البحث عن حلول حقيقية: كيف يمكن للتحالف السعودي تجنب الانفصال في اليمن؟

الأربعاء 23 سبتمبر 2015 11:09 ص

ليست أبدا فكرة جيدة أن تخوض حربا مبنية على دوافع الفخر ودون أي مبرر أخلاقي أو دعم شعبي أو حتى مجموعة من الأهداف الواضحة القابلة للتحقق. للأسف، أصبح الشرق الأوسط مشتهرا بـ«حروب الالتباس» بداية من من الغزو العراقي للكويت في عام 1990 حتى القتال متعدد الأوجه ضد «الدولة الإسلامية» اليوم. وكثيرا ما تطلق الحروب كردود فعل غير محسوبة تستند في معظمها على الفخر والمعلومات الاستخباراتية المضللة. الارتباك الناتج يخلق حتما النيران التي تحاصر عاجلا أو آجلا جميع الأطراف المعنية (وإن كان ذلك بدرجات مختلفة). أحدث مثال على هذه الظاهرة هو الحرب في اليمن.

عجلة تكلفتها الحياة

فقدان 52 جنديا إماراتيا و10 جنود سعوديين و5 بحرينيين و4 يمنيين في قاعدة عسكرية في محافظة مأرب يوم 4 سبتمبر/أيلول يعد بمثابة تذكير قاس حول التكاليف الحقيقية للحرب باسم التحالف ضد الحوثيين، والذي حول تروسه من الحملة الجوية نحو العمليات البرية. بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة كانت الخسارة هي الأكبر بين جنودها منذ حصول البلاد على استقلالها في السبعينيات. والآن تم استشعار التكلفة المحسوسة لحياة الإنسان من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة والتحالف العربي ككل. يشعر بها بالتأكيد أسر هؤلاء الجنود الذين تساءلون حتما لماذا على أبنائهم أن يفقدوا حياتهم في وسط اليمن وأي أعداد يمكن التضحية بها في خضم هذه الفوضى.

على الرغم من أن حكومة الرئيس «عبد ربه منصور هادي» ادعت في البداية أن الوفيات جاءت نتيجة انفجار عرضي لذخائر مخزنة بشكل سيء، فقد أصبح من الواضح الآن أن الانفجار نجم عن صاروخ أرض-أرض ضرب مستودع الذخائر. وبدلا من التوقف وإعادة التقييم فإن التحالف مدفوعا بشعور الفخر قد قام بضخ المزيد من القوات. ولي عهد أبو ظبي، «محمد بن زايد»، أكد عزم بلاده على خوض الحرب إلى النهاية كما قامت قطر بإرسال ألف من قواتها البرية.

هذه التحركات تفاقم فقط خطأ التحالف الأولي للتقدم من عدن قبل الأوان. عن طريق تحريك القوات من ميناء عدن بعد وقت قليل جدا من انسحاب ميليشيات الحوثي و«صالح» ودون توطيد نظام الحكم هناك، فقد وقع التحالف في خطأ كبير بسبب عدم خبرته في مكافحة التمرد. وصول نائب الرئيس اليمني ورئيس الوزراء «خالد بحاح» إلى عدن الأسبوع الماضي بعد أشهر من النفي قد يكون قليلا جدا ومتأخرا جدا.

تحذيرات للتحالف

في مثل هذه الأوقات من الارتباك، فإن المسؤولية الأخلاقية لأصدقاء التحالف العربي تكمن في تقديم المشورة الصريحة والاستراتيجية بناء على تحليل دقيق للظروف على الأرض وتاريخ الصراع، سواء في اليمن أو المنطقة ككل، للمساعدة على تجنب استهلاكهم بين نيران الفخر. حاليا، يواجه الائتلاف المخاطر الآتية:

الوقوع في خط الصدع الشمالي الجنوبي. وقد جدد انتزاع عدن من أيدي الحوثيين منذ عدة أسابيع آمال الانفصاليين الجنوبيين أن هذه الحرب ستكون للتحرر من الارتباط بالشمال بدلا من كونها حملة لاستعادة شرعية حكومة وحدة وطنية. على الرغم من أن الملك السعودي والرئيس «أوباما» سارعا إلى التأكيد على اتفاقهما على ضرورة الحفاظ على يمن موحد، فإن الصراع يتحول بلا شك إلى حرب أهلية بين الجنوب والشمال.

قريبا سيجد القادة الشماليون المكافحون للحوثي مثل اللواء «علي محسن الأحمر» و«عبد المجيد الزنداني» أنفسهم في مواجهة معضلات هامة: من خلال الاستمرار في إضعاف الحوثيين والرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، فإنهم في الواقع يعززون أيدي الانفصاليين الجنوبيين. وكلما زاد أمد الحرب فإن خط التقسيم سوف يصبح أكثر صلابة. وفي حين يبدو الانفصاليين الجنوبيين قد غفروا، مؤقتا، لـ«هادي» خذلانهم ودعمه لـ«صالح» في منتصف التسعينيات فإن الشماليين سيكونون أقل قابلية للعفو عنه لسوء استخدام السلطة والتلاعب البرلماني.

القلق الأكبر بالنسبة للتحالف أنه قد يجد نفسه قريبا يشغل خط الصدع بين الشمال والجنوب وينتهي الأمر باستهدافهم من قبل الأشخاص الذين يمكنون لهم حاليا. الائتلاف ربما لا يكون قد خبر هذا من قبل ولكنه نتيجة مؤكدة لمثل هذا النوع من الصراعات وخاصة في الثقافة السياسية اليمنية حيث التحالفات الوقتية هي السائدة.

