ستراتفور: الاضطرابات ستتواصل بتونس والتعثر الديمقراطي نذير خطر

الجمعة 5 فبراير 2021 02:11 م

قد تجبر الاحتجاجات الحالية الحكومة التونسية على الاستقالة، رغم أن أي حكومة لاحقة لن يكون لديها حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يبحث الناس عن حلول لها.

وتشهد تونس منذ منتصف يناير/كانون الثاني احتجاجات مستمرة مناهضة لحكومة "هشام المشيشي" رغم مرور أشهر قليلة على توليه منصبه، ويطالب المتظاهرون باتخاذ إجراءات بشأن الإصلاحات القضائية والفساد الحكومي والمظالم الاقتصادية الأساسية.

وأدى الغضب في 25 يناير، جراء وفاة "هيكل الراشدي" وهو متظاهر شاب أصابته الشرطة التونسية بعبوة غاز مسيل للدموع، إلى زيادة المشاركة في الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد؛ مما يؤكد أن الضغط على حكومة "المشيشي" يتخطى الحدود الجغرافية والاجتماعية.

ومنذ أن تولى "المشيشي" منصبه، تتوالى الاحتجاجات المناهضة للحكومة والإضرابات النقابية بشكل متقطع، لكن الذكرى العاشرة للربيع العربي حفزت المتظاهرين الذين يسعون لإجبار الحكومة على الاستجابة لمطالبهم.

ودعت منظمة "العفو" الدولية إلى إجراء تحقيق في وفاة "الراشدي". وحتى الآن، تم اعتقال أكثر من 1680 شخصا في المظاهرات الجارية، ثلثهم من القاصرين، وفقا لـ"الرابطة التونسية لحقوق الإنسان" (غير حكومية).

أدت المظالم الاقتصادية والاجتماعية إلى اندلاع الربيع العربي في عام 2011. وقد أصبح الوضع المالي لتونس الآن، من نواح عديدة، أكثر اضطرابا مما كان عليه في ذلك الوقت. ولا يزال الجيل الذي طالب بفرص اقتصادية أفضل قبل عقد من الزمن غير راض عن وظائفه ودخله وأمنه المالي العام. والآن ينضم إليهم جيل جديد من التونسيين يطالبون أيضا بنفس الفرص التي كانت الأجيال السابقة تتمتع بها في التعليم والعمل.

ووفقا للبنك الدولي، كان الاقتصاد التونسي بالفعل هشا بشكل استثنائي قبل جائحة "كورونا". لكن الانكماش الاقتصادي للبلاد بنسبة 21% في عام 2020 كان "أسوأ مما كان متوقعا". ومن المتوقع أن يصل الدين العام إلى 86% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020 من 72.5% في 2019.

وأدت جائحة "كورونا" إلى انخفاض معدلات السياحة في تونس (مع انخفاض الإيرادات بنسبة 47% في عام 2020)، إلى جانب صادرات المنسوجات المهمة للبلاد (التي انخفضت بنسبة 27% في عام 2020). وتعد السياحة وصناعة النسيج من المصادر الرئيسية المهمة للعملة الأجنبية.

وارتفع معدل البطالة في تونس من 15% إلى 18% خلال السنوات الست الماضية. وكانت آخر مرة وصل فيها معدل البطالة إلى هذا المستوى المرتفع هي خلال احتجاجات الربيع العربي عام 2011.

ويؤكد الخلاف المتزايد بين حكومة "المشيشي" والرئيس "قيس سعيد" كيف أن الاقتتال الداخلي داخل النظام الديمقراطي التونسي سيستمر في منع أي حلول حقيقية من الظهور. وقف "سعيد"، الذي فاز في انتخابات 2019 إلى جانب المحتجين وانتقد استجابة "المشيشي" للاضطرابات. كما أعربت الائتلافات الحكومية في البرلمان، مثل ائتلاف "الصمود"، عن استيائها من "المشيشي"، وأعلنت مطالبتها باستقالته.

وفي 27 يناير، وافق البرلمان التونسي على تعيين 11 وزيرا جديدا في الحكومة، وهو ما قال "المشيشي" إنه يأمل في أن يساعد في تلبية مطالب المحتجين بالتغيير السياسي. وقد انتقد "سعيد" عدم وجود نساء في التعديل الوزاري، وقال إن الطريقة التي تم بها تعيين الوزراء غير دستورية.

عزز دستور تونس ما بعد الربيع العربي عام 2014 المؤسسات الحكومية، وسمح بمزيد من عودة التدافع بين أفرع الحكومة، والتي تعد طريقة ديمقراطية، لكنها أكثر فوضوية من الناحية العملية. وقد استقال سلف "المشيشي"، "إلياس الفخفاخ" في يوليو/تموز 2020، وسط تنازع حكومي.

ومن المرجح أن تكون الاضطرابات الاجتماعية قضية مستمرة ومزعجة في تونس في المستقبل المنظور؛ حيث يضمن الدستور الجديد للبلاد الحماية لمعظم المظاهرات السلمية. ومنحت هذه الحريات الاجتماعية التونسيين مساحة أكبر للتعبير عن شكاواهم بشأن الوعود التي قُطعت لهم بعد الربيع العربي والتي لم تفي بها حكومتهم بعد.

وخلال الأسبوع الماضي، جادلت حكومة "المشيشي" بأن أعمال الشغب العنيفة ليست محمية بموجب الدستور. لكن تونس كانت حريصة على عدم وصف جميع المظاهرات على نطاق واسع بأنها "أعمال شغب"؛ حيث إن التضييق الشديد على التجمعات القانونية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الغضب العام.

وبالرغم أن تونس وضعت دستورا جديدا تقدميا عام 2014، إلا أن العديد من الجوانب لم يتم تنفيذها أو الوفاء بها، بما في ذلك استكمال المحكمة الدستورية الجديدة. وسيظل ذلك محفزا للمتظاهرين على النزول إلى الشوارع. يشار إلى أن واضعي دستور 2014 حصلوا على جائزة نوبل للسلام؛ لأنهم وضعوا وثيقة لا تحتوي فقط على الحماية المدنية التاريخية، لكنها جمعت الفصائل السياسية المتنافسة في البلاد في حوار شامل.

ومن المرجح أن يخضع "المشيشي" وحكومته لضغوط الاستقالة إذا استمر زخم الاحتجاجات، لكن أي حكومة جديدة ستواجه نفس المشاكل الاقتصادية والسياسية الهيكلية؛ ما يعني استمرار المأزق السياسي في تونس.

وستعاني تونس من أجل إيجاد حلول مستدامة للقضايا الاقتصادية المتأصلة في البلاد طالما أن الفصائل المتناحرة غير قادرة على الاتفاق على حلول. وفي الوقت نفسه، فإن البلدان الأخرى التي تخوض صراعا مع ناشطي المجتمع المدني والمتظاهرين المطالبين بمزيد من الحكم الديمقراطي، ستنظر أيضا إلى عدم الاتساق السياسي في تونس باعتباره مؤشر تحذير.

المصدر | ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

تونس الاحتجاجات في تونس البرلمان التونسي هشام المشيشي قيس سعيد الربيع العربي

الشارع التونسي وصراع الرئاسات

تونس.. الغنوشي يصف دور الرئيس بالرمزي ويطالب بنظام برلماني

أزمة الحكومة التونسية.. المشيشي يراسل سعيد لتحديد موعد أداء الوزراء لليمين

في ذكرى اغتيال بلعيد.. تظاهرات تطالب بإسقاط النظام في تونس