استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

العودة لعصر الإعلام العمومي

الخميس 21 يناير 2021 10:57 ص

العودة لعصر الإعلام العمومي

زعامات سياسية جديدة وجدت بديلا في مواقع التواصل الاجتماعي واستطاعت تهميش الإعلام التقليدي ومؤسسات صنع الرأي والقرار بالعصر الليبرالي.

لم يكن ترامب ولا نظيره البرازيلي يترددان في مهاجمة الإعلام التقليدي ونعته بـ«أخبار زائفة» وكانت أغلب القرارات الحاسمة أميركيا تعلن عبر تويتر.

ثغرة كبرى في بمواقع التواصل تتمثل بإلغاء المسؤولية القانونية المترتبة على تقنية نقل مضامين رسائل إلكترونية متبادلة عبر مواقع التبادل الاجتماعي.

*     *     *

في الوقت الذي عطلت أهم مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك ويوتيوب) حسابات الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، رداً على الأحداث الاحتجاجية التي شهدها الكابيتول هيل واقتحام الكونغرس الأميركي في واشنطن، غادر عشرات الملايين من المشتركين في تطبيق «واتساب» إثر إعلانه تقاسم معلومات ومعطيات مشتركيه مع موقع الفيسبوك.

في الحالتين، نحن أمام أول أزمة عميقة تعرفها مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت طفرة استثنائية في السنوات العشر الأخيرة. بدأت مؤشرات هذه الأزمة مع الأحكام القضائية المتكررة التي طالت في الولايات المتحدة وأوروبا أهم هذه المواقع وهو الفيسبوك الذي اقتنى بثمن باهظ تطبيقي واتساب وإنستغرام، ومع سعي العديد من دول العالم الأخرى، في مقدمتها الصين وروسيا، إلى إنشاء تطبيقات منافسة تكْسر هيمنة التقنيات الغربية.

بيد أن الجدل الحقيقي بدأ منذ أربع سنوات، عندما اتهمت مواقع التواصل الاجتماعي بالتدخل غير المشروع في المسارات الانتخابية، وربط بينها وموجة الشعبوية الجديدة التي شهدتها عدد من الديمقراطيات الغربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وهنغاريا والبرازيل.

ولقد بدا من الواضح أن الزعامات السياسية الجديدة وجدت البديل في مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً تويتر، واستطاعت تطويق ومحاصرة الإعلام التقليدي ومؤسسات صنع الرأي والقرار، التي هي من آثار العصر الليبرالي الكلاسيكي.

لم يكن الرئيس ترامب ولا نظيره البرازيلي بورسلانو يترددان في الهجوم على الإعلام التقليدي والسخرية من «أخباره الزائفة»، وكانت أغلب القرارات الحاسمة في الولايات المتحدة تتخذ من منصة تويتر.

لقد نبّه الكثير من القانونيين إلى الثغرة الكبرى في مواقع التواصل، متمثلةً في إلغاء المسؤولية القانونية المترتبة على تقنية نقل مضامين الرسائل الإلكترونية المتبادلة في مواقع التبادل الاجتماعي، بحيث يكون موفّر الخدمة خارج دائرة الاتهام، بما سمح بأخطر أشكال التجاوزات من عنف لفظي وتحريض على الكراهية ونشر الإشاعات المغرضة الكاذبة..

إلا أن التشريعات الدولية ذهبت إجمالاً في اتجاه حصر الرقابة القانونية في الخطابات الموقَّعة، التي هي الجانب المحدود في السيلان الافتراضي.

ومع أن بعض التحليلات اعتبرت أن فضاءات التواصل الاجتماعي الجديدة هي الشكل الراهن من الإعلام العمومي الحر، فإنها في الحقيقة تتميز عن الإعلام التقليدي في نقطتين محوريتين:

التعبئة الانفعالية العاطفية كشكل من أشكال التعبير العفوي التلقائي، مقابل أخلاقيات ترويض المشاعر بالعقل النقدي الاستقصائي التي هي أساس الصحافة الليبرالية، والانعزالية المتجاورة (المجموعات التواصلية المغلقة) بديلاً عن الإعلام العمومي المفتوح.

إن النتيجة الأساسية لهذا المنعرج في تقنيات الاتصال الرقمية، هي ما أطلق عليه الفيلسوف الإيطالي «موريزو فراري» عبارة «الواقعاتية» الجديدة التي هي أثر لانسحاب الواقع المشترك الموضوعي في حضارة الصورة الجديدة. وتبرز هذه الظاهرة في ثلاثة تجليات:

- تجاور الأحداث والوقائع من كل نوع دون تمييز ولا تناسب، حيث يتعايش الحقيقي مع المتخيل والافتراضي مع العيني والمؤكد مع الزائف.. فتضيع الحقيقة من حيث هي مفهوم وتصور.

- المسار التمثيلي المسرحي للفعل العمومي، حيث تتحول الممارسة السياسية إلى نمط من الرواية السردية ويتحول الزعماء وقادة الرأي إلى ممثلين في مسلسل مصور متصل.

- مسار رؤية الوقائع، أي تحولها إلى نمط من الأحلام بحيث تصبح الأحداث مشاهد من مرائي النوم فتضيع المسافة بين الحلم والواقع.

ويرجع «فراري» هذه التحولات إلى الأفكار التفكيكية التي هيمنت على فلسفات ما بعد الحداثة في النصف الثاني من القرن العشرين، في نقدها للموضوعية العلمية وللحقيقة الواقعية، ومقاربتها للمعرفة من حيث هي سلطة وتحكم وهيمنة.

ما يشير إليه فراري هو ما نلمسه بجلاء من قطيعة ما بين الفكر الليبرالي وأسسه الإبستمولوجية النظرية، بعد أن أصبحت الممارسة السياسية مجرد تقنية ناجعة للحكم، وفقدت المؤسسات التمثيلية قدرتها على التعبير عن الرأي العام، وأصبح الإعلام مجرد أداة لإنتاج «التواطؤ القائم» حسب عبارة تشومسكي.

ومن هنا ندرك أن النزعات الشعبوية الجديدة عكست هذه الأزمة المعرفية المجتمعية العميقة، بحيث يمكن القول إن المشكل الحقيقي لا يكمن في تقنيات الاتصال ذاتها، وإنما في نمط ضبطها وتسييرها القانوني والمعياري.

ومن الواضح أن الاتجاه الذي بدأ في الآونة الأخيرة هو السعي إلى وضع الضوابط والنظم التي تكفل الاستفادة من الإمكانات التعبيرية والنقاشية الهائلة التي تسمح بها هذه التقنيات؛ حتى لا تكون معولاً لهدم المكاسب الليبرالية الحديثة.

* د. السيد ولد اباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

  كلمات مفتاحية

الإعلام العمومي، مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر، فيسبوك، يوتيوب، ترامب، اقتحام الكونغرس، الأفكار التفكيكية، الشعبوية، الأزمة المعرفية،