البرهان ونتنياهو: التطبيع مقابل ماذا بالضبط؟

السبت 26 سبتمبر 2020 09:03 ص

البرهان ونتنياهو: التطبيع مقابل ماذا بالضبط؟

ماذا عن الأثمان السياسية التي ستدفعها الحكومة المدنية لصالح البرهان وبقية العسكر؟!

بانفتاح موضوع التطبيع وجد سياسيون وإعلاميون مناسبة للإطناب في فوائد العلاقات بإسرائيل وهجاء الفلسطينيين.

السودان باقتصاده المنهك سيدفع فعليا 360 مليون لرفع اسمه من قائمة الإرهاب مقابل وعود بـ650 مليون دولار لفتح الأبواب لإسرائيل.

أريحية يتصرف بها البرهان في ملف التطبيع مع إسرائيل تعني موافقة ضمنيّة على ما يفعله إلا إذا أعلنت الحكومة صراحة، معارضتها لهذا التوجّه.

هل يصبح التطبيع الأمر «الطبيعي» في علاقات الدول العربية بإسرائيل ويترك الفلسطينيون ليواجهوا إسرائيل وحدهم دون غطاء عربيّ ولو شكليّ؟

*     *     *

أعلنت أكثر من صحيفة عبريّة عن لقاء ثان قريب جدا بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما توقعت مصادر أخرى عن إعلان السودان (ودولة عربية أخرى) عن «اتفاقية سلام» مع إسرائيل خلال الأسبوع المقبل.

وإذا صحّت التوقعات فهذا يعني أن الخرق الذي تمكّنت الولايات المتحدة وإسرائيل لصالحهما سيكون اتسع كثيرا وليس مستبعدا، إذا استمرّ انخراط الدول العربية بهذه الخطة وبهذه السرعة، أن يصبح التطبيع هو الأمر «الطبيعي» في العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وأن يترك الفلسطينيون ليواجهوا إسرائيل وحدهم من دون غطاء سياسيّ عربيّ، ولو شكليّ، يحميهم.

يمتاز السودان بأنه البلد العربيّ الثاني، الذي قادت فيه نخبه السياسية ثورة مدنية سلميّة ناجحة (نسبيا) والبلد العربي الأول الذي تقوم فيه القوى المعارضة بإجراء تسوية سياسية مع بعض قيادات النظام العسكري ـ الأمني.

وبالتالي التخلص من رئيسه عمر حسن البشير، وتقاسم السلطة لفترة انتقالية مع العسكريين، والمبادرة لحلّ الإشكالات الداخلية مع أغلب تنظيمات المعارضة المسلحة، والتفاوض مع الجهات الدولية على رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، بالتزامن مع العمل على حل المشكلات الاقتصادية المعقدة، والتعامل مع قضية «سد النهضة» الإثيوبي.

جاءت مبادرة رئيس «المجلس السيادي» الفريق البرهان باللقاء المفاجئ بنتنياهو العام الماضي في العاصمة الأوغندية كمبالا، لتدخل موضوع التطبيع مع إسرائيل على خط هذه السلسلة الطويلة المعقّدة من المهام السياسية والاقتصادية المستعصية التي يقودها رئيس الحكومة عبد الله الحمدوك.

رغم العلاقات الدافئة الناشئة (أو القديمة) بين حكام السودان، الجدد والقدامى، وبعض نخبها السياسية، مع الإمارات والسعودية، اللتين اعتبرتا سقوط نظام البشير فرصة كبيرة لممارسة نفوذ أكبر على السودان، فإن الرياض وأبوظبي اكتفتا بتقديم مساعدات ماليّة أو عينية ضعيفة نسبيا.

وبانفتاح موضوع التطبيع وجد سياسيون وإعلاميون كثيرون ذلك مناسبة للإطناب في فوائد العلاقات مع إسرائيل، وكذلك في هجاء الفلسطينيين.

يشير إعلان الحكومة المدنية السودانية عدم حصولها على تفويض سياسي بالتطبيع مع إسرائيل إلى رغبة في الابتعاد عن تجرّع هذه الكأس المسمومة.

لكنّ الأريحية التي يتصرف بها البرهان في ملف التطبيع مع إسرائيل (وخصوصا إذا قرئت على خلفية الحديث عن خلافات ضمن «قوى الحرية والتغيير» حول هذا الملف) تعني أن هناك موافقة ضمنيّة على ما يفعله، إلا إذا أعلنت الحكومة، صراحة، معارضتها لهذا التوجّه.

حسب أغلب المصادر الإخبارية فإن البرهان يطالب الولايات المتحدة الأمريكية بحزمة مساعدات بحدود 10 مليارات دولار، تقسم على سنوات الفترة الانتقالية، وبرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وكذلك إعادة الحصانة السيادية للسودان بتشريع من الكونغرس لإغلاق أبواب مقاضاته في المستقبل، وإعفاء ديونه لأمريكا، ومطالب أخرى، غير أن الوفد الأمريكي الذي اجتمع بالبرهان في أبو ظبي تعامل باستخفاف مع مجمل هذه المطالب.

والأغلب أن «التفاوض» جرى حول دفع السودان 30 مليون دولار تعويضات لأهالي ضحايا تفجير السفينة يو إس إس كول، الذين استهدفهم تنظيم «القاعدة» في اليمن عام 2000، و330 مليون دولار لأهالي ضحايا تفجير سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام عام 1998.

أي أن السودان، ذا الاقتصاد المنهك والفقير، سيدفع فعليا قرابة 360 مليون دولار، مقابل رفع اسمه من قائمة الإرهاب، وسيقبض وعودا بتلقي قرابة 650 مليون دولار، على شكل قروض وهبات، مقابل فتح الأبواب السياسية والاقتصادية والأمنية لإسرائيل، من دون أن نتحدث عن الأثمان السياسية التي ستدفعها الحكومة المدنية لصالح البرهان وبقية العسكر.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية