استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مصير مديونيات حزم التحفيز العالمية

الخميس 14 يناير 2021 10:40 ص

مصير مديونيات حزم التحفيز العالمية

النقود ليست سلعا بل أدوات تداول وسيطة محل السلع والخدمات محط الطلب الكلي أي مجرد مقياس لقيمة السلع.

يجب التفكير ألف مرة قبل الاقتراض لأن ذلك يعني أن دفعها سيؤدي لـ«قضم مستحقات» الجيل الحالي وتوريثها للأجيال المقبلة.

حزم التحفيز والإنفاق المالي ستستمر بالمدى المنظور لأن الاستغناء عنها يفترض استعادة التوازن المالي المختل عبر سداد كامل قيمتها من الناتج المحلي.

لم توقف البنوك المركزية التيسير الكمي: سياسة نقدية يشتري بموجبها البنك المركزي سندات حكومية أو أصول مالية لضخ سيولة تحفز الاقتصاد.

*     *     *

مضى أكثر من عقد على اندلاع الأزمة المالية العالمية، ومع ذلك ما زالت البنوك المركزية: الأمريكية والأوروبية واليابانية، غير قادرة على التخلص مما أسموه سياسات «التيسير الكمي».

في مقال سابق توقفنا عند السؤال عما إذا كانت حزم التحفيز/الإنفاق المالي، ستبقى رياضياً بلا نهاية (Infinity)، وكان تقديرنا أنها ستبقى كذلك في المدى المنظور، على الأقل. ذلك لأن الاستغناء عنها يفترض استعادة التوازن المالي المختل بصورة فادحة عبر سداد كامل قيمتها من فائض أو أصل إجمالي الناتج المحلي السنوي.

وأشرنا إلى أن هذا سيتطلب سنوات، إذا ما قُدر للدورة الاقتصادية العالمية (وترتيباً دورات الاقتصادات الوطنية، بحسبان الرابطة المتينة بين حالة الاقتصاد العالمي والاقتصادات الوطنية) أن تنتظم بصورة طبيعية من دون أن تعترضها مطبات هنا أو هناك.

ولأن هذه الديون (الناتجة عن الإصدارات المتوالية لحزم الإنفاق)، تُنسب إلى إجمالي الناتج المحلي، فهذا يعني أنه سيتعين على الدولة المصدِرة لها، المدينة بها في هذه الحالة، سدادها من إجمالي ما ستُنتجه من سلع وخدمات في السنوات القادمة.

وهي ديون مستحقة الدفع، ولا يمكن شطبها محاسبياً، ما لم تُسوّ اقتصادياً، لأنها أُصدرت على وعد بسداد قيمتها من سلع وخدمات سيتم إنتاجها مستقبلاً. فالنقود في نهاية المطاف، ليست سلعاً، وإنما هي أدوات تداول وسيطة محل السلع والخدمات محط الطلب الكلي؛ أي أنها مجرد مقياس لقيمة السلع وحسب.

وهذا، يعني، بكل بساطة، أنه يجب التفكير ألف مرة قبل الاقتراض؛ لأن ذلك يعني أن دفعها سيترتب عليه «القضم من مستحقات» الجيل الحالي وتوريثها للأجيال المقبلة.

كما نعلم، فإن هذه الحُزم المالية التي أصدرتها حكومات بلدان العالم، المتقدمة والنامية على حد سواء، لأغراض الإنفاق التحفيزي للاقتصادات القومية لمقاومة «هجمة» فيروس كوفيد-19، جاءت بالنسبة للدول المتقدمة، خصوصاً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، في صورة طباعة نقود من دون أن يكون لها رصيد ذهبي أو رصيد نقدي أجنبي له قدرة شرائية في البلد المصدرة له.

فضلاً  بطبيعة الحال  عن وجود رصيد اقتصادي، سلعي، إنتاجي وخدماتي وقت إصدارها (على أمل تسديدها من فائض أو أصل إنتاج إجمالي الناتج المحلي السنوي في المستقبل، تعويلاً على الانتظام الطبيعي المستدام نسبياً، للدورة الاقتصادية الصعودية).

