استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

ترامب والفلسفة «المورغانية»

الخميس 25 فبراير 2021 08:53 ص

الفلسفة «المورغانية» وترامب

ترامب كرئيس سابق وبحكم طبيعته «المورغانية» لا يتوقع أن يخلد إلى الراحة ويعتكف!

مجلس الشيوخ لا القضاء برأ ترامب وفي إطار ثنائية حزبية حاكمة للعملية الديمقراطية الأمريكية فهي تبرئة معيبة وحملته مسؤولية أخلاقية.

تنامت تيارات الشعبوية والعنصرية المتطرفة في رئاسة ترامب وحضرت بقوة في السياسة والمجتمع والمؤسسة الحزبية الجمهورية وصعدت القوى الإنجيلية المسيحية.

جاء ترامب إلى السياسة من بوابة ثقافة «الإغارة» المتجذرة في بيئة الاعمال وتمارسها شركات عملاقة للسيطرة.. ثقافة جسورة تقوم بالاستيلاء «العدائي» على المنافسين!

رابط مورغان بجزر نائية وسط الأطلسي والكاريبي للإغارة على سفن قراصنة عائدين من غزواتهم محملين بغنائم وكنوز ومجهدين من الإغارة والقتل ليسلب غنائمهم.

*     *     *

سيحتاج الحزب الجمهوري الأمريكي  إلى سنوات لمحو ما تسببت فيه سلوكيات وسياسات الرئيس السابق ترامب  من فوضى وعبث وقرارات طائشة في السياسة والمجتمع،  وفي تقاليد انتقال السلطة الرئاسية.

صحيح أن مجلس الشيوخ، وليس القضاء قد برأ ترامب، وفي إطار الثنائية الحزبية الحاكمة للعملية الديمقراطية الأمريكية، إلا ان هذه التبرئة معيبة، وحملته مسؤولية أخلاقية.

حوكم ترامب خلال ولايته مرتين، بهدف العزل، وأثار قاموسه المستفز الكثير من الزوابع والأزمات، وأدار علاقات أمريكا الدولية بالتغريدات الفجة، واتخذ قرارات بلا حصافة ولا دراية، وأطلقها كقطار سريع بلا مكابح.

ولعب مع الغاضبين والعنصريين وجماعات الضغط المتطرفة ألعابا خطرة، ولم يغادر المكتب البيضاوي  بهدوء أو انصياع للنظام الانتخابي ونتائجه، تشبث بالمكتب وبالأختام، وبحالة إنكار ذميم للخسارة.

جاء ترامب إلى السياسة من بوابة ثقافة «الإغارة» المتجذرة في بيئة الاعمال والتجارة، والتي تمارسها الشركات العملاقة للسيطرة على السوق، وهي ثقافة جسورة تتجسد في الاستيلاء «العدائي» على المنافسين.

ولعل ترامب وهو يوجه الغاضبين  ومجموعات يمينية شبه مليشاوية تتبنى العنف وحمل السلاح  مثل حراس القسم  للإغارة على مبنى الكونغرس، وأثناء انعقاده، كان يستدعي ما في ذاكرته وخبراته من فلسفة لقرصان ذكي شهير في القرن السابع عشرهو (الكابتن مورغان) من أصول انجليزية.

وكان يرابط في جزر نائية في وسط المحيط الأطلسي والكاريبي ليغير على سفن القراصنة الآخرين في عرض البحر، العائدين من غزواتهم، والمحملين بالغنائم والكنوز،والمجهدين من الإغارة والقتل، فيسلبهم حمولاتهم (صناديق الاقتراع في حالة ترامب ).

ذاع صيت هذا القرصان، وصال وجال، واستولى على جزر ومدن  في بيرو وبنما وجمايكا وغيرها، واعتبره المجتمع البريطاني بطلاً قومياً حينما حارب سفن الإسبان، ومنحه الملك تشارلز الثاني لقب فارس!

وترك تاثيراً في الثقافة الشعبية الغربية في تلك الأزمنة، حينما كانت الشمس لا تغرب عن الإمبراطورية البريطانية، (لكي لا يهرب قراصنتها في جنح الظلام )، وورثت أسرته وأحفاده ثروة هائلة أسست بها البنك الأشهر في العالم (مورغان ستانلي) في نهاية القرن الثامن عشر في نيويورك.