يجري النزيف ببطء في اليمن. على الرغم من أنه يمكن لأحد أن يجادل بشأن ما إذا كان التهديد الإيراني لدول الخليج في اليمن هو تهددي حقيقي أو متوهم، فقد شن التحالف الذي تقوده السعودية عملية عاصفة الحزم في مارس/ أذار لمنع تحول اليمن إلى عراق آخر حيث  تتمتع إران بنفوذ كبير على الحكومة ويمكن من خلالها الضغط على جيرانها الخليجيين.

ومع ذلك، ومن خلال نشر قوات برية بمثل هذه الطريقة في اليمن فقد وضع الائتلاف نفسه في مواجهة التكتيكات التي تتفوق بها إيران. في حين كانت هناك القليل من الأدلة على قيام إيران بتقديم الأسلحة والمقاتلين إلى الحوثيين، فإن غارة 4 سبتمبر/ أيلول قد فتحت بلا شك أعين النظام الإيراني على الفرصة السانحة لتعميق جراح دول الخليج في اليمن تماما كما فعلوا مع الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان. على الائتلاف أن يعي درجة المرونة والمهارة التي تتمتع بها عناصر الحكومة الإيرانية في تأجيج النيران.

وعلاوة على ذلك، فإن الجبهات الداخلية تصير أكثر عرضة للخطر. حتى الآن، كانت دولتا الإمارات العربية المتحدة وقطر بشكل خاص هما الأنجح في إحباط محاولات عمل القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى. ولكن متابعة هذه الحملة في اليمن من المرجح أن يجعل هذا الجهد أكثر صعوبة. الضربات الجوية المفرطة والعشوائية للتحالف سوف يتم استخدامها من قبل المتطرفين كأداة للتجنيد، وتفكيك الدولة يترك لهم مساحة أكبر للعمل . وتواجه قوات التحالف تهديدات من القاعدة ومسلحين آخرين على الأرض في اليمن بينما وضعت الدول المشاركة مواطنيها في مرمى تلك الجماعات.

الجواب على التحدي اليمني

الفخر يجعل من الصعب أن نرى بوضوح من خلال النيران، ويقود صاحبه نحو المزيد من القرارات الخاطئة. ومع تقدم تحالف مكافحة الحوثي في ​​صنعاء فإنه يواجه خطر سقوط أعداد أكبر من الضحايا لذا سيكون من الحكمة أخذ خطوة إلى الوراء واتخاذ بعض القرارات الصعبة.

لأول مرة، فإن الدعم المطلق والأعمى لرئاسة «هادي»  ينبغي أن تتم مراجعته. على أساس سجل أعماله وإنجازاته، وعلى  أساس مدى قدرته على الحفاظ على مستوى عملي للشرعية بين اليمنيين لربط البلاد معا وتجنب الانفصال.

هذا أيضا هو أوان الاعتراف بأن الحوثيين هم أحد المكونات الهامة في الجذور الوطنية للمجتمع اليمني وأن لديهم مظالم مشروعة ولا يمكن هزيمتهم عبر تدخل خارجي. على هذا النحو، لا يوجد بديل لعملية سياسية. والافتراض القائم على الفخر أن القوات البرية ستغير ميزان القوى وستجبر الحوثيين على تقديم تنازلات هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، خصوصا وقد ثبت أن قوات التحالف نفسها قد تكون عرضة للخطر.

الحل للتحدي المتمثل في اليمن لا يزال يكمن في عرض حقيقي على شعبها للحصول على عضوية مستقبلية ضمن دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا من شأنه أن يعكس هرم السلطة في العلاقات بين دول الخليج واليمن، وسوف يعطي صوتا لملايين اليمنيين في قاعدة الهرم وكثير منهم يعيشون ويعملون في دول مجلس التعاون الخليجي بالفعل ويتطلعون إلى الانتماء إلى هيكل إقليمي مزدهر. هذا الأمر أيضا سوف يدفع القيادة السياسية اليمنية نحو اتخاذ خطوات بناءة إلى الأمام تماما كما تدفع فكرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دول البلقان إلى محاولة البحث عن بدائل للحرب الأهلية والسياسات المتهافتة القائمة محليا. هذا، على المدى البعيد، هو أفضل طريق لسلام مستدام في البلاد.

 

  كلمات مفتاحية

السعودية اليمن التحالف العربي الحوثيين الحراك الجنوبي

«فورين أفيرز»: الحملة السعودية في اليمن تعمق الانقسامات داخل حركة الحوثي

السعودية في اليمن: القتال من أجل الهيمنة الإقليمية

القاعدة في اليمن: استراتيجيات جديدة وقدرات متزايدة

«ستراتفور»: الخيارات المعقدة للمملكة العربية السعودية في اليمن

«فورين بوليسي»: «عاصفة الحزم» .. المقامرة السعودية الكبرى

هل يؤدي النصر على الحوثيين لانفصال جنوب اليمن؟

المغامرة السعودية في اليمن

إعلام «الإمارات» يروج لانفصال الجنوب اليمني

القيادات الجنوبية تجتمع في أبوظبي لبحث الانفصال في اليمن ‏⁦‪