استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحكومات العربية واختراع عجلة التنمية

الأربعاء 21 أكتوبر 2020 04:26 م

الحكومات العربية واختراع عجلة التنمية

الاستقواء الأمني على المواطنين والتذرع بالاستقرار بات مفضوحا وقوض العملية التنموية، وتسبب في الزلازل الثورية السابقة.

إن فشلت الثورة مرحليا فلا بد لها من توابع منطقية لاستمرار مسبباتها والدرس المستفاد الذي يجب أن يعيه الحكام العرب: التنمية لن تتحقق إلا بالحرية.

لا تنمية إلا بإزالة المظاهر السالبة للحرية: فقر استبداد شح الفرص إهمال المرافق مصادرة حرية التعبير سيطرة على المجال السياسي.

*     *     *

تعرض مفهوم التنمية للعديد من التطورات خلال المائة عام الأخيرة، فحتى ستينيات القرن الماضي كان يتركز المفهوم على الجوانب الاقتصادية، حيث تقاس التنمية بمؤشرين رئيسيين هما دخل الفرد، ومعدل النمو الاقتصادي.

ووفقا لهذا الاتجاه فالتنمية تعني دخلا قوميا مرتفعا يتوازى مع مجتمع متخصص يعمل فيه الناس لإنتاج سلع وخدمات يحتاجها أناس آخرون، وليس لمواجهة احتياجاتهم الخاصة المباشرة.

ويعود ترسخ الاعتماد على معدل النمو كمؤشر رئيس لقياس الحالة التنموية إلى الفترة التي اهتمت القوى الاستعمارية فيها بتشجيعه لتوفير الخدمات العامة في المستعمرات، علاوة على رفع الدخل الفردي الذي يضمن تصريف منتجاتها من السلع المصنعة.

وترافق مع تطبيق هذا المفهوم التنموي العديد من المشكلات، فعلى سبيل المثال تزايدت حدة عدم المساواة بين الأقاليم والفئات داخل الدولة الواحدة، بالإضافة إلى تعميق المشاكل الاجتماعية والسياسية لتلك الدول.

وهو ما ظهر جليا في تمزق المؤسسات الاجتماعية والسياسية التقليدية، وزيادة معدلات الجريمة، وترسيخ التبعية بكافة أشكالها، علاوة على بروز المشاكل البيئية.

بنهاية الستينيات تطور مفهوم التنمية بصورة تدريجية، بدأت من الاعتراف بقصور الاعتماد على الموارد الطبيعية فقط كرافعة للعملية التنموية، وبروز أهمية الموارد البشرية.

لا سيما الحالة التعليمية والصحية والثقافية في تحقيق حالة الشحن التنموي المستهدف، بما يعني المزيد من التركيز على الجوانب غير الاقتصادية لعملية التنمية كأهداف في حد ذاتها وليس فقط كمحفز للنمو الاقتصادي.

كما تزايد الاهتمام بمواجهة التفاوت في التوزيع وعدم المساواة بين الفئات والأقاليم، وأصبح راسخا التأثير المتبادل بين التنمية الاجتماعية والسياسية والبيئية من ناحية والتنمية الاقتصادية من ناحية أخرى.

ومن هذا المنطلق جرى البحث عن أنظمة سياسية وادارية أكثر ملامءة لظروف الدول المتخلفة، وإصلاح المناهج التعليمية، انطلاقا من تنشيط الثقافات التقليدية، بما يكفل الاستخدام الأمثل للموارد المحلية والمتسق مع النواحي البيئية.

وبحلول منتصف السبعينيات كان قد ترسخ مفهوم التنمية البشرية، أو التنمية المتمركزة على الإنسان، والتي تعبر عن التنمية باعتبارها حالة رفاهية بشرية أكثر من كونها حالة نمو اقتصادي.

وخلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات ترسخ مفهوم التنمية المتكاملة والذي يركز علي العلاقات المتبادلة بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية في البناء التنموي، وانتشرت تبعا لذلك مصطلحات التنمية البشرية والتنمية المستدامة.

وإجمالا يمكن القول إنه حتى العقد الأخير من القرن الماضي اتسع مفهوم التنمية بصورة كبيرة، كما تأكد عدم نمطية النموذج التنموي الصالح لكل زمان ومكان، والاعتراف بالخصوصية المحلية التي تترجم إلى توجهات وسياسات وإجراءات يجب أن تتسق مع هذه الخصوصية.

 

التنمية حرية

في النصف الأخير من عقد التسعينيات برزت كتابات أمارتيا سين Amartya Kumar Sen الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد التي قلبت العلاقة التقليدية بين الحرية والتنمية والقائمة على أن الحرية ثمرة ونتيجة تنموية، بينما يعتبر سين أن الحرية هي إحدى وسائل وأدوات التنمية.

فكل عنصر منهما يعمل على تقوية وتعزيز العنصر المقابل. كما أن التنمية لا يمكن أن تكتمل إلا بالعمل على إزالة كافة المظاهر السالبة لمعنى الحرية، وأهم هذه المظاهر السالبة: الفقر، والاستبداد السياسي، وشح الفرص الاقتصادية والوظيفية، وإهمال المرافق الخدمية، ومصادرة حرية التعبير والسيطرة على الفعاليات السياسية.

