السعوديّة وحرب غزّة الثالثة ... المملكة تبحث فقط عن دعم حليفها المصري

السبت 9 أغسطس 2014 06:08 ص

بروس رايدل، المونيتور

تتحفّظ المملكة العربيّة السعوديّة حتّى هذه اللحظة عن إبداء رأيها في حرب غزّة الثالثة، فتتجنّب الإدلاء بتصريحات وتدعم في الدرجة الأولى حليفها المصريّ وراء الكواليس. وقد أساء البعض تفسير الموقف السعوديّ، معتبراً صمت المملكة هذا تفاهماً ضمنيّاً مع إسرائيل ضدّ حركة حماس، علماً أنّها باتت تنظر إلى حكومة نتنياهو أكثر فأكثر كدولة مجرمة.

تحفّظ السعوديّون، على غير عادتهم، معظم الوقت في خلال حرب غزّة بين حماس وقوّات الدفاع الإسرائيليّة. وأعلن وزير الماليّة السعوديّة عن هبة بقيمة 53 مليون دولار من أجل المساعدات الطارئة لغزّة في 14 تموز/يوليو لمساعدة ضحايا "الاعتداء الإسرائيليّ الوحشيّ"، لكنّ الملك لم يدلِ شخصيّاً بأيّ تصريح حتّى الأوّل من آب/أغسطس. فأدان الملك عبد الله بن عبد العزيز إسرائيل لارتكابها "جريمة حرب ضدّ الانسانيّة" و"مجزرة جماعيّة". ولم يذكر إسرائيل تحديداً، لكنّ الصحافة السعوديّة الرسميّة أوضحت أنّه عنى إسرائيل بشكل عامّ ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشكل خاصّ.

ولم يأتِ الملك على ذكر حماس، لكنّه تحدّث بإسهاب عن "الإرهابيّين" الذين "يشوّهون صورة الإسلام النقيّة والانسانيّة". وفسّرت الصحافة السعوديّة هذه التصريحات على أنّها موجّهة إلى القاعدة والدولة الإسلاميّة، لا إلى حماس. وأشار الملك إلى أنّ أسوأ نوع من الإرهاب هو إرهاب الدولة، في إشارة أخرى إلى إسرائيل.

وكتب رئيس الاستخبارات السعوديّة السابق، الأمير تركي الفيصل، لموقع "المونيتور" في 25 تموز/يوليو أنّ أفعال إسرائيل في غزّة هي "اعتداء بربريّ على المدنيّين الأبرياء"، وتدمّر كلّ فرصة لتطبيق خطّة السلام السعوديّة من أجل التوصّل إلى حلّ الدولتين. وانتقد الأمير تركي الفيصل، وهو مواطن عاديّ اليوم وصريح دائماً، حماس بشدّة لارتكابها "أخطاء" عدّة، ولا سيّما "تحالفها غير الحكيم مع قطر وتركيا"، اللتين دعمتا كلتاهما حماس بقوّة أكبر.

وكتب السفير السعوديّ في لندن رسالة مفتوحة انتقد فيها أولئك الذين أشاروا إلى مؤامرة بين إسرائيل والمملكة العربيّة السعوديّة في غزّة، واصفاً ذلك بـ "ترّهات" و"أكاذيب لا أساس لها من الصحّة". واتّهم الأمير نواف إسرائيل بارتكاب "إبادة" و"جريمة ضدّ الانسانيّة في غزّة، في ردّ على تقارير صحافيّة إسرائيليّة يمينيّة زعمت وجود اتّصالات بين مستشار الأمن القوميّ السعوديّ الأمير بندر ورئيس الموساد، وتقارير صحافيّة بريطانيّة أكّدت بدورها وجود مؤامرة سريّة.

إنّ هدف السعوديّين الرئيسيّ في حرب غزّة هو دعم حليفهم الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي الذي ساهم السعوديّون في وصوله إلى الحكم قبل سنة، والذي يبقونه في السلطة بفضل هبات اقتصاديّة بالمليارات. وتحتقر الرياض والقاهرة اليوم الإخوان المسلمين. وبما أنّ حماس هي الفرع الفلسطينيّ لجماعة الإخوان المسلمين المصريّة، يريد السيسي أن يراها ذليلة. هذا هو الفرق الرئيسيّ بين حرب غزّة الحاليّة وحرب غزّة الأخيرة في العام 2012 عندما كانت الحكومة التي يسيطر عليها الإخوان المسلمون في القاهرة تدعم حركة حماس.

يدرك الملك عبد الله والأمراء الآخرون جيّداً أنّ سعوديّين كثيرين، خصوصاً الشباب، معجبون بحماس لأنّها تقاتل إسرائيل. ولا يريد الملكيّون أن يبدوا متهاونين مع إسرائيل، خصوصاً مع بثّ التلفزيونات العربيّة كلّ ليلة صوراً مروّعة للأطفال القتلى.

لقد تآمرت إسرائيل والمملكة العربيّة السعوديّة في الماضي عندما كانت لديهما مصالح مشتركة. ولعلّ المثل الأفضل هو اليمن في الستينيّات عندما دعمت كلتاهما الثورة الملكيّة ضدّ (جيش الاحتلال المصريّ). فزوّد الموساد الملكيّين بالمعدّات، وأمّن لهم السعوديّون ملاذاً آمناً كي يتمكّنوا من حشر مصر جمال عبد الناصر في حرب عربيّة شبيهة بحرب الفيتنام. وتعاون الموساد والاستخبارات السعوديّة بشكل غير مباشر عبر مرتزقة بريطانيّين، لكنّ السعوديّين رفضوا دائماً مقابلة الإسرائيليّين وجهاً لوجه.

