المساعدات الخليجية للسودان.. عون "متأرجح" على سلم المصالح السياسية

الخميس 24 سبتمبر 2020 01:06 م

تؤثر جائحة الفيروس التاجي على الاقتصادات الوطنية في جميع أنحاء العالم، لكن هذا التأثير يتزايد بشكل خاص في الدول النامية مثل السودان الذي يواجه أيضا فيضانات استثنائية ناجمة عن الأمطار الموسمية الغزيرة، أدت إلى تدمير أكثر من 111 ألف منزل وأودت بحياة أكثر من مائة شخص.

وكان السودان في معاناة اقتصادية بالفعل قبل هذه الأزمات لدرجة أن الناس وقفوا في الطوابير لساعات لشراء الخبز فقط.

وتلعب دول الخليج دورا حاسما في السودان؛ حيث تقدم مساعدات طبية لمحاربة فيروس "كورونا"، وتساعد الضحايا المتضررين من الفيضانات، وتوفر مساعدات مالية واسعة.

ومع أن السودان يحتاج الآن إلى تدفقات ثابتة من المساعدات أكثر من أي وقت مضى، إلا أن المساعدة الخليجية للسودان ارتبطت بالمصالح السياسية المتغيرة على مدار العقدين الماضيين.

يعتمد حوالي 5.5 ملايين شخص في السودان على المساعدات الخارجية. وفي عام 2019، احتاجت البلاد إلى حوالي 8 مليارات دولار من المساعدات الخارجية لإعادة بناء اقتصادها بعد احتجاجات 2018 التي أطاحت بالرئيس "عمر البشير".

ومنذ ديسمبر/كانون الأول 2019، تسبب فيروس "كورونا" في انخفاض التحويلات وصادرات الثروة الحيوانية وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

تقلب التدفقات الخليجية

كانت الإمارات والسعودية من كبار المانحين للسودان منذ عام 2015، لكن لم يكن هذا هو الحال دائما؛ حيث كانت الولايات المتحدة أكبر مانح إنساني للسودان من عام 2000 إلى عام 2009، وفقا لما تقوله منظمة "مبادرات التنمية"، وهي منظمة تنموية دولية مقرها المملكة المتحدة.

قدمت الولايات المتحدة خلال تلك الفترة 33.9% من إجمالي المساعدات، تليها مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي قدمت 13.4% من إجمالي المساعدة الإنمائية الرسمية، بينما ساهمت الدول العربية مجتمعة، بما في ذلك الإمارات والكويت والسعودية، بـ2.3% فقط من إجمالي المساعدات.

لكن، تتناقض تدفقات المساعدات التاريخية من دول الخليج إلى السودان بشكل كبير مع توجهاتها الحديثة في المساعدة؛ حيث تلقت الدولة الواقعة في شرق أفريقيا أكثر من 18.04 مليار دولار من دول الخليج المختلفة منذ عام 2015 وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

أما أثناء تقسيم السودان وجنوب السودان في عام 2011، عندما واجه السودان "صدمة اقتصادية" بسبب فقدان عائدات النفط التي تمثل أكثر من نصف إيرادات الحكومة و95% من صادراتها، فقد كانت المساعدات الإنسانية من دول الخليج العربية منخفضة جدا مقارنة بتدفقات المساعدات بعد عام 2015.

دفعت الظروف الاقتصادية الصعبة والحاجة إلى الدعم الخارجي الحكومة السودانية إلى تغيير تحالفاتها السياسية في عام 2014 من خلال قطع العلاقات مع إيران والتحالف مع السعودية والإمارات.

عززت السعودية تحالفها مع السودان من خلال التبرع بمليار دولار لبنك السودان المركزي في عام 2015، الذي تزامن مع بداية التدخل الذي تقوده السعودية في اليمن.

كانت المملكة آنذاك تسعى إلى اكتساب المزيد من الحلفاء في المنطقة مع التركيز على تجنيد جنود للقتال في اليمن بسبب العدد المحدود لقواتها.