كما اعتبر سين أن الإنجاز الإيجابي للناس العاديين مرتهن بالفرص الاقتصادية والحريات السياسية، إضافة إلى وجود قوى اجتماعية داعمة، وبالضرورة توفر نظام تعليمي وصحي جيد، وكل هذه المظاهر من شأنها إن توفرت في أي كيان سياسي، أن تعمل على تعزيز الثقة والإيجابية وثقافة المبادرة لدى المجتمع.

كما يعتبر سن أن المشاركة والمعارضة السياسية جزآن أصيلان من العملية التنموية، وأنه يمكن تحقيق هذا النمط من الحرية السياسية، والتسهيلات الاقتصادية، والفرص الاجتماعية، والشفافية، والأمن الوقائي ممثلا بإعانات البطالة، والمساعدات الإغاثية في حالات الطوارئ، وتأمين دخل للمعدمين.

وفي إطار الجدلية المصطنعة حول أولوية القضاء على الفقر والبؤس، أم كفالة الحقوق المدنية والحقوق السياسية، يعود سن لفكرته المركزية، وهي الترابط والتداخل بين العنصرين، مؤكدا على ضرورة إعادة النظر في أثر الديمقراطية على حياة الناس وقدراتهم.

ويستشهد بتجربة رئيسة وزراء الهند السابقة، أنديرا غاندي، التي حاولت ترويج حجج تبرر حالة الطوارئ التي كانت تنوى فرضها، وأجرت استفتاء بهذا الشأن لتظهر النتيجة رفضًا حاسمًا لفكرة قمع الحقوق السياسية رغم أن المواطن الهندي فقير.

 

الاستحقاق العربي المهمل

الاستعراض السابق لتطور مفهوم التنمية وصولا إلى التأكيد على العلاقة الوثيقة بين التنمية والحرية، تبرز السؤال حول اعتبار السلطات السياسية في العالم العربي للحرية ودورها في العملية التنموية.

وهو الأمر الذي يشير إلى أن معظم هذه الحكومات لا تزال متيبسة فكريا عند مفهوم التنمية السائد حتى ستينيات القرن الماضي، والمتمركز حول النمو الاقتصادي المنطلق من الاعتماد على الموارد الطبيعية المحلية.

وهو الأمر الذي يبرز ملاحظة هامة أنه بعد أكثر من سبعين عاما خلت من استقلال معظم الدول العربية لم تشهد خلالها أية دولة حالة تنمية حقيقية نقلتها إلى مصاف الدول المتقدمة.

فرغم الانظمة الاقتصادية المتعددة التي جري تطبيقها، ورغم التحولات الدراماتيكية الي اقتصاد السوق، والتبشير بالثمار التي ستتساقط على الرؤوس، إلا أن النتائج صفرية، وهو ما يشكك في كون التنمية على رأس مستهدفات تلك السلطات.

المواطن الهندي العادي رفض مساومة أنديرا غاندي على حريته بفرض قانون الطوارئ، في حين تروج حكوماتنا أن الفقراء لا يكترثون للديمقراطية ولا للحقوق السياسية، وأن غاية طموحهم هو رغيف الخبز، ومن ثم أصبحت الطوارئ الأب الروحي للاستبداد هي الأصل، في حين أضحي القانون الطبيعي هو الاستثناء.

التحجج بحالة عدم الاستقرار وتعاظم الضغوط المالية لا يعني التركيز على قضايا التسيير ذات الأمد القصير، بل من واجب الحكومات العمل على بناء رؤى كلية واستراتيجية تتمحور حول الإنسان كهدف ووسيلة تنموية لا يمكن تعظيم دوره إلا من خلال مناخ حر يرسخ الإبداع والابتكار كروافع تنموية أساسية.

إن تمحور آليات التنمية عربيا حول الاستجابة لمطالب المؤسسات والقوى العالمية الكبرى، وآليات الاسواق الدولية، والخضوع للاتفاقيات الاقتصادية الدولية المجحفة لحقوق الشعوب، وقصر محددات التنمية على إقامة البنية الأساسية وجذب الاستثمارات الاجنبية، والخنوع لتحرير الأسواق والخصخصة.

ومن ثم إهمال أسباب تضارب المصالح والتفاوت في الثروات والدخول والعدالة الاجتماعية بصفة عامة، والسعي نحو الحفاظ على قوة الدولة والنظام الحاكم كهدف رئيس، لن تشكل وسائل أو أدوات تنموية، وكل التجارب العربية تؤكد ذلك.

على الحكومات العربية أن تعي أنها لن تخترع العجلة من جديد، فقد سبقتنا دول كثيرة إلى ارتياد الطريق الصحيح، وأن هدفها الرئيس ليس ترسيخ سلطات الحكام، بل رفاهية مواطنيها، وأن الاستقواء الأمني على المواطنين والتذرع بالاستقرار بات مفضوحا وقوض العملية التنموية.

وتسبب في الزلازل الثورية السابقة والتي إن فشلت مرحليا، فلا بد لها من توابع منطقية لاستمرار نفس المسببات، والدرس المستفاد الذي يجب أن يعيه الحكام العرب بسيط للغاية، وهو أن التنمية لن تتحقق إلا بالحرية.

* د. أحمد ذكرالله كاتب وأكاديمي اقتصادي

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

التنمية، نوبل للسلام، الاقتصاد، الحكومات العربية، الثورة، الاستقواء الأمني، الحرية، الاستبداد، تأميم المجال السياسي،