وتعاضد الإسرائيليّون والسعوديّون أيضاً في الحرب الباردة ضدّ الاتّحاد السوفياتيّ. لكنّهما، وخلافاً لما يروّجه فيلم "تشارلي ويلسونز وور" (حرب تشارلي ويلسون)، لم يتعاونا في المعركة الأخيرة والحاسمة، أي الحملة التي شنّها المجاهدون على الجيش الأحمر الأربعين السوفياتيّ. في الواقع، اعترض السعوديّون على أيّ دور لإسرائيل في الحرب الأفغانيّة عندما اقترحت وكالة الاستخبارات الأميركيّة وعضو الكونغرس ويلسون الفكرة.

وغالباً ما اختلف السعوديّون والإسرائيليّون في نزاعات الشرق الأوسط. فقد دعمت المملكة الرئيس العراقيّ صدام حسين في الحرب الإيرانيّة العراقيّة، مثلاً، فيما دعمت إسرائيل آيات الله في إيران. وأصرّ الملك فهد على بقاء إسرائيل خارج حرب الكويت في العام 1991. وتشعر المملكة اليوم بإحراج كبير لأنّها تدعو، تماماً كإسرائيل، إلى تدابير قاسية لمنع إيران من إمتلاك قنبلة نوويّة.

ويعكس التردّد السعوديّ في التحالف مع إسرائيل، وإن بشكل غير مباشر، اعتبارات استراتيجيّة وتكتيكيّة. فالمملكة تؤيّد بقوّة حقوق الفلسطينيّين. وانطلاقاً من تجربتي الشخصيّة، يمكنني أن أؤكّد أنّ الملك ملتزم بشكل كبير بالقضيّة الفلسطينيّة. وقد أدان، في اجتماع في باريس، وزير الخارجيّة الأميركيّة كولين باول لدعمه أرييل شارون في الانتفاضة الثانية، وكاد أن يتّهمه بالتواطؤ في جرائم الحرب آنذاك.

وتكتسب المسألة الفلسطينيّة أهميّة كبيرة بالنسبة إلى المواطنين السعوديّين. وقد كانت العامل الأكثر تأثيراً في العلاقة السعوديّة الأميركيّة منذ بدايتها في العام 1945 عندما قابل الرئيس فرانكلين روزفلت الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود في قناة السويس لإنشاء الشراكة الأميركيّة الأقدم مع دولة شرق أوسطيّة. وفي العام 1973، قطع الملك فيصل طبعاً صادرات النفط إلى الولايات المتّحدة بسبب الصراع العربيّ الإسرائيليّ، وكانت تلك المرحلة الأسوأ في تاريخ العلاقة بين البلدين. وقد أظهر التاريخ أنّ العلاقات الأميركيّة السعوديّة تتوطّد عندما يسعى الأميركيّون بشكل فاعل وناجح إلى تعزيز السلام بين إسرائيل والفلسطينيّين.

تكتيكيّاً، لا يثق السعوديّون بالإسرائيليّين في ما يتعلّق بكتمان الأسرار. فقد قال لي أمير سعوديّ مرّة إنّ الإسرائيليّين أشبه "بالنساء الرخيصات" اللواتي يعجزن عن التزام الصمت بشأن علاقاتهنّ الغراميّة. ويشكّ السعوديّون اليوم في أنّ اليمين الإسرائيليّ يروّج تقارير المؤامرة اليوم لتنغيص حياة الملك.

وأوضح الملك في الخطاب الذي ألقاه في الأول من آب/أغسطس أولويّته الرئيسيّة اليوم، ألا وهي مكافحة نموّ القاعدة وفروعها على حدود المملكة. ويشكّل إنشاء الدولة الإسلاميّة خلافة لها في العراق وسوريا تهديداً مباشراً لشرعيّة الملكيّة. فإذا كان هناك خليفة حقيقيّ، فهذا يعني أنّ الملك وآل سعود يستولون بطريقة غير شرعيّة على الحكم في مكّة والمدينة. وقد تمّ تعزيز القوّات السعوديّة على الحدود العراقيّة السعوديّة مع تقدّم الدولة الإسلاميّة هذا الصيف.

وفي الجنوب، هاجم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة نقطة أمنيّة على الحدود السعوديّة هذا الصيف، ولم يُهزم هذا التنظيم على الرغم من الجهود الهائلة التي يبذلها السعوديّون منذ ستّ سنوات. ويتزعزع الاستقرار في اليمن بالفعل، في ظلّ الوجود الخطر في جنوب اليمن لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيّة، وإحكام الثوّار الزيديّين الحوثيّين المؤيّدين لإيران سيطرتهم على شمال اليمن على الحدود السعوديّة. وقد اشتبك السعوديّين مع الحوثيّين في نزاعات حدوديّة كثيرة.

ويُعتبر الانقلاب في مصر التطوّر الأكثر إيجابيّة الذي رآه الملك في المنطقة منذ بداية الربيع العربيّ. وقد دعّم عبد الله بن عبد العزيز دوافع المملكة وراء إبقاء السيسي في الحكم، والتي تحدّد سياسته بشأن غزّة. أمّا بالنسبة إلى نتنياهو، فقد أوضح السفير السعوديّ في المملكة المتّحدة البريطانيّة سياسة المملكة عندما كتب أنّ نتنياهو "سيحاسَب على جرائمه أمام سلطة أعلى من السلطة هنا على الأرض".

  كلمات مفتاحية