استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

فلسطين وعلامات الانتفاضات... القادمة

الجمعة 9 أكتوبر 2020 07:25 ص

فلسطين وعلامات الانتفاضات... القادمة

لسنا قلة ولا معزولين ولا واهمين. ولنا رفاق وأشباهٌ بكل مكان، وبخصوص كل شؤون.. الحياة، مجدداً!

الانتفاضات الأخيرة بمنطقتنا قامت على إبداع أدبي وفني لا على خطابات سياسية ولا على أحزاب وتنظيمات.

واقع فلسطين في غاية القسوة لكنهم لم ييئسوا ولم يتخلوا عن مواقفهم وقناعاتهم ولم يبيعوا أنفسهم! لماذا؟ هل هم بلهاء؟ هل هم حالمون؟

*     *     *

هي علاماتٌ ليست في السياسة ولا بين "السياسيين"، التعبير الذي يكاد أن يصبح أجوفاً أو حتى مرادفاً للشتيمة. بل تجدها عند الشابات والشبان المبدعين، المبادرين (رغم كمّ من القهر والحرمان المهوليَن) إلى أشكال شتى من التعبير عن مواقفهم، بالرسم والموسيقى والأغاني والمسرح والرواية والشعر.. وبإنشاء مواقع تَفرض على من يطلّع عليها الإعجابَ.

ولنتذكر أن الانتفاضات الأخيرة في منطقتنا، في السودان والجزائر والعراق ولبنان، قد قامت على هذا، وليس على الخطابات والنصوص السياسية، ولا على الأحزاب والتنظيمات.

كان بعض هؤلاء حاضراً، بصدق أو للاحتواء، ولكنه لم يتحول في أي لحظة ليكون أساسياً أو مقرراً للمسير والمصير. وهذه كانت نقطة قوة تلك الانتفاضات وفي الوقت نفسه، وبلا شك، نقطة ضعف بيّنة فيها.

لكنه يعني أشياء عدة، منها أن هذه المجتمعات التي مورس عليها كل ما يمكن تخيّله من اضطهاد، وما يتجاوز الخيال، بالقمع والإهمال والاحتقار والتجهيل والإفقار، وبالتيئيس بفعل خطاب مفتكَر وممارسات مدروسة ومخطط لها، هذه المجتمعات ولاّدة، تفاجئ من ظن أن الأمر "انتهى"، سواء كان حزيناً لذلك، أو كان ينتمي إلى شلة الأوغاد التي تتمنى استعباد الناس.

وها هي التجربة، التي هي أكبر برهان، تثبت ذلك. من نسي 2011 بكل عجره وبجره (وقبله سواه كل بضع سنين)، لاقاه 2019! هؤلاء الذين كانوا أطفالاً في 2011، ومعهم إخوتهم الأكبر سناً، وأمهاتهم (نعم! والجدات)، انتفضوا وقابلوا أعداءهم بعناد تصحبه الدهشة.

يعني ذلك أيضاً أنها سيرورة تفاعلية، لا أحد يدري حظوظ لحظتها في الإشراق، كالتماعة تملأ الكون ضياء، وتشفي الغليل، وترضي المكلومين.. ولو إلى حين. ولأن الأمر صراع، فلا بد من إكمال الجملة بـ: ولا أحد يدري مآلاتها، ولا أين ومتى ستنجِز، ولا حتى قيمة الإنجاز نفسه.

وقد تكون محاولات متكررة، كما في سيرة "سيزيف" (الأسطورة، التي تحكي عن إنسان كُتب عليه دحرجة صخرة حتى أعلى الجبل، ثم تهوي فيعاود الكرة) والتي يعتبر الكاتب الفرنسي ألبير كامو أنها لا تدعو لليأس بل للتمرد. إذ الخيارات الأخرى منحطّة وتشيع العبودية.