وإضافة إلى ودائع البنك المركزي، ارتفعت المساعدات التنموية للسودان من السعودية والإمارات منذ عام 2015، وقدمت السعودية 333.1 مليون دولار كمساعدات مالية إلى السودان بينما قدمت الإمارات 124 مليون دولار بين عامي 2005 و 2014 وفقا لمتتبع المعونة المالية الخليجية والاستثمار المباشر التابع لمعهد "أمريكان إنتربرايز".

أما منذ عام 2015، فقد قدمت السعودية للسودان 1.5 مليار دولار كمساعدات تنموية، بينما قدمت الإمارات 1.6 مليار دولار.

عندما تلقى السودان هذه الزيادة في المساعدة، انضم إلى التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وكان لدى السودان ما لا يقل عن 3 آلاف جندي والعديد من الطائرات المقاتلة في اليمن في عام 2018.

لكن منذ ذلك الحين، قلص السودان عدد جنوده في اليمن بسبب التغيير في الحكومة والاحتجاجات المحلية ضد التورط في الصراع، وكان المتبقي في اليمن 657 عسكريا سودانياً فقط في يناير/كانون الثاني الماضي.

ورغم الفوائد الاقتصادية لهذه المشاركة، تسبب دور السودان في اليمن في صدمة إضافية للشعب؛ حيث لقي مئات الشباب حتفهم في الحرب.

لم تتأثر مساعدات قطر بالحرب في اليمن، لكنها تأثرت بأزمة الخليج، فقد تبرعت الدوحة بمبالغ كبيرة من المساعدات للسودان في الفترة من 2012 إلى 2017، وكانت أكبر دولة خليجية مانحة للبلاد خلال تلك الفترة، وفقا لخدمة التتبع المالي التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

ومع ذلك، تغير هذا بعد أن قطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين العلاقات الدبلوماسية مع قطر في عام 2017 وفرضت قيودا على حركة البضائع والأفراد.

تسبب ذلك في تعطيل سلاسل التوريد والتجارة في المنطقة، وأثر على المساعي الإنسانية لدولة قطر، بما في ذلك تدفق المساعدات إلى السودان.

يقول الباحثون إن أهم تأثير للأزمة الخليجية على قطر؛ هو تقلص القطاع الإنساني فيها؛ حيث قلصت العديد من المنظمات غير الحكومية القطرية عملياتها أو أغلقت.

ونتيجة للحصار؛ تقلصت المساعدات القطرية للسودان وزادت تدفقات المساعدات من السعودية والإمارات.

وخلال الأشهر الأخيرة، ركزت المساعدات الخليجية للسودان بشكل أساسي على التعامل مع جائحة "كورونا"، وأرسلت قطر والإمارات مساعدات طبية كبيرة إلى البلاد منذ يناير/كانون الثاني.

تأثير المصالح السياسية

غالبًا ما تكون المساعدات الخارجية سياسية وتحركها دوافع استراتيجية ودبلوماسية وطنية وحوافز اقتصادية وإنسانية وثقافية.

ويبدو أن هذا هو الحال في السودان؛ حيث تتوافق توجهات المساعدات مع المصالح السياسية المتغيرة لدول الخليج، بما في ذلك مشاركة السودان في حرب اليمن.

يشعر العديد من السودانيين بالريبة من هذا النفوذ الأجنبي ويعترفون علنا بالأبعاد السياسية للمساعدات الخليجية، ويتجلى ذلك في الشعارات الشعبية أثناء الاحتجاجات، مثل: "لا نريد مساعدة من السعودية حتى لو أكلنا الفول والطعمية".

ومثل العديد من البلدان التي تعتمد على المساعدة الدولية؛ فإن التحدي الذي يواجه السودان هو كيفية جذب تدفقات مساعدات مستقرة ومستدامة لا تتأرجح بشدة اعتمادا على الرياح السياسية المتغيرة.

وسيمكّن ذلك الحكومة السودانية من التعامل مع آثار "كورونا" والفيضانات الأخيرة، ودعم شعبها، وتحقيق النمو الاقتصادي.

المصدر | سيما الدردري/ معهد دول الخليج العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا عمر البشير حصار قطر الأزمة السودانية مساعدات خليجية

أمير قطر يتبرع بـ14 مليون دولار صالح السودان

النقد الدولي يخصص منحة سنوية للسودان بـ1.5 مليار دولار