استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حاجة الشرق لتجديد الفكر الإحيائي المستقل

الأحد 21 مارس 2021 09:56 ص

حاجة الشرق لتجديد الفكر الإحيائي المستقل

فِرق ومذاهب تداخلت مع المواقف السياسية للمستبد القديم وقُطع الطريق على الإحياء الإسلامي!

أين موقف الوعي الإسلامي الجديد والتوجه النهضوي من أسئلة العصر ومفهوم المجتمع والحياة المدنية والدولة المدنية والأممية الإسلامية؟

أزمة أنتجها انحراف متجدد بخطاب العودة لصراع تراثي أو تاريخي وربط أزمات سياسية واجتماعية وكوارث سياسات الدول بتصنيف عقدي ديني محدد.

*     *     *

قبل بضع سنوات وفي مجلس فكري جمع مثقفين عربًا وتركًا في إسطنبول، دار حديثنا عن أين موقف الوعي الإسلامي الجديد، وتحديداً التوجه النهضوي ومفاهيمه الإنسانية، من أسئلة العصر التي تعصف بالشباب، ومن مفهوم المجتمع والحياة المدنية، ومن الموقف بين الدولة المدنية، والأممية الإسلامية، ولم تعد هذه الأسئلة قائمة على الموقف السياسي فقط، بل تتجاوزه للعقيدة الشخصية للفرد.

ولقد شاركَنا مجدداً في مجلس ثقافي خلال زيارتي الأخيرة لإسطنبول، الصديق العزيز توران قشلاقجي، وهو من أبرز المثقفين الأتراك المهتمين على الانفتاح التركي على الشرق، والانفتاح الإسلامي على الحوار الإنساني الأخلاقي، وشعرنا ونحن نعود للقاء في عام 2021، بعودة سؤال 2015 من جديد، ولكن مع تعاظم الأزمة.

هذه الأزمة خلقها الانحراف المتجدد في خطاب بعض الإسلاميين، لكنهم يؤثّرون على ساحة واسعة من الشباب، عبر العودة إلى الصراع التراثي أو التاريخي، وربط الأزمات السياسية والاجتماعية وكوارث سياسات الدول بالضرورة، بمفهوم تصنيف عقدي ديني محدد.

في حين كان تاريخ المسلمين يعج بإشكالية صراعات شرسة، استُخدم فيها الدين كأداة للصراع، ولا علاقة له بالإسلام الحقيقي، لا في الجانب المعرفي، ولا في آفاق النهضة، ولا في إصلاح ضمير الفرد أخلاقياً مع كل إنسان، ولا في رؤية الوجود والخلق بين المعرفة الإسلامية، والإلحاد العدمي.

فاستُدعي الصراع من جديد، منذ أزمة الفِرق والمذاهب التي تداخلت، مع المواقف السياسية للمستبد القديم، وقُطع الطريق على الإحياء الإسلامي، الذي لم نعُد اليوم ملزمين برؤاه في مطلع القرن الماضي.

بل نحن بحاجة ضرورية، لبناءٍ مستقل يحافظ على جوهر الفكرة الأخلاقية والمعرفية والتشريع المقاصدي للإسلام، ويعبر لهذا العالم الجديد، لتحرير مسألة الأخلاق والمجتمع، والدولة والحقوق، وينقذ الشباب من مأساة الفراغ الوجودي، الذي يعززه رحلة عذابهم المعيشي النفسي تحت المستبد الجديد.

والعودة إلى العلاقة مع تركيا اليوم في الجدل الثقافي له تأثيره أيضاً في الوطن العربي، في ظل تطورات السياسة العاصفة والمتقلبة، التي لا يُمكن أن يستوعبها هذا المقال، لكنني أختصر الموقف، في خطأ الإسلاميين، في التعامل مع تركيا الحديثة بمفهوم الدولة الأممية الراعية، واستدعاء عثمانية تقديس جديدة تؤسس عليها!

رغم أن أصول الدولة الحديثة، وجذورها الفكرية عميقة جداً مع القومية التركية، ومشتبكة مع الحالة العلمانية، باتجاهيها المدني الإيجابي والراديكالي السلبي.

وأن فهم مواقف تركيا الحديثة ليس لتبرير أخطائها ولا تزكيتها، وإنما لوضع قاعدة مهمة في فهم سياساتها، وهو ما يصطدم به الإسلاميون اليوم، فهم يكتشفون مجدداً أن تركيا الحديثة هي تركيا الجمهورية القومية، لا الأممية مع المسلمين، وإن تعززت صورتها الإسلامية اليوم، منذ موقف مؤسس الدولة الحديثة، كمال الدين اتاتورك.

ولو كان هذا البعد حاضراً في رحلة الإسلاميين العرب مع الأتراك، لكان فهم هذه السياسة وتقلباتها أفضل إطار للتعاطي مع المشكلة، ولبناء تحالف موضوعي حذر لوحدة الفكرة الإسلامية وقضايا المسلمين، تُقنن بحجم الممكن، ولا تغرق في الأوهام والمدائح ولا يترتب عليها مراهنات خطيرة، نخشى من تأثيرها اليوم على البعد الإنساني للمحرومين والمضطرين، الذين تحصرهم هذه التقاطعات السياسية الشرسة.

لقد كان لا بد من توضيح هذا الاشتباك اليوم، لكي نعزل الفكرة الإسلامية المستقلة عن التجاذب السياسي الشرس في الشرق، والذي يُسقط أي فكرة حرة، ويقطع طريقها عن الشباب الذين هم في أمس الحاجة، لغذاء الروح وحقيبة الحقوق المعيشية، الأمن والمسكن والغذاء والحرية السياسية والفكرية، حيث تؤثّر عواصف المعاناة والأزمات على نفسية الفرد المكافح لأجل لقمته.

من هنا يعود السياق لأهمية البناء الفكري التجديدي، وعدم قيام هذا البناء في صورة مشروع نهضة فكرية متماسك، لا يعني أن الساحة فارغة، كلا..

فهناك جدل وتحريرات وكتب ومنصات ومنابر، فضلاً عن صفحات السوشيال ميديا معبأة بالعطاء الثقافي والجدل الفكري، غير أن ما نحتاجه اليوم، هو تنظيم الأسئلة الفكرية الكبرى في حياة الشباب العربي، ووضعها في إطار مفهوم متماسك، يفهم أزمة العصر.

ويدرك المدار الإنساني للرؤية الكونية للمعرفة الإسلامية، التي تنقذه كفرد وتؤسس لبنية نهضة للأوطان العربية والشرقية، وتعالج أزمات التيه السياسي أو العاطفة المحمومة وتهذبها، وتطلق علاقة عدالة إنسانية، تخرج من رأسمالية العالم الحديث، إلى العالم الأخلاقي المؤمل حيث كان المسلم وحيث كان الإنسان.

* مهنا الحبيل باحث عربي مستقل مدير المركز الكندي للاستشارات الفكرية

المصدر | الوطن

  كلمات مفتاحية

الشرق، الرؤية الكونية، المعرفة، الإسلام، تجديد، الفكر الإحيائي، تركيا، الجمهورية، الدولة، المدنية،