز وسَلَطات، هو مدعاة استقرار المكان في الذاكرة، فحسب؛ بل كان اكتشاف شخصية صاحب المطعم المرح، الذي جالسنا وهو يقتعد الرصيف، واختلطت في مسامراته النكات اللاذعة بالمعلومات المدهشة عن تاريخ المنامة.

لكني أفكّر، ثانياً وعلى نحو خاصّ، وبإشفاق أشدّ يكاد يذهب بالمشاعر إلى أقصى الغضب والحزن، بـ«متحف بيت القرآن» ذلك المَعْلَم الحضاري والعصري الفريد الذي أنشأه المهندس الدكتور عبد اللطيف جاسم كانو في قلب المنامة، وتمرّ هذه السنة الذكرى الثلاثون لتأسيسه.

وغاية المتحف أن يكون مركزاً جامعاً وشاملاً وحافظاً للقرآن الكريم، على هدي الآية الكريمة «إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون»؛ الأمر الذي يعني أنّ «الحفظ» هنا يتعدّى المحافظة والتخزين وحتى العرض المتحفي، كما يقول الدكتور كانو.

ففي أرجاء هذا الصرح ثمة، أوّلاً، خصوصية المبنى الفاتن، الذي يجمع بين عناصر العمارة الإسلامية الأصيلة وأحدث معطيات وتقنيات العمارة المعاصرة. هنالك زخارف ومشربيات وقباب ذات زجاج معشّق ونافورة ماء، وثمة مسجد صغير يتسع لحوالي 250 مصليّاً، تتوسط سقفه قبّةٌ بديعة.

ثمة، بعدئذ، مدرسة لتحفيظ القرآن وتعليم قراءته وتجويده وترتيله، مزوّدة بالكومبيوتر وبأحدث وسائل التعليم. المكتبة القرآنية (وهي غير «المكتبة الإسلامية» العامّة كما ينبّه الدكتور كانو) تضمّ نحو 50 ألف مجلّد باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، ذات اختصاص واحد وحيد هو علوم القرآن.

وهنالك، بالطبع، قاعة مؤتمرات رائعة التصميم، تتسع لنحو 150 شخصاً، مجهزة بلوحة عرض إلكترونية، وأجهزة للترجمة الفورية، ومعدّات سمعية – بصرية مختلفة.

وأمّا مفخرة البيت وحجر الأساس فيه فهو المتحف، المصمّم على هيئة ممرّات متصلة تذكّر بالزيقورة البابلية، تتيح تنقّل الزائر بسهولة تامة من جناح إلى جناح.

وقاعات المتحف تسعٌ، تحتوي الأولى على معلومات عن تاريخ القرآن، ونزوله، وأسماء كتّاب الوحي، ومعلومات تاريخية عن كيفية جمع الآيات في عهد الرسول، ثمّ الجمع الثاني في عهد الخليفة الأوّل أبي بكر الصديق، والجمع الثالث في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.

القاعة الثانية تحتوي على مخطوطات القرآن التي كُتبت على الرقّ، بالخطّ الكوفي، في أماكن مثل المدينة المنوّرة والعراق وشمال أفريقيا والأندلس، حين كانت الكتابة بدون تنقيط.

القاعة الثالثة مخصصة لأنماط الخطوط العربية المستخدمة في نسخ القرآن، وأنساق الزخارف التي تزيّن صفحاته، وتفاصيل الطباعة الأخرى.

القاعة الرابعة تعرض نفائس المخطوطات القرآنية القادمة من أصقاع إسلامية بعيدة مثل الهند وموريتانيا، وجزءاً كاملاً محفوراً في الخشب، بالإضافة إلى مخطوط صغير الحجم بطول 4 سنتمترات وعرض 2.5 سنتيمتر.

القاعات الأخرى تحتوي على نماذج نادرة من المصاحف وأنواع الورق المستعمل لأوّل مرّة في كتابة القرآن، وأدوات الكتابة التي استُخدمت على مرّ العصور، ونماذج القرآن بعد دخول آلات الطباعة إلى البلاد الإسلامية.

فضلاً عن القاعة الثامنة المخصصة لعرض أولى تراجم القرآن إلى اللغات الأجنبية الأوروبية والآسيوية، والقاعة التاسعة التي تضمّ طائفة بديعة من الأعمال التشكيلية الحديثة المرتبطة بالآيات.

معظم هذه النفائس هي مقتنيات شخصية للدكتور كانو، جمعها من أربع رياح الأرض، وفضّل أن توضع في متحف للعموم على أن تظل حبيسة جدران بيته.

وبالإضافة إلى النفائس القرآنية وضع كانو في «بيت القرآن» مجموعة مدهشة من ممتلكاته الأثرية النادرة، والثمينة، من حليّ وزجاج وقطع نقدية وخزف وسجّاد.

والرجل يحدّثك عن قطعة خزف إسلامية بالشغف والافتتان ذاته الذي يكتنف حديثه عن مخطوطة قرآنية نادرة؛ لأنّه فنّان في الأساس، منفتح الروح والعقل والضمير، حسّاس للمستويات الإنسانية والحضارية العميقة التي انطوى عليها تراث الإسلام، علمانيّ بقدر ما هو مؤمن، ومعاصر بقدر ما هو أصيل.

لست واثقاً من أنّ استبداد آل خليفة سوف يسمح للدكتور كانو بإغلاق أبواب متحفه في وجوه أمثال بنيامين نتنياهو أو بيني غانتس أو رؤوفين رفلين أو ميري ريغيف (التي سبق أن زارت مسجد الشيخ زايد في أبو ظبي، حتى قبل اتفاق أبراهام). الثابت، أياً كانت الحال، أنّ تطبيع الساسة لا صلة البتة تجمعه بإرادة الشعوب في أيّ برزخ عربي: مطعم الشواء أو متحف بيت القرآن، سواء بسواء.

* صبحي حديدي كاتب صحفي سوري مقيم بفرنسا.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية