غزة ومصر: حماس تعزز مكانتها السياسية ومصر قد تستعيد بعض حضورها الإقليمي

الأحد 10 أغسطس 2014 07:08 ص

عرض: إسلام السكران، الخليج الجديد

قال الكاتب اللبناني بول سالم، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إن مصر اليوم في موقع لا تحسد عليه في مهمتها للوساطة بين المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل" من أجل إبرام تهدئة تنهي الحرب الدائرة بين الطرفين. 

وأكّد سالم، في مقالٍ له نشرته جريدة «الحياة» اللندنية، أن هذا يرجع بشكل أساسي إلى تناقض مطالب الجانبين وكونها عصية على إيجاد حل وسط وترتيبات أمنية ترضي كلاًّ من فصائل المقاومة الفلسطينية والحكومة "الإسرائيلية".

وأضاف سالم أن تأثير الحرب على غزة سيكون أبعد من القتل والدمار الذي خلّفته في القطاع، وإنما سيمتد إلى ديناميكية العلاقات الإقليمية. وأوضح أن مصر إذا ما نجحت في تثبيت وقف إطلاق النار المؤقت، الذي يعلن بين الحين والآخر، إلى تسوية وهدنة دائمة ستكون قد حققت إنجازًا سياسيًّا وأمنيًّا وفتحت لنفسها باب العودة إلى ساحة النفوذ الإقليمي، خاصة بعد فشل المحاولات التركية والقطرية مع تعنت "إسرائيل" على دورهما كوسطاء بينها وبين المقاومة الفلسطينية.

هذه الحرب، بحسب الكاتب، تختلف عن سابقاتها التي خاضتها المقاومة الفلسطينية في غزة صدًّا للعدوان "الإسرائيلي"؛ إذ تأتي في سياقٍ إقليميّ ودولي مختلف. 

وفسر ذلك بقوله «في عام ٢٠٠٩ كانت حماس والجهاد وفصائل المقاومة يخوضون الحرب مع حلف إقليمي قوي يضم إيران وسوريا وحزب الله اللبناني وقطر وتركيا. كذلك في عام ٢٠١٢، وإن كانت حماس خسرت الدعم الإيراني والسوري ودعم حزب الله بعد تأييدها للثورة السورية، فإن حركة الإخوان المسلمين، الحركة الأم، قد تسلّمت السلطة في مصر مما سهّل دعمًا سياسيًّا وإغاثيًّا للقطاع. أما هذه الحرب الجارية فإن حماس تعيش حالة عزلة سياسية لم تشهدها من قبل، بعد الانقلاب العسكري في مصر، والاضطرابات السياسية في تركيا التي كان على أردوغان مواجهتها، وتنازل أمير قطر حمد بن خليفة عن الحكم لابنه وتعرض قطر بسبب سياسياتها الإقليمية لضغوط من دول مجلس التعاون الخليجي انتهت بسحب السفراء من قطر؛ كل هذه العزلة التي عاشتها حماس أوصلتها إلى العجز عن دفع رواتب موظفي القطاع»، حسب تقديره.

وأشار إلى أن هذا العجز بسبب الحصار أدّى بحماس إلى التفكير في الاستثمار في المجال العسكري لكسر الحصار والخروج من العزلة، مستفيدة من تجربة حزب الله في حرب تموّز ٢٠٠٦، مؤكّدًا أن صواريخ القسام طالت نطاقًا أوسع من نطاق صواريخ حزب الله وخلقت اضطرابات واسعة وقلقًا أمنيًا في "إسرائيل", ما أدى إلى إغلاق مطار بن غوريون الدولي. 

وأكّد سالم أنه عند انتهاء هذه الحرب فإن حماس قد تعزز من مكانتها على الساحة السياسية، تمامًا كما حدث مع حزب الله اللبناني مع نهاية حرب تموّز ٢٠٠٦.

