استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

لو لم يوجد ترامب.. لأوجدناه

الثلاثاء 19 يناير 2021 10:25 ص

لو لم يوجد ترامب.. لأوجدناه

ترامب لا يمثل مرضا بحد ذاته بل هو العرض لما تعرفه أمريكا منذ عقود طويلة.

أحداث 6 يناير أكثر خطورة من بيرل هاربر و11 سبتمبر لأنها صنعت بالكامل في أمريكا وهي أزمة أمريكية بامتياز تعبر عما وصل إليه الاستقطاب السياسي.

أحدث ترامب ثورة سياسية بمعايير أمريكا وأثار حماس الملايين ودفعهم للمشاركة السياسية بصورة غير مسبوقة ولن تنتهى الترامبية بهزيمته وخروجه من البيت الأبيض.

في 2016 وصل ترامب للبيت الأبيض بسبب انقسام أمريكا وتزايد الغضب بين الملايين وها هو يغادر الساحة السياسية بعد 4 سنوات تاركا أمريكا أكثر انقساما وغضبا.

*     *     *

استمعت لخطاب الرئيس دونالد ترامب، الذى سبق عملية اقتحام الكونغرس في مبنى الكابيتول، وسط أتباع الرئيس ومناصريه الذين احتشدوا بالآلاف تلبية لدعوته. وبعد انتهاء الخطاب، غادر ترامب عائدا للبيت الأبيض، وعدت أنا إلى منزلى الذى يبعد 8 كيلومترات عن البيت الأبيض.

وبمجرد وصولى المنزل انهالت الرسائل الصحفية والتنبيهات التى تشير لاقتحام المئات من أنصار ترامب لمبنى الكونجرس أثناء انشغال أعضائه بالتصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية والتى فاز فيها المرشح الديمقراطى جو بايدن.

ذُهلت كما ذهل الأمريكيون مما شاهدناه يحدث فى 6 يناير. وأتصور أن التاريخ الأمريكى عرف حدثين بنفس القوة لكنهما لم يكونا بنفس الخطورة على الدولة الأمريكية الحديثة.

فى السابع من ديسمبر عام 1941، أغار الأسطول الجوى اليابانى على الأسطول البحرى الأمريكى فى المحيط الهادئ، وتحديدا فى بيرل هاربر بجزيرة هاواى، ونتج عن ذلك إعلان الحرب على اليابان ودخول واشنطن الحرب العالمية الثانية.

وبعد ستين عاما وفى الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، اختطف مجموعة من الإرهابيين أربع طائرات، وأسقطوا بهم برجى التجارة العالميين فى قلب مدينة نيويورك ومبنى البنتاغون، وأعلنت واشنطن بدء حربها العالمية ضد الإرهاب والذى غزت معه أفغانستان والعراق ولم تنسحب منهما بصورة كاملة بعد.

وفى الحالتين أصبحت أمريكا قبل الحدث تختلف تماما عن أمريكا بعد الحدث، وأتصور أن السادس من يناير 2021 سيكون بأهمية الحادثتين السابقتين، وأن أمريكا قبل 6 يناير ستختلف عن أمريكا بعد 6 يناير.

وتعد حادثة اقتحام الكونغرس أكثر خطورة من حادثة تدمير الأسطول فى بيرل هاربر أو حوادث 11 سبتمبر رغم مقتل خمسة أشخاص فقط، فى حين قتل ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص فى الحادثتين السابقتين.

وتعد أحداث 6 يناير أكثر خطورة؛ لأنها صنعت وبالكامل فى أمريكا، وهى أزمة أمريكية بامتياز تعبر عما وصل إليه حجم الاستقطاب، فى وقت يؤكد على فشل كثير من دول العالم من حيث التقدم التكنولوجى فى الاستعداد لتبعات توغل التكنولوجيا فى الحياة العامة.

*     *     *

أثناء وقبل خطاب ترامب تحدثت مع الكثير من أنصاره الذين يؤمنون بما يقوله لهم من أن الانتخابات سُرقت منه وتم تزويرها لصالح جو بايدن.

وفسر الكثير منهم سبب الولاء المطلق لدونالد ترامب، ويرون أن هناك تآمرا مستمرا ضد ترامب بدأ حتى من قبل وصوله للحكم. وقال لى أحد أعضاء جماعة براود بويز اليمينية «لقد تآمرت المؤسسات السياسية الأمريكية ضد ترامب، ولا تزال تتآمر بهدف منع انتخابه عام 2020، بعدما فشلت فى منع وصوله للبيت الأبيض عام 2016».