تنامت التيارات الشعبوية والعنصرية والمتطرفة في فترة تولي ترامب للرئاسة، وحضرت بقوة في السياسة والمجتمع والمؤسسة الحزبية الجمهورية، وصعدت معها القوى الإنجيلية المسيحية.

والتي دفعت بقيادات من أتباعها لشغل مناصب تنفيذية وتشريعية وقضائية مهمة حول الرئيس، بدءاً من نائبه بنس، ووزير خارجيته بومبيو وآخرين.

ويمكن القول أن هذا الصعود هو الموجة الثالثة لليمين المحافظ الجديد والأصولي، وكانت الموجة الأولى في عهد الرئيس الأسبق ريغان، والتي توجت بانهيار الاتحاد السوفييتي، والثانية في عهد بوش الابن، ورؤوس ساخنة من حوله، أغارت على العراق واحتلته بذرائع واهية، وفتحت بواباته لإيران سداحاً مداحاً، من غير أن تطلق إيران رصاصة واحدة.

رأت التيارات الشعبوية والأصولية المتطرفة، في شخصية ترامب الصدامية أكثر من اللازم زعيماً وقائداً لخياراتها السياسية والاقتصادية والهوياتية البيضاء الإنغلوسكسونية البروتستانتية WASP!

شكلت هذه التيارات تحالفاً مع قوى عنصرية لها جذور وقواعد في الولايات الريفية والجنوبية، وتؤمن بتفوق العرق الأبيض، ومدعومة من قطاعات نيوليبرالية متوحشة، وجمعيات شبه مليشياوية كانت تحمل السلاح وتتنقل بين عدد من الولايات قبيل الغارة على الكونغرس.

  حسنا ً... أُخرج ترامب من البيت الأبيض مرغماً ومنكراً لخسارته في الانتخابات، لكن لم تخرج القوى الشعبوية والعنصرية والإنجيلية المتطرفة من السياسة أو من المجتمع، أو حتى ٬من الحزب الجمهوري، ولم تتبخر منظومات قيمية وإيدولوجية تتبناها هذه القوى.

صحيح أنها خسرت معركة، لكنها حفرت توجهات وعززت مفاهيم متطرفة في مقابل بزوغ مخاوف مضادة في الضفة الأخرى.

أما ترامب كرئيس سابق، وبحكم طبيعته «المورغانية»، فلا يتوقع أن يخلد إلى الراحة، ويعتكف في مزرعته أو في منتجع للعب الجولف أو التفرغ لتربية كلب أليف على طريقة بوش الابن، أو تأسيس مؤسسة خيرية على غرار الرئيس الاسبق كارتر، أو إلقاء محاضرات مثل كلينتون،...الخ.

  سيبقى ترامب في المشهد العام، وسيسعى لتشكيل كتلة جمهورية، وربما يؤسس مشروعاً إعلامياً مثيراً، لكن من الصعب أن ينشئ حزباً، بحكم وجود النظام الثنائي الحزبي، وفقاً للنظام السياسي الأمريكي، ولعله يسعى لأن يكون في موقع صانع للألعاب، أو صانع للرؤساء.

من المفارقات المدهشة أن العالم وهو يشاهد ترامب منكراً هزيمته ومتشبثاً بالبيت الأبيض، شاهد أيضاً المستشارة الألمانية إنغيلا ميركل وهي تحزم حقائبها بهدوء، وتغادر الى شقتها، لم تتفوه بكلمة نابية طوال ثمانية عشر عاماً من قيادتها لبلدها، ولم نسجل ضدها أي تجاوزات ووقف الشعب الألماني كله لعدة دقائق مصفقاً لها ومودعاً.

لو واصلت أمريكا الإنصات لتغريدات وتقلبات ترامب، فإنه لا محالة، سيرشح العرق من جبينها خجلاً، ولصارت اخطر قضايا حقوق الإنسان مطروحة على أرصفة العالم، لكن ستبقى أمريكا قادرة على احتمالات الفشل وتخطيه.

* د. يوسف الحسن مفكر عربي ودبلوماسي سابق من الإمارات.

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

ترامب، المورغانية، الاستيلاء العدائي، ثقافة، الإغارة، الانجيلية المسيحية، الشعبوية، العنصرية،