تاريخ التاريخ
ليس هناك تاريخ واحد فقط، بل مجموعة تواريخ. وهذا القول يجب أن يقرأ على أكثر من وجه، بمعنييه: المباشر وغير المباشر.
في معنى «تاريخ التاريخ» تواجهنا حقيقة أن التاريخ بكل العصور والأمكنة لم يكتب برؤية واحدة بل برؤى مختلفة حدّ التناقض أحيانا.
يمكن تقسيم التاريخ إلى حقول: سياسي، اقتصادي، ثقافي، وتطول القائمة، فالظواهر المختلفة سياسيا واجتماعيا وثقافيا لها تواريخها الخاصة.
أليس التاريخ نفسه بحاجة إلى «تأريخ» أي كتابة الروايات المتعددة لوقائع طواها الزمن ومحاولة الوقوف عند الأسباب التي جعلت التاريخ تواريخ؟
* * *
ليس هناك تاريخ واحد فقط، بل مجموعة تواريخ. وهذا القول يجب أن يقرأ على أكثر من وجه، بمعنييه: المباشر وغير المباشر.
بالمعنى المباشر يمكن تقسيم التاريخ إلى حقول: سياسي، اقتصادي، ثقافي، وتطول القائمة، فالظواهر المختلفة، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، لها تواريخها الخاصة بها.
وصحيح أن هذه التواريخ مترابطة ومتكاملة، ومنها يمكن أن يصنع التاريخ العام أو المشترك للمجتمع المعني أو الأمة المعنية أو حتى التاريخ العالمي كاملاً، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك تواريخ «تفصيلية»، ومنفصلة نسبياً لكل حقل بعينه.
هذا مجرد مثال، ويمكن أن نجد مثالاً ثانياً في حقيقة أن لكل منطقة أو جماعة أو أتباع ديانة في أي مجتمع تاريخاً منفصلاً، ومرتبطاً في الآن ذاته، بالتاريخ العام المشترك للبلد الذي تقع فيه هذه المنطقة أو المدينة، أو للشعب الذي تُعدّ تلك الجماعات، قومية كانت أو دينية أو عرقية، جزءاً منه.
للتبسيط يمكن أن نقول إنه بالإمكان كتابة تاريخ مدينة كالقاهرة أو بغداد أو بيروت أو سواها من المدن في دنيا العرب، فيأتي المؤرخ على «تفاصيل التفاصيل» في نشأة هذه المدينة أو تلك وتطورها، وأهم ما عرفته من أحداث، وما شهدته من تحولات، متفادياً أن يغرق نفسه بتفاصيل بقية المدن في البلد المعني، دون أن يغفل عن حقيقة أن تاريخ هذه المدينة غير منفصل عن تاريخ البلد كاملاً.
في المعنى غير المباشر لـ«تاريخ التاريخ»، تواجهنا حقيقة أن التاريخ، في كل العصور وفي كل الأمكنة، لم يكتب برؤية واحدة، وإنما برؤى مختلفة حدّ التناقض أحيانا.
ليس من باب اختلاف المؤرخين حول حدوث واقعة ما أو عدم حدوثها بالضرورة، وإنما في سرد التفاصيل المحيطة بها، فما قد يكون سبباً، برأي مؤرخ ما، في وقوعها، يرى آخر في هذا السبب نتيجة لأمر سابق له أغفله الأول وهكذا.
تلعب الأهواء والميول الفكرية والسياسية وما إليها دورها في تعدد الروايات التاريخية، فلكل صاحب هوى مصلحة إما في «تعظيم» واقعة، أو في التقليل من أهميتها، أو في إبراز أو طمس هذا التفصيل أو ذاك. وثمة تاريخ خفي بالضرورة، هو غير ذاك التاريخ الذي كتب وتناقلته الأجيال. هذا التاريخ الخفي موجود في كل مكان.
أليس جديراً، وعلى ضوء كل هذا وسواه، أن نلاحظ بأن التاريخ نفسه بحاجة إلى «تأريخ»، بمعنى كتابة الروايات المتعددة للوقائع التي طواها الزمن، ومحاولة الوقوف عند الأسباب التي جعلت التاريخ تواريخ؟
* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين