هكذا يمثل الاتفاق الإيراني الصيني انتكاسة للولايات المتحدة

الأربعاء 31 مارس 2021 07:42 ص

سيكون لاتفاقية التعاون الاقتصادي والأمني ​​الأخيرة بين إيران والصين عواقب بعيدة المدى على الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. ومن المؤكد أن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لاحتواء إيران إقليمياً وخنقها مالياً قد دفعت طهران إلى هذا الاتجاه.

يمنح الاتفاق إيران شريكًا حيويًا، وإن كان متقلبًا، للمساعدة في مقاومة العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ انسحاب إدارة "ترامب" من الاتفاق النووي في عام 2018، مما أدى إلى انكماش الاقتصاد الإيراني بشكل مطرد منذ ذلك الحين، نتيجة انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر وكذلك تراجع المشترين للنفط الإيراني، بينما وفرت الصين نافذة إنقاذ من خلال استيرادها للنفط الإيراني بشكل مطرد خلال العام الماضي.

بالنسبة لبكين، تمثل الصفقة تحوطًا مهمًا في علاقتها مع دول الخليج العربي المنتجة للنفط، والتي تعد من الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة منذ فترة طويلة. وفي حين أن شروط الصفقة لم يتم الإعلان عنها بعد، إلا أنها تزعم أنها توفر تدفقًا ثابتًا ومستقرًا للنفط الإيراني إلى الصين مقابل الاستثمارات اللازمة في البنية التحتية الحيوية لإيران - من الموانئ إلى السكك الحديدية إلى الطاقة والبتروكيماويات.

وفي حال وصلت التوترات الجيوسياسية بين بكين وواشنطن إلى نقطة الغليان حيث يتم الضغط على الدول العربية من قبل الولايات المتحدة لاختيار أحد الجانبين، يمكن للصين أن تطمئن إلى أن طهران ستكون شريكًا موثوقًا به.

ومن وجهة نظر إيران، فإن الصفقة تركز مصالح طهران المالية والاستراتيجية بقوة في آسيا. لطالما أبدت إيران رغبة في الانضمام إلى "منظمة شنجهاي للتعاون" بقيادة الصين وروسيا. وقد يصبح حلم "منظمة شنغهاي للتعاون" حقيقة واقعة قريبًا، حيث تبرز إيران في "مبادرة الحزام والطريق" الصينية الطموحة. وحاليًا، تتمتع إيران بوضع مراقب في المنظمة.

وعلى العكس من ذلك، فإن فشل الاتفاق النووي في تزويد طهران بالاستثمارات الأجنبية والتنمية الاقتصادية اللازمة، قد ساهم في تقويض مصداقية المسؤولين الإيرانيين المعتدلين والإصلاحيين الذين سعوا إلى تحسين العلاقات مع الغرب لتجنب الاعتماد الجيوسياسي المفرط على الصين وروسيا.

وتعد فرص تحسين العلاقات بين واشنطن وطهران محدودة حاليًا بسبب السياسات الداخلية في كلا البلدين. وفي حين فضّلت إيران دائمًا التكنولوجيا والاستثمار الأوروبي والأمريكي، فإنها ستقبل بالصين بأقل قدر من المتاعب حيث لا تطالب بكين بإصلاح سياسة إيران الداخلية أو سياساتها الإقليمية أو برنامجها الصاروخي، كما تفعل بروكسل وواشنطن باستمرار.

علاوة على ذلك، لا تتأثر سياسات الصين بعلاقاتها الاستراتيجية الأخرى في الشرق الأوسط حيث تفضل الصين العلاقات الثنائية مع الجهات الفاعلة المستقلة التي تشعر أنه يمكن الاعتماد عليها في مواجهة الضغط الأمريكي. ويناسب ذلك طهران تمامًا، طالما أنها تستطيع المشاركة في نظام مالي قائم على اليوان لا يخنق وصولها للتنمية الاقتصادية كما هو الحال مع السياسة القائمة على أهواء كل شاغل جديد للبيت الأبيض.

