استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كرنفال عربي .. لكنه مأساوي!

الثلاثاء 6 أبريل 2021 09:48 ص

كرنفال عربي .. لكنه مأساوي

متى تعلمنا مأساوية المشهد أن تضخيم "الإحساس بالاكتفاء" جلب لنا الشقاء وجعل حصوننا سهلة الاختراق.

تقف معظم العواصم العربية أمام مفترقات طرقٍ لا سبيل إلى تجاهلها وأمام استحقاقات لا وسيلة لتأجيلها.

"الكرنفال المأساوي" الذي تتناثر مفرداته على امتداد خارطتنا رغم كل مراراته يشير إلى "اتساق" لا يجوز إهماله.

استطاع الأوروبيون، في ظروف أصعب بكثير جدًا من ظروفنا، من الناحيتين الإثنية والثقافية، تشييد مشروعهم الاتحادي.

المشهد العربي كرنفالي في تنافر مفرداته لكنه مأساويٌ من حيث مآلاته الأكثر احتمالًا والتقارب مع إسرائيل أثمر شيئًا مفيدًا مطلقا.

خلال أكثر من ربع قرن قبل "الربيع العربي" امتلأ الفضاء العربي المكبل حقيقةً ومجازًا بـ"شهادات وفاة" لكل ما هو عربي.

بعد أعوامٍ عشرة من انتهاك الحقوق بل وسفك الدماء لم تجلب محاربة "الربيع العربي" بالقوة الناعمة والخشنة استقرارًا لأحد.

في نهاية الشوط، ارتدّت سهام بعض القوم إلى نحور بعض إخوانهم، عندما انقلب وهم "الاكتفاء" إلى انكفاء لا يخلو من جفاء وخواء!

*     *     *

على نحوٍ يكاد يكون عجائبيًا، بل يشبه بعض روايات العبث، تشهد عواصم عربية عدة، في وقت متزامن، مشاهد متنافرة كالكرنفال. وما شهدته عمّان، أخيرا، أضاف عاصمة أخرى إلى قائمة "العواصم المؤرّقة" خوفًا من المجهول.

في الكرنفال، تُمسك نار الحرب بعباءة صنعاء، وتأكل ألسنة لهب الصراع السياسي ملامح بيروت، وتنام بغداد على الخطر وتصحو على الدم، وتختنق الديمقراطية التونسية الوليدة بدخان المخططات التي تتوالى فصولها الـمُنهِكة، بينما أيدٍ عربية تُطعم النار بلا كلل ولا تردد.

وعلى البوابة التاريخية الأكثر أهمية لتواصل مصر مع منابع النيل الممتدة بعيدًا تدقّ طبول الحرب، وتختلط حسابات التحالف والعداء، حتى حدود الغموض، وليس كل الغموض، على طريقة الداهية هنري كيسنجر، "بناءً".

أما العلاقة مع الجوار غير العربي شرقًا في إيران، وجنوبًا في القرن الإفريقي، وشمالًا في تركيا، فقد احتفظت بهدوء خطوط تماسّها، ولما يقرب من نصف قرن غلب "الفتور الهادئ" على حالها، إلا قليلًا.

وقد كانت العقود الخمسة الماضية عقود غرق بطيء لسفينة ضخمة، بعض ربابنتها ماهرون في التجاهل ومُدرَّبون جيدًا على التسويف.

اليوم تقف معظم العواصم العربية أمام مفترقات طرقٍ لا سبيل إلى تجاهلها، وأمام استحقاقات لا وسيلة لتأجيلها. وانظر إلى المنحدر الذي تتحرك عليه، بسرعات متفاوتة، في مسار هابط دول مثل: اليمن ولبنان وسورية والسودان والعراق.

وخلال ما يزيد عن ربع قرن سبق "الربيع العربي"، امتلأ الفضاء العربي المكبل حقيقةً ومجازًا، بـ"شهادات وفاة" لكل ما هو عربي، وامتلأ حتى الاكتظاظ بـ"قصص صغرى"، اجتهدت نخب بيروقراطية وعسكرية ووراثية في تأكيدها، والعمل لإحلالها محل أية فضاءات أوسع نطاقًا: عربية، أو إقليمية أو إسلامية، أو حتى إنسانية كونية.

ومؤكّد أن ثمّة عوامل سياسية مباشرة يسهل على المحلل السياسي إيرادها مستهدفًا شرح ما يحدث. وما افتقرنا إليه بالأساس كان النظر إلى "الحوض الجغرافي"، بمصطلحات العلوم السياسية الباردة، أو "العالم العربي"، بتعبيرات ثقافة لا تمسخها الجغرافيا، بنظرة تعطي الأولوية للروابط والجسور، ولا تتجاهل التباينات في الوقت نفسه.

"الكرنفال المأساوي" الذي تتناثر مفرداته على امتداد خارطتنا، رغم كل مراراته يشير إلى "اتساق" لا يجوز إهماله، فالأردن، مثلًا، صمد في وجه صعود تنظيم الدولة (داعش) بكل مخاطره.

وأمام الكارثة السورية التي بقيت تهدد حدوده أعواما، لكنه اليوم يهتز، لأسباب في مقدمتها سعي دولة عربية إلى تغيير ملامح الخريطة السياسية العربية بكل الوسائل.

ويمكنك أن تشير إلى الحقيقة نفسها في أمثلة: اليمن والعراق ولبنان وسورية وليبيا، فالأدوار الخارجية فيها جميعًا جعلت الحل مستعصيًا، ولم تستطع كل دولة منها منفردة الحفاظ على سيادتها من التدخلات الأجنبية، لكنها لعقود متتالية صانت "عفّتها السياسية" من أن تدنّسها ممارسات مشينة أخلاقيًا مثل: الوحدة أو التعاون الإقليمي الفعال!

والعرب جميعًا، أغنياؤهم وفقراؤهم، يدفعون ثمن غياب الديمقراطية ودولة القانون، ويدفعون في الوقت نفسه، بل ربما بدرجة أكبر، ثمن الغرق في أن حمل جنسية دولة ذات سيادة هو الحصن الذي يحمي حاضرهم ومستقبلهم.

والمثال الذي تكرّر ذكره كثيرًا هو المثال الأوروبي، فقد استطاع الأوروبيون، في ظروف أصعب بكثير جدًا من ظروفنا، من الناحيتين الإثنية والثقافية، تشييد مشروعهم الاتحادي.

أما المثال الأكثر دلالةً فهو أميركا، المنخرطة، رغم كل ما تملك من إمكانات هائلة: اقتصادية وساسية وعسكرية، في شبكات تحالف متعدّدة: حلف شمال الأطلسي، حلف يوكوزا، العلاقات مع أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها. وفي عالم الجنوب أمثلة أخرى ملهمة.

فمتى تعلمنا مأساوية المشهد أن تضخيم "الإحساس بالاكتفاء" جلب لنا الشقاء، وجعل حصوننا قابلة للاختراق السهل. وفي نهاية الشوط، ارتدّت سهام بعض القوم إلى نحور بعض إخوانهم، عندما انقلب وهم "الاكتفاء" إلى انكفاء لا يخلو من جفاء و... و...؟

* ممدوح الشيخ كاتب وباحث مصري

المصدر | العربي الجديد

  كلمات مفتاحية

كرنفال، العرب، الديمقراطية، الربيع العربي، هنري كيسنجر، تنظيم الدولة، حلف الأطلسي، الربيع العربي، إسرائيل، الوحدة، اليمن، العراق، لبنان، سورية، ليبيا،