استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

القيم والنماذج والمصالح بين القاهرة وأنقرة

السبت 20 مارس 2021 09:49 ص

القيم والنماذج والمصالح بين القاهرة وأنقرة

هل طوت تركيا صفحة الطموح إلى تغيير جذري في العالم العربي يستكمل مسار السنوات الأولى من عمر "الربيع العربي"؟

بعد تحوّل ملموس في الموقف المصري في ليبيا، تأتي مؤشّرات أخرى لتؤكد أن العاصمتين تراجعتا عن منطق "الحد الأقصى".

خطاب الغالب والمغلوب ملأ الـ"سوشيال ميديا" بمجرد انطلاق عربة "الهدنة" نتيجة طبيعية لسنوات القصف الإعلامي المتبادل.

تركيا "نموذج" يتناقض تناقضًا جذريًا مع نظم سياسية عربية تدير علاقتها معه بناءً على المثل القائل: "لا تسع السماء شمسين ولا قمرين"

*     *     *

سريعًا، انطلق ماراثون التحليلات المتسرّعة والاستنتاجات المعلبة، حتى قبل أن تتضح معالم التحول في العلاقات المصرية التركية. وما أصبح الآن مؤكّدًا أن القاهرة وأنقرة، المهمتين إقليميًا، قرّرتا طي صفحة الصراع، لكن حدود ما يمكن اعتباره "وفاقًا" لم تزل بعيدة.

وبعد سنواتٍ من القصف الإعلامي والمواجهة السياسية بين العاصمتين، يلوح في الأفق منعطف ما تزال تحجب ملامحه قنابل الدخان المضلّلة المعبأة بمفردات قاموس "التركيع" بكل ما تتسم بها من شعبوية.

أولى الدلالات المؤكّدة لما يحدث أن مشهد التقارب التركي المصري يشبه، من وجه من الوجوه، المنعطف الذي شهدته العلاقات بين واشنطن وبكين، عندما قام الرئيس الأميركي، نيكسون، في عام 1972، بزيارة تاريخية إلى الصين.

وقد كانت بين بكين وواشنطن آنذاك مستويات ثلاثة من التناقض: القيم والمصالح والنماذج، ولم يكن التحول ليحدُث من دون أن تحصل الولايات المتحدة من الصين على تعهدٍ بالتخلي عن مبدأ القضاء على الرأسمالية.

وبالتالي القبول (النظري) بإمكانية التعايش بين الرأسمالية والشيوعية، وهو تعهّد نادرًا ما تمت الإشارة إليه في الكتابات التي تتناول كشف حساب القمة، وهي كتابات تركّز في معظمها على النجاح في تجاوز مقولة "استحالة التقاء المصالح".

وقد شهدت السنوات الماضية، في الفضاءات: الإعلامي والسياسي الفني، خطابًا لم يخل من المبالغة حينًا، ولم يخل من التخويف أحيانًا، ومداره في المحصلة النهائية أن تركيا "نموذج" يتناقض تناقضًا جذريًا مع نظم سياسية عربية تدير علاقتها معه بناءً على المثل القائل: "لا تسع السماء شمسين ولا قمرين".

ويمكن في هذا السياق أن نضع مفردات كثيرة، من بينها سيل أعمال درامية أنتجت، في السنوات القليلة الماضية، عن "الحقبة العثمانية" كصفحة سوداء في التاريخ العربي الحديث، وخطاب التخويف من "العثمانية الجديدة" في أدبيات سياسية وثقافية كثيرة، بالإضافة إلى مواجهات سياسية متفاوتة الحدّة، لعل من أهمها الترحيب بالمحاولة الانقلابية في تركيا (يوليو/ تموز 2016)، والمواجهة في ليبيا وفي شرق المتوسط وغيرهما.

والآن هناك اعتراف عملي بأن التعايش ممكن. وتؤكد تجربة السنوات القليلة الماضية في علاقات القاهرة وأنقرة أن التأثير المتبادل بين القيم والمصالح والنماذج أمر حتمي، وأن حسابات الربح والخسارة يمكن "تكييفها" بدرجة كبيرة للحفاظ على "درجةٍ ما" من الاتساق مع القيم والنماذج.

وفي ضوء هذه القاعدة، يمكن فهم الكيفية التي يُحتمل أن تتأثر بها أوضاع معارضة المنفى المصرية في تركيا، وخلال الساعات التي أعقبت اجتماعًا بين مسؤولين أتراك وإعلاميين مصريين، أصبح مؤكدًا أن المصالح التركية ستتغلب على عاملي القيم والنماذج.

وبلغة أكثر وضوحًا فإن تركيا، على الأرجح، قد طوت صفحة الطموح إلى تغيير جذري في العالم العربي يستكمل مسار السنوات الأولى من عمر "الربيع العربي". وبعد تحوّل ملموس في الموقف المصري في ليبيا، تأتي مؤشّرات أخرى لتؤكد أن العاصمتين تراجعتا عن منطق "الحد الأقصى".

وبلغة الشعبوية التي تمتلئ بها قنوات فضائية ومواقع تواصل اجتماعي، فإن العاصمتين وصلتا إلى لحظة التراجع من دون نجاح أيٍ منهما في "تركيع" الأخرى.

ولدى كل منهما ما يربحه من هذه "الهدنة" التي لا يستبعد أن تتحوّل إلى علاقة تبادل مصالح لا تخلو من قضايا شائكة "مسكوت عنها" إلى حين.

وإذا عدنا إلى المقارنة بالمنعطف في العلاقات بين واشنطن وبكين في 1972، فإن المصالح التي نجح البلدان في تبادلها تضخمت خلال عشرات السنين، ثم عادت بكين وواشنطن إلى المواجهة، عندما وجد كلٌ منهما أن القيم والنموذج مهدّدان بسبب تغليب المصالح تغليبًا تامًا.

وكما أن التقارب الأميركي الصيني قد نجح في الإسهام في إبعاد بكين عن موسكو سنوات، فإن التقارب بين القاهرة وأنقرة سيسهم في إبعاد القاهرة، ولو جزئيًا، عن عواصم عربية ما تزال تتعامل مع تركيا بناءً على المثل "لا تسع السماء شمسين ولا قمرين".

وخطاب الغالب والمغلوب الذي ملأ "السوشيال ميديا" بمجرد انطلاق عربة "الهدنة" نتيجة طبيعية لسنوات من القصف الإعلامي المتبادل.

* ممدوح الشيخ كاتب صحفي مصري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

مصر، تركيا، الشعبوية، الربيع العربي، الرأسمالية، سوشيال ميديا، القيم، النماذج، المصالح،