موسكو إلى جانب اسرائيل في غزة.. ولافروف لا يُدين تل أبيب

الاثنين 11 أغسطس 2014 06:08 ص

عرض: إسلام السكران، الخليج الجديد

خفوت الصوت الروسي حيال الحرب على غزة جعل البعض يتساءل حول طبيعة موقف موسكو، وإلى أي طرفٍ تميل وتساند. وفي تحليل نشر في «الحياة» اللندنية تناول الموقف الروسي من العدوان، استنكر رائد جبر تبسيطَ البعض للأمر وتفسيره بانشغال موسكو كثيرًا بما يجري خارج الحدود الروسية لانشغالها بما يجري داخل تلك الحدود، مؤكدًا أن التصريحات الروسية المقتضبة تشي بتحولات في الدبلوماسية الروسية تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي.

وقد قارن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بين الوضع في أوكرانيا وغزة، مشيرًا إلى أن معاناة مواطني شرقي أوكرانيا لا تقل عن معاناة غزة، إلا أن فصائل المقاومة هي مَن قامت، حسب رأيه، بقصف المدن والمستوطنات (الإسرائيلية)، مما اضطر (إسرائيل) للرد، بعكس الوضع في أوكرانيا حين حمل مواطنو شرق أوكرانيا، الموالون لروسيا، السلاحَ دفاعًا عن النفس.

واستنكر لافروف اهتمام المجتمع الدولي بوقف إطلاق النار في غزة، في الوقت الذي لا يعير الموقف شرقي أوكرانيا اهتمامًا، متهمًا الغرب بازدواجية المعايير.

ويعبر هذا الموقف الروسي بوضوح عن تبني روسيا للمزاعم (الإسرائيلية) بشأن "اضطرارها" للحرب «دفاعًا عن نفسها وحمايةً لمستوطناتها». وهذه لغة جديدة لم تعهدها الدبلوماسية الروسية من قبل، ويبدو لافروف سائرًا على نفس المنوال منذ بداية الهجمات الإسرائيلية على غزة، فقد صرّح للإعلام الروسي أن الرئيس بوتين، في اتصالين مع أوباما ونتنياهو، أبدى تفهمه للقلق الإسرئيلي وحقها في الدفاع عن نفسها دون الانجرار إلى حالة «الانفلات الأمني».

وأكّد لافروف أن روسيا تدعم المبادرة المصرية بقوة، مشيرًا إلى أن إسرائيل كذلك تدعمها، ولم يتبقّ إلا أن ترضخ لها فصائل المقاومة، وأنه ما زال هناك وقت لتحقيق التهدئة بناءً على الورقة المصرية.

وقد تعمّد لافروف في تعليقه على العمليات البرية بالقطاع ألا يدين تصرفات جيش الاحتلال، مبديًا قلقه من ردّ فعل المقاومة، وأن روسيا تأمل أن تجدي الوساطة المصرية في تحقيق التهدئة على أساس مبادرة السلام العربية، التي طرحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز قبل سنوات. وانتقد وزير الخارجية الروسي دور الولايات المتحدة في تعطيل “الرباعية الدولية” وفشلَ الإدارة الأمريكية في تحقيق نجاحٍ يذكر من أجل إنجاح عملية السلام.

وكنموذج لتلك اللهجة الجديدة في التصريحات الروسية، انطوت بيانات الخارجية على العديد من المصطلحات الإسرائيلية مثل “أمن إسرائيل”، والحديث عن مصالح «السكان المدنيين في قطاع غزة»، معتبرةً أن فصائل المقاومة هي «حركات راديكالية».

تلك اللغة ربما استخدمت من قبل في الإعلام الروسي، إلا أنها جديدة على بيانات وزارة الخارجية، مما ينبئُ بتغيّرات في الدبلوماسية الروسية.

لكن الأمور لا تقف عند حد بيانات الخارجية، فما يدور في الكواليس ولا يحظى بالتغطية الإعلامية الكافية لا يقل أهمية عن هذه التغيرات في الخطاب الرسمي. فقد أجرى الكرملين والخارجية الروسية عدة اتصالات بنتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان، وقام وفدٌ يمثل حاخامات إسرائيل بزياة إلى روسيا التقى خلالها الرئيس بوتين في ١٠ تموز/يوليو، أي بعد مرور يومين فقط على اندلاع الحرب.