لكن أهم ما سمعته فى هذا اليوم جاء على لسان رجل ارتدى ملابس شبه عسكرية، إذ قال «لو لم يوجد ترامب.. لأوجدناه».

*     *     *

بعيدا عما يفكر فى فعله الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بعد مغادرته البيت الأبيض فى 20 يناير، لن يختفى تأثيره سريعا، إذ فاز بأصوات أكثر من 74 مليون أمريكى، بزيادة تقدر بـ11 مليون صوت عما حققه فى انتخابات 2016!

وذلك على الرغم من تعرضه لتحقيقات حول التدخل الروسى استمرت عامين، وتحقيقات بهدف عزله استمرت لنصف العام، وجائحة غير مسبوقة نتج عنها وفاة ما يقرب من 400 ألف أمريكى، وإصابة 23 مليون آخرين حتى موعد كتابة هذا المقال.

لكن بعيدا عن التأثير الواسع لترامب على الحياة السياسية الأمريكية وعلى الحزب الجمهورى تحديدا، حرى بنا التذكير أن ترامب لا يمثل مرضا بحد ذاته، بل هو العرض لما تعرفه أمريكا منذ عقود طويلة.

فقد عرفت الولايات المتحدة تيارات شعبوية منذ تأسيسها فى نهايات القرن 18. ومثّل العام 2008 نقطة تحول هيكلية فى تركيبة الحزب الجمهورى، فقد خرجت إرهاصات التيار اليمينى عمليا وبقوة وتشكلت منذ عام 2008، الذى شهد حدثين تاريخيين، أولهما الأزمة الاقتصادية الكبيرة، وثانيها وصول رئيس أسود للبيت الأبيض.

ودفعت هذه التطورات فى ضخ دماء جديدة فكرية وتنظيمية، وهو ما سهل من وصول التيار الشعبوى، الذى نجح ترامب فى امتطاء قيادته.

ويضم الحزب الجمهورى منذ ستينيات القرن الماضى تيارات فكرية متنوعة، تبلورت بوضوح مع إقرار قوانين الحقوق المدنية، التى منحت حقوقا مساوية للسود.

وعلى رأس تلك التيارات يأتى المحافظون الاقتصاديون (فيما يتعلق بالضرائب وقطاع الأعمال)، والمحافظون الاجتماعيون (ممن يؤيدون وبشدة شكل العائلة التقليدى ويعادون الإجهاض)، والمحافظون الجدد (ممن يدفعون لاستخدام القوة والحروب الخارجية)، وضم كذلك المعارضين لدور متضخم للحكومة الفيدرالية.

وتاريخيا تبنى الحزب الجمهورى أفكارا وقيما تقليدية محافظة سواء الاجتماعى منها، أو ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية، فى الوقت الذى تبنى فيه سياسة خارجية تدعم التدخل فى الشئون العالمية، ولا تمانع من استخدام القوة والسلاح لخدمة المصالح الأمريكية.

واحتفظ الجمهوريون الوسطيون المرتبطون بالمؤسسات الحزبية ببوصلة الحزب، التى ترأسها خبراء كثيرون كيمين للوسط منذ ستينيات القرن الماضى.

*     *     *

ودفعت نتائج تصويت أعضاء مجلسى الشيوخ والنواب فى التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، حتى بعد اقتحام الكونغرس، لتذكير الأمريكيين أن الطريق مازال طويلا أمام إنهاء الاستقطاب السياسى فى وقت يضغط فيه تيار يمينى على مؤسسات الحزب الجمهورى التقليدية، وهو ما يقابله ضغط متزايد من التيار اليسارى داخل الحزب الديمقراطى.

لقد نجح دونالد ترامب فى إحداث ثورة بالمعايير السياسية الأمريكية، ونجح فى إثارة حماس ملايين المواطنين ودفعهم للمشاركة السياسية بصورة غير مسبوقة، ولا أتوقع أن تنتهى الترامبية حتى مع هزيمة ترامب وخروجه من البيت الأبيض بعد أيام.

قبل 4 سنوات فاز ترامب ووصل للبيت الأبيض؛ بسبب انقسام أمريكا، وتزايد الغضب بين ملايين الأمريكيين، وها هو ترامب يغادر الساحة السياسية بعد 4 سنوات، ويترك أمريكا أعمق انقساما وأكثر غضبا.

* محمد المنشاوي كاتب وباحث في الشؤون الأمريكية من واشنطن

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة، ترامب، ثورة، المشاركة السياسية، الترامبية، انقسام أمريكا، الاستقطاب السياسي، الانتخابات الرئاسية، اقتحام الكونغرس، الشعبوي،