هذا وقد عزا سالم فشلَ المحاولة القطرية - التركية للعب دور الوساطة بين المقاومة و"إسرائيل" إلى افتقاد كلاًّ منهما لميزة الموقع الجغرافي المحيط بقطاع غزة كما في الحالة المصرية، وكذلك لافتقادهما المصداقية عن الدولتين المجاورتين للقطاع، "إسرائيل" ومصر ما بعد الانقلاب العسكري.

إلا أن سالم نبّه إلى أن مصر، وإن كانت قد عادت لدورها الإقليمي شيئًا ما، فإنها تفتقد إلى الأدوات السياسية والدبلوماسية المطلوبة لحل الأزمة وإبرام التهدئة، تلك التي توفّرت للأنظمة السابقة، حين امتلك نظام مبارك علاقات استخباراتية قوية مع حماس من خلال اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات العامة المصرية، خلال حرب ٢٠٠٩، وكذلك حين كان نظام الرئيس محمد مرسي يمتلك علاقات قوية جدًا مع حماس بحكم وحدة الخلفية الأيديولوجية؛ خلال حرب ٢٠١٢. 

وأشار الكاتب إلى أن مصر السيسي ترى حماس اليوم منظمة إرهابية، «فهل من الممكن حينئذ أن تلعب دور الوساطة بين المقاومة و"إسرائيل"؟».

وأكّد الكاتب أن دور الوساطة المصرية هو فرصة جيدة لمصر لأنْ تستعيد دورها الإقليمي من جانب، وكذلك فإن إيجاد حل لأزمة الحصار في غزة لن يفيد فقط في مهمة إغاثة سكان القطاع وإعادة إعماره، وإتما سيعزز كذلك من فرص الاستقرار والأمن في سيناء.

وعن حل معضلة تناقض مطالب المقاومة و"إسرائيل"، أشار سالم إلى أن الحل الوحيد قد يكون بالتعويل على حكومة الوحدة الوطنية التي تشكلت مؤخرًا بعد المصالحة بين فتح وحماس؛ ومن ثم عودة السطلة الفلسطينية إلى غزة وإيجاد صيغة شراكة بينها وبين مصر للإشراف على رفع الحصار مع مشاركة وضمانات دولية. مؤكدًا أن هذا قد يرضي حماس لنجاحها حينئذ في رفع الحصار عن القطاع، ويرضي أيضًا مصر إذ تلعب دورها الإقليمي المعهود في بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية ولاستعادتها الأمن والاستقرار في سيناء والمناطق الحدودية. وحينئذ تصبح مصر البوابة التي تجتازها دول الخليج للعمل على إعادة إعمار قطاع غزة تحت إشراف حكومة الوحدة. 

ونبّه سالم إلى أن من الحكمة حينئذ ومن مصلحة النظام المصري أن يمنح تركيا وقطر أدوارًا للمشاركة لتكسبهما أصدقاءً لا خصومًا.

إلا أن الكاتب اللبناني عاد واعترف فيه نهاية مقاله بخيالية الطرح وأن الشروط "الإسرائيلية" تمثل عقبة في طريق التسوية، وكذلك فإن تدنّي مستوى الثقة بين غزة والقاهرة لا يبشر بخير. وأكّد أن الشك يحيط بمدى قدرة ورغبة النظام المصري في لعب دور الوساطة بجدية.

وفي ختام مقاله، أشار سالم إلى أنه في حال فشل الوساطة المصرية، فإن إيران هي المستفيد الأكبر؛ إذ إن فشل الجهود العربية والمصرية لن يترك أمام حماس إلا الخيار العسكري والذي تلعب إيران وحزب الله اللبناني الدور الأبرز في دعمه ومساندته إقليميًا. وبهذا فإن إيران تكون قد أعادت بناء نفوذها على الحدود المصرية وأعادت كذلك ترميم "جبهة الممانعة" التي خسرت الكثير من المصداقية في السنوات الثلاث الأخيرة بعد اندلاع الثورة السورية، حسب رأي الكاتب.

  كلمات مفتاحية