فهم العلاقة الإماراتية اليونانية

الأربعاء 3 فبراير 2021 02:06 ص

في منتصف يناير/كانون الثاني، أفادت الصحافة أن الإمارات ستشارك قريبا في مناورة عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة وكندا وسلوفاكيا وإسبانيا وقبرص وإسرائيل. وفي حين أن إدراج إسرائيل يستحق النشر الإخباري بالتأكيد، إلا أنه من المهم أيضا النظر إلى مشاركة اليونان في التدريبات والتنسيق. وهذه ليست سوى أحدث خطوة في عملية طويلة من التعاون بين أثينا وأبوظبي.

وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، استقبل الزعيم الفعلي لدولة الإمارات، ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، رئيس الوزراء اليوناني "كيرياكوس ميتسوتاكيس" في زيارة تاريخية استغرقت يومين. وأبرم الطرفان اتفاقية "شراكة استراتيجية" لم توقع اليونان مثلها منذ عقود. وأسست الشراكة الاستراتيجية الشاملة تعاونا في الدفاع والسياسة الخارجية، بينما تطرقت أيضا إلى التعاون السياسي والتجارة والتنمية والسياحة والطاقة والثقافة والأغذية والزراعة والخدمات الرقمية والحكومية.

وتعزز الاتفاقية الشراكة المتنامية بين أبوظبي وأثينا، ولكنها تعني أيضا أن أوروبا أصبحت متورطة بشكل متزايد في الخصومات الخليجية والصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. وفي الواقع، يتعلق أبرز بنود الشراكة بالسياسة الخارجية والدفاع، التي تبدو مرتبطة بشكل مباشر بتعزيز التعاون الإماراتي اليوناني ضد خصمهما المشترك، تركيا "رجب طيب أردوغان".

ويعد هذا الرابط الجيوسياسي بين البحر الأبيض المتوسط ​​والأنظمة الملكية الخليجية حديث جدا. وتقليديا، تركزت العلاقات اليونانية تجاه العالم العربي على مصر وسوريا وليبيا ودول البحر الأبيض المتوسط ​​الأخرى، ودعم القضية الفلسطينية، والعلاقات الباردة مع إسرائيل. ومنذ أن أقامت اليونان والإمارات علاقات رسمية عام 1975، تركزت العلاقات بشكل أساسي على القطاع الاقتصادي، في حين استمرت العلاقات السياسية بشكل أساسي من خلال عدسة الشراكة الثنائية الإقليمية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي.

الربيع العربي والديناميكيات الإقليمية المتغيرة

ومع ذلك، أدى الربيع العربي عام 2011 إلى ظهور ديناميكية جديدة في العلاقات عبر البحر الأبيض المتوسط. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تركيا أكثر عدوانية وطموحا من الناحية الجيوسياسية، ما أدى إلى محاولة اليونان والسعودية والإمارات ومصر جهدا جماعيا لموازنة هذا الطموح ومعالجة الوضع الإقليمي الراهن. ونظرا لقربها الجغرافي وتاريخ العداء مع تركيا، تعد أثينا في مرمى الطموحات التركية، وكانت بعض تصرفات أنقرة بمثابة تهديدات مباشرة ضد اليونانيين.

وكان تسليح أنقرة لأزمة اللاجئين في فبراير/شباط 2020، من خلال توجيه حشود من طالبي اللجوء والمهاجرين نحو الحدود اليونانية التركية، ردا على انتقادات الاتحاد الأوروبي للعمليات التركية في شمال سوريا، قد خلق توترا خطيرا في العلاقة الحساسة بالفعل بين الجارتين. وأعقب ذلك جهود مكثفة للتنقيب عن الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، ما أدى إلى مواجهات خطيرة مختلفة بين السفن الحربية اليونانية والتركية ووضع بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا في حالة تأهب قصوى.

وبالنسبة لأبوظبي والرياض، تشكل أنقرة تهديدا للنظام الإقليمي ما بعد الربيع العربي الذي حاولت دول الخليج تشكيله خلال الأعوام القليلة الماضية. ويرى كلا النظامين أن دعم تركيا لـ"الإخوان المسلمون"، فضلا عن تدخلها الجيوسياسي والعسكري في ليبيا وسوريا والقرن الأفريقي، جزء من استراتيجية كبرى لممارسة النفوذ التركي في أي مكان في المنطقة حيث يوجد عدم استقرار أو فراغ للسلطة.

وفي الواقع، فإن الطابع الإسلامي للتهديد التركي المتصور ليس سوى بُعد واحد من أبعاد المواجهة الجيوسياسية الأوسع بين أنقرة والمحور السعودي الإماراتي، بقيادة أبوظبي في هذه الحالة. والآن، بينما تخفف تركيا من الخطاب الإسلامي في جهدها الجيوسياسي، وتتخذ خطوة أقرب إلى القومية، لا يبدو أن الخصوم الإقليميين يشعرون بالراحة. على العكس من ذلك، فإن الاستراتيجية التركية الأخيرة، المعروفة باسم "الوطن الأزرق"، تظهر الآن بشكل روتيني في الخطاب الخليجي كمثال واضح على "التوسع التركي".