في فلسطين تحديداً - يا للهول الكوني لما يعيشه أبناؤها، ويا لبشاعة ما يردَّد على مسامعهم ليل نهار من أنه "قضي الأمر"، و"كفاكم أوهاماً" وهلمَّ جرا - في فلسطين، شبان وشابات يُنتجون نصوصاً تحليلية لواقع بلادهم، هي في غاية القسوة..

لكنهم لم ييئسوا، ولم يتخلوا عن مواقفهم وقناعاتهم، ولم يبيعوا أنفسهم باثنين من الفضة. لماذا يا ترى؟ هل هم بلهاء؟ هل هم حالمون؟ بل لأنهم مقتنعون بخوض الصراع. يعلمون بكل الموبقات المحيطة بهم، ويعلمون بكل جبروت الأعداء.

لكنهم، بذكائهم المتقد ومواقفهم المبدئية، يُبقون الشعلة وضّاءة. في فلسطين تجد مبادرات متقنة ومهمة كل يوم، غالباً ما تكتشفها بالصدفة، ومنها مثلا، وبعيداً عن الحصر، موقع "متراس" الذي نقتبس عنه، بالاتفاق معه، نصوصاً.

وهناك سواه، وأحب أن أذكر "شاشات" سينما المرأة الفلسطينية، وهو برنامج درّب عشرات الشابات على صناعة السينما وانتج لهن أفلاماً عرضنا لها سابقا.

ومؤخراً وقعنا على موقع بصري ننشر بعض إنتاجه في هذا العدد في زاوية "بألف كلمة"، يُفرح قلب بسبب المقدار العالي من الإتقان والدقة، وبسبب الموقف الذي يحمله... وهذه دينامية لن تخنق لا من قبل إسرائيل ولا من قبل مشيخات تافهة تظن نفسها إمبرطوريات. هذا هنا التاريخ كله، والواقع العنيد كذلك.

وهكذا في العراق وفي سواه. وليس على عَرّابي ودعاة التطبيع إلا الموت قهراً. قد يبدو غريباً أن يعاود شبان وشابات الكرة في ساحات الاحتجاج على طوال بلاد الرافدين وعرضها، حيث تعرضوا للقنص والخطف، واستشهد أصدقاؤهم.

لكن ها هم! مجانين؟ بل عقلاء جداً، ومن يدعونهم إلى الرضوخ لحياة الصراصير، تلك الوحيدة التي تنتظرهم وتتوفر أمامهم، لم يفهموا شيئاً. ولن!

وهذا يستحضر مسألة الموقف، وهي مبتدأ كل شيء. فكما على المستوى الفردي، يمكن للإنسان أن يشيح ببصره عن المشكلات التي يعاني منها سواه، وأن يتأقلم هو نفسه مع بؤسه، ولعل أكثرية البشر من يفعل. ولكن يمكن أيضاً أن يهتم، أن يكترث، وألاّ يرتضي المهانة والجوع له ولسواه.

تلك هي السياسة بمعناها النبيل. وذاك هو ما يجعل أُناساً من العالم كله يحملون فلسطين، كقضية حق وعدالة، في قلوبهم وعقولهم، ويتبنونها، ويبذلون الوقت والجهد من أجل نصرتها: مسلمين ومسيحيين ويهوداً وبوذيين، أو ملحدين. ومن كل الألوان والأعراق والأصقاع.

تبين النصوص التي باشرنا بنشرها حول "انتفاضات 2019 الكبرى: نتائج مبتورة"، وحول "انتفاضات 2019: إبداع تأسيسي"، وسنجمعها عند اكتمالها بدفترين، تبيّن موقفنا من.. الحياة، وتوضح كيف أننا لسنا قلة ولا معزولين ولا واهمين. ولنا رفاق وأشباهٌ في كل مكان، وبخصوص كل شؤون.. الحياة، مجدداً!

* نهلة الشهال كاتبة وناشطة لبنانية، رئيسة تحرير "السفير العربي".

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية

فلسطين، إبداع، العراق، الانتفاضات، توثيق،