أما الدول النامية فقد أصدرت هذه الحُزم في صورة قروض محلية وخارجية واجبة السداد في مواعيد استحقاقها (لأن عملاتها محض محلية لا تتوفر على نفس الميزة التي تتوفر عليها عملات عالمية محدودة، مثل الدولار واليورو، والتي تتيح للسلطات النقدية الوطنية المصدِرة لها، استخدام نفس آلية التمويل بالعجز (أي توليد أموال لتمويل العجز الناتج عن زيادة الإنفاق على الإيرادات، حيث تتم تغطية هذه الفجوة بالاقتراض من الجمهور ببيع السندات أو بطباعة نقود جديدة)، الخاصة بطباعة النقد من دون رصيد.

كما يفعل، على سبيل المثال لا الحصر، مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؛ لأن مثل هذا الإجراء بحاجة إلى ثقة عالمية راسخة في العملة كأداة دفع، وتداول، ومقاصة، واحتياط، واكتناز، إضافة إلى وظيفتها الأساسية كمقياس للقيمة.

وهي مزايا يختص بها الدولار الأمريكي. ولذا ما إن تتبخر هذه الثقة، حتى ولو بصورة متدرجة غير محسوسة، فإن التضخم النقدي المفرط في الاقتصاد الأمريكي، سيعلن عن نفسه في الحين.

لقد مضى أكثر من عقد على اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، ومع ذلك لازال مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان المركزي، غير قادر على التخلص مما أسموه سياسات «التيسير الكمي».

وهي سياسة نقدية يشتري بموجبها البنك المركزي على نطاق واسع، السندات الحكومية أو الأصول المالية الأخرى من أجل ضخ الأموال في الاقتصاد لتحفيز النشاط الاقتصادي.

فبعد توقف لبضعة أشهر، استأنفت البنوك المركزية الكبرى (الاحتياطي الفيدرالي الأمريكية والمركزي الأوروبي وبنك اليابان المركزي)، منذ مطلع عام 2020، «طباعة» الأموال مرة أخرى في محاولة لدعم اقتصاداتها.

البنك المركزي الأوروبي فعل ذلك قبل نهاية عام 2019، كما أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يدير برنامجاً جديداً لشراء الأصول، يضخ بموجبه 60 مليار دولار أمريكي شهرياً في الاقتصاد منذ سبتمبر 2020.

أما بنك اليابان فلم ينقطع عن هذه السياسة التي ظل يتبعها بشكل شبه مستمر طوال العقد الماضي.

الآن، في ما خص احتمالية لا نهائية الاستدانة من خلال استمراء إصدار حزم الإنفاق والتحفيز المالية، فلعل من الأهمية بمكان، إعارة هذا الموضوع الخطر أولية قصوى، من خلال المسارعة، بعد انقشاع فيروس كوفيد-19، لعقد مؤتمر دولي مكرس لمناقشة أزمة المديونية العالمية المتراكمة على شكل قنبلة موقوتة.

مؤتمر تتمثل فيه جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومؤسسة التمويل الدولية، ونادي باريس للدول الدائنة، ونادي لندن للبنوك والمؤسسات المالية الدولية الدائنة، وذلك لمناقشة:

1. شطب جزء من هذه الديون؛ لأنها أصبحت في حكم التضخم المفرط.

(حالة من التضخم يسببها ارتفاع أسعار السلع والخدمات بأكثر من 50% شهرياً. بمعنى أن سعر سلعة ما، يمكن أن يتغير في فترة ما بعد الظهر عما كان عليه في الصباح. وهذه الزيادات المتوالية في الأسعار هي التي تميز التضخم المفرط عن التضخم الاعتيادي).

والذي يُحيل عملات الدول المبتلاة به إلى أوراق لا قيمة لها، ليصبح بديلها «ظاهرة الدولرة». ويجب أن يتم إلزام الدول والبنوك الدائنة بقرارات المؤتمر.

2. جدولة سداد هذه الديون بمواعيد محددة وملزِمة لكافة الدول.

3. وضع سقوف محددة للاقتراض لمنع حكومات الدول من استغلال وضعها السيادي في الإفراط في الاستدانة وإدمانها.

* د. محمد الصياد كاتب اقتصادي بحريني

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

مديونيات، الإنفاق، حزم التحفيز، الاقتصاد، البنوك المركزية، شطب الديون، التضخم المفرط، الدولرة، التيسير الكمي،