ومن خلال توجيه مصالحها البحرية والجيواقتصادية مباشرة إلى المنطقة الغنية بالنفط والغاز في شرق البحر المتوسط، لا يمكن لاستراتيجية تركيا إلا أن تثير قلق اليونان وقبرص. وتعتبر اتفاقية نوفمبر/تشرين الثاني 2019 التي وقعتها تركيا وليبيا، بإنشاء حدود بحرية بين البلدين في البحر المتوسط، عبر المناطق الاقتصادية الحصرية المصرية واليونانية، الخطوة التكتيكية الأولى في استراتيجية "الوطن الأزرق".

بناء تحالف في شرق البحر المتوسط

وبدافع الشعور بالتهديد، ردت أثينا بمضاعفة جهودها لبناء تحالف في شرق المتوسط​، بدءا من إنشاء إطار عمل مشترك لاستخراج الغاز وتصديره عبر خط أنابيب "إيست ميد" المخطط له. ووقعت أثينا وتل أبيب ونيقوسيا اتفاقية لبناء خط أنابيب لنقل الغاز من حقل ليفياثان الإسرائيلي إلى البر الرئيسي لأوروبا، مرورا بحقل أفروديت القبرصي للغاز، وتركت تركيا خارج المعادلة. وإلى جانب التحايل على تركيا، قد يكلف خط أنابيب "إيست ميد" قطر، وهي حليف استراتيجي لتركيا ومنافس قوي للإمارات، ما يقرب من نصف سوق الغاز الأوروبية.

وفي الواقع، أصبحت الإمارات داعما قويا للمشروع لأنه يشل اثنين من خصومها الرئيسيين، وانضمت رسميا إلى "منتدى غاز شرق المتوسط"، الذي يضم مصر وإسرائيل واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن - في ديسمبر/كانون الأول. والأهم من ذلك، من خلال تحويل إطار عمل الغاز إلى حوار سياسي، سمح مشروع "إيست ميد" للإماراتيين بتقوية علاقاتهم مع الدول الأوروبية التي تشارك الإمارات المخاوف بشأن تركيا، مثل فرنسا واليونان وقبرص، وربما الاتحاد الأوروبي بأكمله.

ومنذ عام 2019، عززت كل من الإمارات والسعودية العلاقات مع اليونان وقبرص، واعترفتا بالحكومة القبرصية اليونانية باعتبارها السلطة الشرعية والمعترف بها دوليا على الجزيرة، بينما رفضت الاعتراف بجمهورية شمال قبرص التركية المدعومة من أنقرة. وقد ساعد الاجتماع الثلاثي الأول من نوعه بين الإمارات واليونان وقبرص، الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، على إبراز هذا الخطاب، وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقة الإماراتية اليونانية. وفي يناير/كانون الثاني 2021، وقع وزير الدولة الإماراتي لشؤون الدفاع "محمد بن أحمد البواردي" ووزير الدفاع القبرصي "كارالامبوس بتريدس" مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الثنائي في المجالات الدفاعية والعسكرية، وسط حديث عن "العلاقات الاستراتيجية".

ويمكن أن تصبح اليونان، التي غالبا ما يتم التقليل من شأنها كلاعب جيوسياسي، محورا مهما بشكل خاص لدولة الإمارات. وبالرغم من دورها الهامشي في الاتحاد الأوروبي واقتصادها المدمر نتيجة لأزمة عام 2007، تبرز اليونان كلاعب كبير محتمل في البحر المتوسط، ولا يمكن التغاضي عن الأهمية الجيوستراتيجية لأثينا. وتقع اليونان بين 3 قارات، ولها قرب جغرافي من شمال أفريقيا والشرق الأوسط، ولديها 3 موانئ رئيسية تعمل كبوابات للبضائع إلى الاتحاد الأوروبي.

وإلى جانب النمو الاقتصادي المتوقع بنسبة 4.1% بحلول عام 2021، والاستثمارات الكبيرة في الدفاع، بما يزيد عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي، على عكس معظم دول الناتو، والنفقات الإضافية المتوقعة على السفن الحربية الجديدة من الولايات المتحدة والطائرات المقاتلة من فرنسا، فقد يبشر هذا بيونان جديدة أكثر حزما.

علاقات عسكرية متنامية

وفي الآونة الأخيرة، زادت أبوظبي من تعاونها العسكري مع أثينا، حيث أرسلت طائرات مقاتلة من طراز "إف-16" للمشاركة في التدريبات العسكرية مع القوات الجوية اليونانية، في نفس الوقت الذي أرسلت فيه فرنسا مقاتلات داسو رافال إلى جزيرة كريت.

وبالرغم من أن تركيا تمتلك قوة جوية أكبر من الإماراتيين، إلا أن طائرات "إف-16" المتفوقة والأكثر تقدما لدى القوات الجوية الإماراتية، وفرصة شراء طائرات "إف-35" من الولايات المتحدة، ترفع من التوقعات. علاوة على ذلك، تجري أبوظبي محادثات مع أثينا لبيعها بعضا من طائرات "إف-16" الأكثر تقدما بمجرد اكتمال عملية الشراء الخاصة بطائرات "إف-35"، الأمر الذي سيكون أيضا مفاجأة غير سارة لأنقرة.

