استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

هكذا يتم إذلال الحكام العرب!

الثلاثاء 15 ديسمبر 2020 10:07 ص

هكذا يتم إذلال الحكام العرب!

يتم الإعلان عبر تغريدة بـ160 حرفا وينتهي الأمر إنها حالة غير مسبوقة من الهوان العربي.

إذلال أمريكي ممنهج يمارسه ترامب ضد الحكام العرب يأمرهم بالتطبيع مع إسرائيل فهم يتناحرون فيما بينهم لكنهم يتوددون للاحتلال..

يأتي الأمر الأمريكي باتصال هاتفي أو رسالة نصية وتسقط عواصم العرب واحدة تلو الأخرى بلا مفاوضات ولا اتفاقات ولا حفل توقيع!

*     *     *

مشهد العلاقة بين الحكام العرب وأمريكا اليوم يعيد إلى الأذهان الصورة البائسة التي رسمها ابن تيمية لدخول المغول إلى مدينة بغداد سنة 1258 ميلادية، حيث كانوا يمارسون عمليات «إذلال» ممنهجة ضد السكان، خاصة رموز الدولة العباسية التي كانت في طريقها للسقوط، وهو مشهد شبيه بعمليات «الإذلال» التي يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الحكام العرب في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض.

يروي ابن تيمية في كتابه «البداية والنهاية» الفظائع التي ارتكبها المغول بقيادة هولاكو خان يوم دخولهم عاصمة الدولة العباسية، ومن بين تلك الفظائع أن الجندي الغازي كان يرسم خطاً أو دائرة على التراب، فيأمر الجندي الأسير أن يبقى ضمن حدود الخط، من دون حراك حتى يعود اليه فيقتله..

كان الجنود المهزومون يعلمون أنهم يُساقون إلى الموت، لكنهم كانوا تحت سياط الخوف والرعب، يلتزمون بأوامر من رسم الخط، وفي نهاية المطاف كانوا يموتون تباعاً.. الموت هو ذاته لكن الجديد في هذا المشهد هو الإمعان في الإذلال.

مشهد إذلال شبيه يمارسه ترامب مع الحكام العرب، فقد أصبح واضحاً أنه لا يحترم حتى حلفاءه، أو الذين أغدقوا عليه من أموالهم وأموال شعوبهم المليارات، لا يكترث لكرامة أي منهم، والأمر الذي يُصدره لأي حاكم عربي لم يعد يحتاج أكثر من مكالمة هاتفية حتى يُصبح واجب النفاذ.

الإذلال الأمريكي للحكام العرب، الذين تقاطروا نحو التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كان واضحاً طيلة الأسابيع الماضية، وما خفي عن أعين الناس فضحته الصحافة العبرية، فالإعلان عن تطبيع العلاقات مع تل أبيب كان يتم عبر تغريدة من ترامب عبر تويتر لا تتجاوز 160 حرفاً، في حالة غير مسبوقة أصلاً في تاريخ العلاقات الدولية، فضلاً عن تاريخ الصراع العربي مع إسرائيل الذي يمتد لسبعة عقود ماضية.

اللافت أيضاً أن الحكام العرب كلما طأطأوا رؤوسهم، فاذا بترامب يتمادى في إذلالهم، فأول دولتين توصلتا لاتفاق تطبيع مع تل أبيب، جرى تنظيم احتفال لهما في البيت الأبيض، وإن كانت الفضيحة في أن إحدى هاتين الدولتين تبين أن وفدها لم يقرأ نص الاتفاقية التي سافر لتوقيعها في واشنطن، ومُنحوا نسخة منها قبل نصف ساعة فقط من موعد التوقيع!

بعد أول دولتين فإذا بالتوصل لاتفاق تطبيع مع إسرائيل لا يحتاج سوى لاتصال هاتفي من ترامب، ثم تغريدة على «تويتر» يُعلن فيها إسقاط عاصمة عربية جديدة في يد الإسرائيليين، واللافت أن ترامب وتل أبيب يعلنان قبل أن تُعلن هذه الدولة ذاتها، لا بل إن العرب يعرفون من تغريدات ترامب آخر تطورات العلاقة مع إسرائيل.

ما يقوم به ترامب ليس سوى عملية إذلال غير مسبوقة للحكام العرب، أصبح يستكثر على حلفائه حتى أن يحظوا بشرف الإعلان عما يقومون به، ويستكثر عليهم حفلاً في البيت الأبيض، ويستكثر عليهم أي صيغة من صيغ الاحترام.

عندما وقع الملك حسين اتفاق السلام مع اسرائيل كان يتعامل مع نفسه على أنه رئيس دولة لا موظفا يتلقى الأوامر، ولذلك فقد أمضى ثلاث سنوات من المفاوضات قبل أن يتوصل إلى اتفاق.

وكذا الأمر بالنسبة لياسر عرفات، الذي وقع اتفاقاً بعد ثلاث سنوات من المفاوضات متعددة المسارات، أما في عام 2000 فقد بقي 14 يوماً داخل منتجع «كامب ديفيد» من أجل دفعه للتوصل إلى اتفاق مع إيهود باراك، لكنه لم يوقع.. كان عرفات ثائراً حراً ولم يكن موظفاً ذليلاً.

أصبح المشهد في العالم العربي اليوم كبغداد يوم دخلها الغزاة، ثمة إذلال أمريكي ممنهج يمارسه ترامب ضد الحكام العرب، يأمرهم واحداً تلو الآخر بالتطبيع مع تل أبيب، وهم الذين يتناحرون في ما بينهم لكنهم يتوددون للاحتلال..

يأتي الأمر الأمريكي باتصال هاتفي أو رسالة نصية، وتسقط عواصم العرب واحدة تلو الأخرى، من دون مفاوضات ولا اتفاقات ولا حتى حفل توقيع، ومن دون بيان مشترك، وإنما يتم الإعلان عبر تغريدة بـ160 حرفاً، وينتهي الأمر. إنها حالة غير مسبوقة من الهوان العربي.

* محمد عايش كاتب صحفي فلسطيني

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

الحكام العرب، التطبيع، إسرائيل، ابن تيمية، المغول، سقوط بغداد، ترامب، رسالة نصية، ياسر عرفات، الملك حسين،