يرحب البعض في المؤسسة السياسية الإيرانية -وخاصة المتشددون- بالمعاناة التي جلبتها العقوبات على الاقتصاد لأنها أجبرت طهران على التنويع بعيدًا عن صادرات الطاقة، وبدلاً من ذلك إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي. ويأمل هؤلاء في أن تصبح العقوبات الأمريكية أقل تأثيرًا بمرور الوقت، حيث تعطي إيران الأولوية لاقتصادها الداخلي والتجارة مع الدول التي تعارض النظام المالي الذي تقوده الولايات المتحدة. وسيكون الاتفاق مع الصين (وفي النهاية روسيا) بمثابة تحقيق منطقي لهذا الأمل.

وهناك بعض الأدلة على نجاح نهج طهران. في مطلع القرن، شكّل النفط 50% من الناتج المحلي الإجمالي لإيران. اليوم، يمثل 15% فقط. وقد يجادل مؤيدو حملة "أقصى ضغط" الأمريكية بأن الحكومة الإيرانية أصبحت أفقر نتيجة لذلك بعد أن شهد اقتصادها انكماشًا بنسبة تزيد عن 15% منذ خروج "دونالد ترامب" من الاتفاق النووي، وخفضت العقوبات بشكل كبير صادراتها النفطية. لكن "اأقصى ضغط" لم تجبر إيران على تخفيف موقفها الإقليمي.

في الواقع، تشير الدلائل إلى أن الاقتصاد الإيراني أصبح أكثر مرونة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الإيراني بنسبة 3.2% في عام 2021. وفي خطابه الأخير في عيد "النوروز"، هيأ المرشد الأعلى "علي خامنئي" الجمهور لمزيد من العقوبات في المستقبل. ومن المفارقة أن المتشددين في طهران وواشنطن يريدون الشيء نفسه، لكن لأسباب مختلفة.

أين يترك ذلك واشنطن؟ كان المدافعون عن مسار الدبلوماسية يأملون في أن تنضم إدارة "بايدن" بسرعة إلى الاتفاق النووي، مما يهيء المساحة السياسية اللازمة في كلتا العاصمتين لمناقشة القضايا الأخرى ذات الاهتمام المشترك. ولكن مع اقتراب إيران من الصين وروسيا، قد يتلاشى هذا الأمل.

وإذا تولى المتشددون زمام السلطة في طهران بعد الانتخابات الرئاسية هذا الصيف، فمن المتوقع تراجع الشهية لمثل هذه المحادثات. بدلاً من ذلك، ستلعب طهران اللعبة الطويلة، وستنضم إلى الاقتصادات الآسيوية الأخرى التي ربطت نفسها بالتجارة والتنمية الصينية.

وإذا أراد الغرب التعامل مع إيران بعد الانتخابات، فقد يواجه شريكًا تفاوضيًا معاديًا للغرب أكثر بكثير مما كان عليه عندما تم التفاوض على الاتفاق النووي في عام 2015. في الوقت الحالي، تنظر المؤسسة السياسية الإيرانية إلى الرئيس "حسن روحاني" ووزير الخارجية "جواد ظريف" كإصلاحيين يسعون إلى التكيف وليس المواجهة مع واشنطن.

نعيش الآن عالم تتنافس فيه القوى العظمى اليوم،ويجب على واشنطن أن تتعامل مع أي قضية دون إغفال هذه الحقيقة.

انتقلت الكثير من الدول الآسيوية لتشكيل كتلة تجارية خاصة بها أو انضمت إلى الصين بعد خروج واشنطن من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ. وبالمثل، فقد قررت طهران الرهان على دولة تعتقد أنها ستتفوق على الولايات المتحدة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي. وسيحدد الوقت ما إذا كان هذا رهانًا جيدًا.

المصدر | أمير هنجاني - ستيتكرافت- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات الإيرانية الصينية الاتفاق النووي الإيراني اتفاق التعاون الصيني الإيراني العلاقات الإيرانية الأمريكية

انفتاح الصين على الشرق الأوسط: توحيد النقائض

معهد أمريكي: مسلمو الإيجور فرصة نادرة للسعودية بعد الاتفاق الصيني الإيراني

اتفاقية الصين الاستراتيجية مع إيران تغير قواعد اللعبة

لعبة الموازنات.. هكذا تؤدي الشراكة مع الصين إلى تحسين علاقات إيران بالغرب