وفي علامة أخرى على تعاونهما العسكري المتنامي، في الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 6 ديسمبر/كانون الأول، أجرت اليونان، مع الإمارات وفرنسا وقبرص ومصر، تدريبا للطيران المشترك متعدد الجنسيات أُطلق عليه اسم "ميدوسا" في الأسكندرية. وكان الغرض من التدريب هو تعزيز التعاون الدفاعي والتعاون العملياتي، مع استعراض عضلات الكتلة العسكرية بشكل غير رسمي تجاه تركيا. وسبق أن أقيمت "ميدوسا" في عام 2019 بمشاركة اليونان ومصر وقبرص، لكن فرنسا والإمارات قررتا الانضمام هذه المرة، في ضوء التطورات الأخيرة في البحر المتوسط.

التداعيات الجيوسياسية

يتضح من التقارب اليوناني مع النظام السوري وتعزيز العلاقة مع مصر والسعودية، دور الاحتكاك المتزايد في العلاقات بين أثينا وأنقرة في دفع اليونان للتقارب مع الدول العربية في المعسكر المناهض لتركيا. وفي هذا السياق، قد تصبح الإمارات الشريك العربي الأهم لليونان. كما دفع الحوار الإماراتي اليوناني المتنامي أثينا إلى الاقتراب من الجيش الوطني الليبي المدعوم من الإمارات بقيادة الجنرال "خليفة حفتر"، أو الحكومة الليبية غير الرسمية التي تتخذ من الشرق مقرا لها وتنافس حكومة "فايز السراج" في الغرب المعترف بها دوليا والمدعومة من تركيا ومقرها طرابلس.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، بدأت اليونان محادثات مع "حفتر"، الذي رحب به "ميتسوتاكيس"، رئيس الوزراء اليوناني، في أثينا.

وخارج منطقة البحر الأبيض المتوسط، يمكن أن يكون لحوار أكثر كثافة بين أثينا وأبوظبي آثار في قطاعات أخرى أيضا. وتشترك أثينا في العلاقات الثقافية والدينية مع جيرانها الأرثوذكس، صربيا ومقدونيا الشمالية، وهو ما يمكن أن يوفر في المستقبل فرصة للاستثمارات الإماراتية في هذه البلدان، ما قد يثبت دوره في تعزيز مكانة الإمارات في منطقة البلقان وإقامة علاقات أوثق مع جيران تركيا.

وإلى جانب الدول الأرثوذكسية، يمكن للإمارات، إلى جانب السعودية، استكشاف العلاقات السابقة مع البوسنة وكوسوفو وتعزيز التأثير على السكان المسلمين في البلقان، بهدف حرمان أنقرة من فرصة القيام بذلك.

وقد يمتد التنافس إلى منطقة القوقاز، حيث اندلع الصراع في ناغورني قره باغ في سبتمبر/أيلول 2020، بعد أكثر من 20 عاما من وقف إطلاق النار. واعتمدت أذربيجان على دعم تركيا التي أرسلت طائرات مسيرة مسلحة ومرتزقة من سوريا وبعض قواتها المسلحة لمساعدة باكو. ودعت اليونان، التي تتمتع بشراكة سياسية وثقافية وعسكرية قوية مع يريفان، إلى وقف العدوان الأذربيجاني وإيجاد حل سلمي، مع إدانة تدخل تركيا.

وصرحت أثينا أن اليونان وأرمينيا لديهما مشكلة مشتركة، وهي تركيا، وناشدت الاتحاد الأوروبي مرة أخرى الرد على تجاهل تركيا للقانون الدولي. وردت أنقرة وباكو باتهام أثينا بتدريب الميليشيات الأرمينية والكردية، الأمر الذي وصفه اليونانيون بأنه "مزاعم لا أساس لها". وفي غضون ذلك، استقبلت الإمارات الرئيس الأرميني "أرمين سركسيان" في زيارة رسمية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، مشيدة بوقف إطلاق النار الذي فرضته روسيا.

ومن الواضح الآن أن كلا من اليونان والإمارات ينظران إلى شراكتهما على أنها حصن ضد التوسع التركي في البحر المتوسط، سواء كان ذلك تحت راية "العثمانية الجديدة" أو "الوطن الأزرق". وبالنسبة لأبوظبي، يمكن أن تكون مكانة اليونان كعضو في الاتحاد الأوروبي حيوية أيضا لتنشيط جهودها المستمرة للاقتراب من بروكسل. وسيكون الهدف الأكبر هو وجود حدود جيوسياسية أكثر وضوحا بين أوروبا والشرق الأوسط.

المصدر | سينزيا بيانكو وأندريه رودريجز روتشا - معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإماراتية اليونانية شرق المتوسط إيست ميد مواجهة تركيا الإمارات تركيا اليونان