وشدد بوتين خلال الزيارة على عِظَم «التضحيات المشتركة التي قدمها الشعبان في الحرب ضد النازية»، وقال أن روسيا تقف ضد أي محاولة للانتقاص من «عذابات اليهود»، مؤكدًا أهمية العمل معًا لـ«مواجهة التطرف والنازية». وأكّد بوتين أن روسيا ترى في المؤسسات الدينية اليهودية أقرب الحلفاء ضد التصرفات النازية وأنها تأمل أن ينظر اليهود لروسيا بالمثل. توجّه الوفد الحاخامات إلى شبه جزيرة القرم، التي انتزعتها روسيا مؤخرًا من أوكرانيا، لحضور احتفالية بضحايا الحرب العالمية الأولى من اليهود. وهو موقف داعم في ظل الضغوط الغربية على روسيا.

أما رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الفيدرالية الروسية مارغليوف، "سفير المهمات الصعبة للكرملين"، فقد زار «مناطق المواجهة» وأبدى إعجابه بـ«شجاعة سكان إسرائيل» في مواجهة قصف صواريخ المقاومة، مؤكدًا متانة علاقات موسكو وتل أبيب. وأوضح أنه سيجري بعض الاجتماعات الإضافية بممثلي المؤسسات العسكرية، مشيرًا إلى أن زيارته الحالية تأتي في ظروف ليست هي الأسوأ، بزعمه، مبديًا إعجابه بـ«تفاؤل الشعب الإسرائيلي وقدرته على الحياة».

وعلى الصعيد الرسمي والأهم في زيارة مارغليوف، هدفت الزيارة إلى زيادة التعاون بين البلدين على كافة المستويات، ومواجهة التهديدات المشتركة، خاصة الإرهاب العالمي. وقدّم الوفد تعازيه في المسؤولين الإسرائيليين الذي قضوا في الحرب على غزة، واعتبرهم «أبطالاً دافعوا عن وطنهم».

لا يخفى أن الاضطرابات الأخيرة بأوكرانيا أثرت على السياسات الروسية تجاه غزة، فقد أكّد خبراء أن مصالح موسكو دافعٌ أساسيّ في تصرفاتها الأخيرة، فقد استعرض جبر ملخصًا لهذه المصالح في ثلاث نقاط:

١. كسب التأييد اليهودي لتحركات موسكو في مواجهتها مع الغرب بعد الاضطرابات التي تشهدها أوكرانيا.

٢. التخلي عن المبدأ الدبلوماسي السابق فيما يتعلق بالشرق الأوسط، والمتمثل بجمع كافة الأوراق لتعزيز الحضور الروسي بالمنطقة، لصالح مبدأ جديد يعتمد على التعاون مع القوى التي تشاطر موسكو مواقفها أو لديها مشكلات مع الغرب، والمقصود هنا معسكر "الاعتدال العربي"، بما فيه مصر والسلطة الفلسطينية، مما يفسر التأييد الروسي للمبادرة المصرية، وطرح موسكو فكرة توسيع "الرباعية الدولية" لتضم مصر والجامعة العربية.

٣. مبدأ «التبادلية» في التعامل مع ملفات المنطقة، بما يعني أن موسكو تنتظر من العالم العربي أن يدعم مواقفها في أوكرانيا وضم القرم.

أما على الجانب الإعلامي، فتتبني وسائل الإعلام الروسية منذ اليوم الأول للعدوان الروايةَ الإسرائيلية، موجهة كل اللوم على الفلسطينيين، مع نسبتها لأعداد الشهداء والجرحي إلى “مصادر طبية فلسطينية”، بعد اعتمادها مصادرَ إعلامية إسرائيلية، وذلك بغية التشكيك بصحة الأرقام المعلنة من الجانب الفلسطيني بشكل رسمي.

  كلمات مفتاحية