استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العالم يريد استراحة

الخميس 12 نوفمبر 2020 10:31 ص

العالم يريد استراحة

هل هناك من يصحح خللا أصاب منظومة قيم وقواعد اجتمع على صياغتها قبل قرون نفر من الوطنيين الحكماء؟

هل في أمريكا من يحاول إعادة الصواب إلى 71 مليون مواطن أمريكي صوتوا لرجل لم يحترم دستور البلاد ومؤسساتها وقوانينها؟

هل من يحمي نصف الشعب المبتهج بفوز جو بايدين وحكومته خلال السنوات الأربع القادمة من غضب وانتقام ترامب وكره وشغب النصف الآخر من الشعب؟

*     *     *

عشت الأيام الأخيرة من حكم الرئيس دونالد ترامب أحلم بالراحة، وأحنّ إليها. اليوم فقط اكتشفت أنني واحد من كثيرين جدا أنهكهم هذا الرجل. أغلب الذين اتصلوا بي، أو اتصلت بهم خلال الأربع وعشرين ساعة الأخيرة، أعلنوا أنهم قاطعوا بالفعل منذ الصباح الباكر نشرات الأخبار، وكل من له صلة بها.

وأفصح بعضهم، وهو يعلن مقاطعة الأخبار، عن نيته الامتناع لفترة قد تطول عن حضور الاجتماعات الافتراضية التي بدأت تنهمر علينا الدعوات للمشاركة فيها.

وكنا عشنا أياماً عدة لا نفعل سوى أن نناقش نتائج الانتخابات، والتصرفات المتوقعة من الرئيس «المحبط» والخطط التي أعدها لحكم البلاد الرئيس المنتخب، وزميلته، وبصددها لا أنكر أن الحديث عن كاميلا هاريس، وماضيها، ومستقبلها، كان بمثابة فرص نستغلها لنسري عن أنفسنا، ونهدئ انفعالاتنا.

حذّرونا ونحن صغار، يعني ونحن نمر في سنوات المراهقة، من التعامل مع شخص لا يحب إلا نفسه. ذكّرني بهذا التحذير صديق ينوي مقاطعة السياسة فترة لم يحددها.

قال إنه لم يهتم كثيراً بنصائح الأطباء وعلماء النفس الأمريكيين الذين تنبأوا مبكراً جداً بشرّ عظيم سوف يهبط على الأمريكيين من وراء هذا الرئيس الجديد المدعو دونالد ترامب.

قال، «لم أهتم كثيراً، أولاً، لأن ما أعرفه عن أنه في عالم السياسة الكل يبالغ في نقل الحقيقة، ويبالغ في ابتكار أساليب الإقناع، وبالتالي قد لا يكون الرئيس الجديد شريراً، أو طيباً بالدرجة التي يزعمون.

أما السبب الثاني فهو عن واقع أنني لا أمتّ إلى الشخص المدعو دونالد ترامب بصلة مباشرة. أنا مجرد مواطن في دولة أخرى، ولائي الأول يذهب للوطن الذي انتمي إليه.

حتى لحظة كتابة هذه السطور لا يزال ترامب يعاند. يرفض الاعتراف بفوز جو بايدين بمنصب الرئاسة. وأثناء الحملة الانتخابية تنبأوا بأن ترامب سوف يقدح قريحة الشر، وفي الأغلب يدعو جماهيره لشن حملة عنف في الشوارع.

وكنت واحداً بين ملايين توقعوا أن يقدم ترامب على «إسقاط» واشنطن إذا تجاسرت فأسقطته في الانتخابات. قال إنه شخص لا يخسر صفقة، أو قضية، أو معركة، ثم راح يشحن جماعات مؤيديه ليجهزوا أنفسهم لساعة حسم، وبالفعل اختار لهم ساحات المعارك المحتملة، مثل ولايتي ميتشيجان، وأوريجون. اقتربت ساعات الحسم.

الدولة الأمريكية باتت مهددة بالانهيار لو نفذ دونالد ترامب وعيده، وأشعل حريقاً هائلاً. كان الخطر قبل الانتخابات ماثلاً، ولكن ليس إلى الحد الجاثم حالياً. كان كابوساً، ولكننا حتى ونحن غارقين في هوس الكوابيس لم نتخيل أن نحو خمسة وسبعين مليون مواطن أمريكي سوف يصوتون في مصلحة ترامب.

للرجل شعبية لا جدال فيها. فجأة رأينا أمام أعيننا كيف يتوحد الزعيم مع بعض الشعب، فما بالنا وقد توحد مع نصف الشعب. هذا النصف بتصويته لترامب أعلن أنه لا يتمسك بالديمقراطية، أو على الأقل لا يهتم بوجودها من عدمه.

هذا النصف وربما أكثر، يجاهر بأنه لا يعترض على قوانين تخرق، وثروات وطنية تبدد. لا يضيره، أو يقلقه أن رئيسه، وهو من أغنى أغنياء العالم، متهرب من تسديد ضرائب، بل وممعن في التهرب.

 انكشف أمام أقرانه من حكام العالم، الخصوم والحلفاء على حد سواء، حتى توقفت، أو كادت تتوقف الآلة الضخمة المكلفة بصنع السياسة الخارجية، وإدارتها.

وفي غمرة الحملة الانتخابية تمادى فأعلن أنه لن يدافع عن مؤسسات الدولة إذا تعرضت للتخريب، وسوف ينزل إلى الشارع وفي حماية الميلشيات اليمينية المسلحة ليعلن إسقاط نتيجة الانتخابات، وربما منظومتها أيضاً.

 رحت وأصدقاء على امتداد ساعات نقلّب الأمر على بعض وجوهه، ونسأل: ألا يوجد في هذه الدولة الأعظم جهاز، أو مؤسسة، أو كيان، أو مجموعة أفراد، تخرج الآن وعلى الفور لإنقاذ الولايات المتحدة، وإجبار الرئيس المنهزم ليعلن على جماهيره اعترافه بفوز خصمه، ونيته الانسحاب.

هل يوجد في أمريكا من يحاول على الأقل إعادة الصواب إلى نحو سبعين مليون مواطن أمريكي صوتوا لرجل لم يحترم دستور البلاد ومؤسساتها وقوانينها؟

 هل يوجد في أمريكا من يصحح الخلل الذي أصاب منظومة القيم والقواعد التي اجتمع على صياغتها قبل قرون نفر من الوطنيين الحكماء. هل يوجد من يحمي نصف الشعب المبتهج بفوز جو بايدين، وزميلته، ويحمى حكومتهما خلال السنوات الأربع القادمة من غضب وانتقام ترامب، ومن كره وأعمال شغب النصف الآخر من الشعب؟

العالم يريد استراحة

* جميل مطر دبلوماسي مصري سابق ومفكر متخصص بالعولمة والنظام الدولي والإقليمي.

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة، الانتخابات الأمريكية، دونالد ترامب، جو بايدن، منظومة القيم والقواعد،