استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ما وراء القناعات: محاولة للتعريف والتصنيف

الجمعة 1 يناير 2021 05:15 م

ما وراء القناعات: محاولة للتعريف والتصنيف

القناعة خليطً في معظم الأحيان فيها عنصر تجريبي وآخر عقدي أو مصلحي.

أقصى ما نتمناه هو أن تقترب قناعاتنا من الحقيقة بما يكفي لتجعلنا أصدق وأقرب للصواب.

تتغير الخلطة حسب القناعة فيعلو صوت المنفعة على التجربة أو العقيدة على المنفعة حسب تغير الظرف ونضوج التجارب.

بعض الأفكار حين نتبناها نطلق عليها "قناعات" لا يعني هذا أنها تمثل حصرياً ما نقتنع لكنه دلالة على درجة رسوخ الفكرة ورفض المساومة عليها.

*     *     *

هناك صنف من الأفكار حين نتبناها نطلق عليها من باب التأكيد "قناعات"، لا يعني هذا أنها تمثل حصرياً ما نقتنع ولكنه دلالة على درجة رسوخ الفكرة ورفض المساومة عليها.

وبالمقابل يعطي المصطلح صورة التحول الحقيقي عند تغيير هذه القناعات، فلا يكون ذلك في إطار اقتناع بأفكار جديدة بل اقتلاع لقناعات راسخة.

وعدا عن أن هذا المصطلح كغيره هو تكييف بشري وتغليف مصطنع لأمر غير قابل للقياس إلا أنه يمكننا في معرض التجريد والتصنيف، اللذين يحبهما أهل الفكر والتنظير، تناول المصطلح من حيث منشأ القناعة لدى صاحبها.

وهذا التصنيف الذي نقدمه ليس بلا شك تصنيفاً منهجياً علمياً فالسياق هنا مقال صحفي وليس دراسة علمية، ولكنه محاولة لتقديم تصور نظري محدود للقناعة وأشكالها.

لعل أول أنواع القناعات التي ينبغي الوقوف عندها هي القناعات العقدية، ولا أعني هنا بالعقيدة تلك المرتبطة بالدين فحسب، بل كل عقيدة فكرية أو سياسية أو غير ذلك تمثل منظومة من الأفكار المترابطة يؤمن بها قطاع من البشر ويتعارفون بها.

فالليبرالية والماركسية كمنظومات تحمل في دواخلها ذات العناصر الاعتقادية الموجودة في أي دين، وبالتالي تتحول الأفكار المرتبطة بهذه المنظومات إلى قناعات عقدية، أبرز ما يميزها أنها تكون عصية على التجريب والاختبار!

فالقناعة العقدية تمثل إيماناً بالفكرة لا اقتناعاً بها فحسب، ويكون صاحبها منتمياً للفكرة ويخشى النكوص إن تخلى عنها أو شك بها، وبذلك نفهم ما يحدث في أذهان المنتمين لجماعات العنف مثلاً، رغم الواقع الذي يكذب قناعاتهم في كثير من الأحيان إلا أنهم يضحون بأرواحهم من أجل تلك القناعات ولا يقبلون أي نقاش حولها.

وصاحب القناعة السياسية مثل اليمين المتطرف مثلاً يبدو غير معني بأي معلومة تدحض قناعاته أو أثر سلبي لها فهو مدافع منافح عنها داعم لكل نظرية مؤامرة تخدمها، القناعة العقدية هي فرع من كل يتعامل معها صاحبها كصفحة من كتاب عقيدته وحسب.

النوع الثاني من القناعات الذي نعرفه هنا هو القناعة النفعية، وهي أفكار تجلب لصاحبها منافع مباشرة، وبالتالي لا يحتاج صاحبها إلى تأكيد صحتها أو صوابها، مثل ذلك ميل الطبقة الغنية في المجتمع للوم الفقراء على فقرهم باعتباره نتيجة لكسل ورفض للمساهمة في عجلة الاقتصاد!

هذه القناعة تبناها قطاع غير بسيط في النخبة الغربية في فترة الازدهار ما بين الحربين، وهي تحقق منفعة لهذه الفئة من حيث تعزيز موقفهم الأخلاقي في المجتمع وتقليل الحاجة إلى المساهمة في إخراج الفقراء من دائرة الفقر.

على النقيض تجد أفكار اليسار موطناً لها في المجتمعات الأكثر فقراً ذلك أنها ترسخ قناعات مرتبطة بلوم الأغنياء والرأسماليين على مشاكل المجتمع وتدعم التفوق الأخلاقي للفقراء، هذه القناعة النفعية لا تكون بالضرورة نتيجة اقتناع بالفكرة ذاتها بل طلباً للاستفادة من نتاجها في معركة الحياة.

وأخيراً تتشكل لدينا قناعات تجريبية، وهي التي تترسخ نتيجة التجربة والخطأ، كلما تزايدت تجاربنا يعاد تشكيلها أو تترسخ أكثر حتى تتكلس بشكل يصعب معها زحزحتها حتى لو تغيرت الظروف التي اكتسبنا فيها هذه القناعات.

فأهل العلم يكتسبونها بالدراسة والنقاش والتحليل، وأهل السوق يكتسبونها بلذة الربح وألم الخسارة، وأهل السياسة يكتسبونها من خلال نجاح السياسات وفشل التطبيق، هذه القناعات هي الأمثل من حيث تشكلها.

لكن ذلك لا يحصنها من القصور البشري، فتجاربنا مهما اتسعت محدودة الظرف والزمان، ونجاحاتنا وإخفاقاتنا ليست مقياساً فيزيائياً ثابتاً، لذلك يجب أن نترك الباب مفتوحاً دائماً أمام اختبار جديد لكل قناعة تجريبية اكتسبناها.

قناعاتنا تشكل بطاقة تعريفية نشق فيها طريقنا في هذا العالم، ورغم التصنيف أعلاه، والذي نقدمه كما قلنا في إطار تجريدي تبسيطي، إلا أن القناعة تكون خليطاً منها جميعاً في معظم الأحيان، ففيها عنصر تجريبي وآخر عقدي أو مصلحي.

تتغير الخلطة حسب القناعة فتارة يعلو صوت المنفعة على التجربة أو العقيدة على المنفعة حسب تغير الظرف ونضوج التجارب، أقصى ما نتمناه هو أن تقترب قناعاتنا من الحقيقة بما يكفي لتجعلنا أصدق وأقرب للصواب.

* د. ماجد محمد الأنصاري أستاذ الاجتماع السياسي المساعد، جامعة قطر.

المصدر | الشرق

  كلمات مفتاحية

القناعة، الغرب، الأخلاق، الأفكار، الحقيقة، العقدية، النفعية، التجريبية،