استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

هل نقيم في الزمان أو المكان؟

الأربعاء 19 مايو 2021 04:34 م

هل نقيم في الزمان أو المكان؟

لكن ماذا عن الوقت أو الزمن؟ أنشعر حقاً بالانتماء إليه أم إن مشاعرنا تجاهه متفاوتة وملتبسة؟

هل ينسب الناس على اختلاف أجيالهم إلى الأمكنة التي ولدوا بها وعاش فيها قبلهم آباؤهم وأجدادهم أم ينسبون إلى أزمانهم؟

أليس في ما جرى ويجري بفلسطين برهاناً على أن اقتلاع الناس من أرضهم ما زال سلوكاً متبعاً في عالم يصف نفسه بـ«المتحضر»؟

إذا كان كل جيل يربطه بالأجيال السابقة مكان يورثه كل جيل إلى الجيل التالي فالناس أيضاً أبناء أزمنتهم وفي هذا قد يختلف كل جيل عن سابقه ولاحقه.

«لا تنفق الكثير من الوقت على استهلاك سلبي: تضييع الوقت غير المفيد كتصفح الهاتف المحمول، عدم الانشغال بالماضي، وذكريات رتيبة» جرب التفكير في أمور جديدة!

*     *     *

سؤال شائك هذا الذي في العنوان قد يحيلنا إلى فلسفة الزمان والمكان، ما لا طاقة لنا بمقاربته هنا، لكن لا مفرّ من الحيرة حول ما إذا كنا أبناء أمكنتنا أم أزمنتنا، هل ينسب الناس على اختلاف أجيالهم إلى الأمكنة التي ولدوا فيها، وعاش فيها قبلهم آباؤهم وأجدادهم، أم ينسبون إلى أزمانهم؟

هناك إجابة سهلة، تبدو بديهية إلى حد ما، وهي أن الناس أبناء مكانهم وزمانهم معاً، فإذا كان كل جيل يربطه بالأجيال السابقة المكان الذي يورثه كل جيل إلى الجيل التالي له، فإن الناس أيضاً أبناء أزمنتهم، وفي هذا قد يختلف كل جيل عن سابقه ولاحقه.

العالم لا يقف عند حال، فهو إلى تغيّر، وهذا التغيّر ينعكس على سمات واهتمامات وحتى وظائف ومهن كل جيل.

التاريخ يعرف أقواماً وأمماً رحلوا أو رُحلّوا عن أوطانهم، ووجدوا أنفسهم، مختارين أو مكرهين، في أمكنة أخرى غير التي ولدوا فيها، وليس التاريخ وحده من عرف ذلك، الحاضر أيضاً يعرفه، أليس في ما جرى ويجري في فلسطين برهاناً على أن اقتلاع الناس من أرضهم ما زال سلوكاً متبعاً في عالم يصف نفسه بـ«المتحضر»؟

في سياق مختلف بعض الشيء يجري حديث عن مفهوم «اللا أمكنة»، حيث «الأوتوسترادات» العريضة الطويلة، وشركات الطيران وخدمات السكك الحديدية ذات السرعة الكبيرة، ثم إن الفنادق ذات الأسماء والماركات.

وكذلك محال التسوق الضخمة التي تحمل اسماً واحداً وشكلاً واحداً، موجودة في كل مكان، لتجعل من الغريب العابر الذي يشعر بالغربة حين يسافر إلى بلدان وأماكن جديدة، كأنه لم يغادر تماماً المكان الذي أتى منه.

لكن ماذا عن الوقت أو الزمن؟ أنشعر حقاً بالانتماء إليه، أم إن مشاعرنا تجاهه متفاوتة وملتبسة؟

وقعت عيني على إشارة عن كتاب يحمل عنواناً لافتاً: «صنع الوقت» لمؤلف بريطاني اسمه ستيف تايلور، والعنوان حتى قبل أن تطلع على محتوى الكتاب يحملك على السؤال: هل نحن من نصنع الوقت، أم هو الذي يصنعنا؟ كأنه يضع موضع المساءلة مقولة: «نحن أبناء وقتنا»، فكيف نكون أبناء أمر نحن من يصنعه؟

بشيء من التمعن يمكن أن نفكر في التفريق بين الزمن والوقت، ولا نعلم مدى دقة ذلك، فالزمن مفهوم فلسفي وعلمي معقد، لكن الوقت هو وحدات هذا الزمن الصغيرة: الساعة واليوم والأسبوع.. ونحسب أن هذا هو ما في وسعنا «صناعته»، بمعنى التحكم في طبيعة مشاعرنا خلاله، ولا بأس من بسط هذه الفكرة في حديث قادم.

هل نصنع الوقت؟

ستيف تايلور مؤلف كتاب «صُنع الوقت»، يرى أن الإحساس بمرور الوقت يتغير مع تقدّم العمر، فحين يشعر الأطفال والشبان بأن وقتهم يمرّ سريعاً، فإن الكبار يعانون من الإحساس بثقله أو بطئه.

والسبب يعود إلى أمر قد لا يخطر على البال، فليس هو تدهور الصحة مثلاً، أو التقاعد عن العمل، وإنما زيادة المعلومات والمعارف، فبالقياس لمن هم أصغر سناً، يبدو الكبار «متخمين» بالمعارف والخبرات، التي قد تميت في نفوسهم درجات من الفضول الذي يوجه سلوك الأصغر سناً.

حسب هذا الكاتب، فإن الإنسان في الثلاثين سنة الأولى من عمره، يبدو وقته مليئاً بالأنشطة والحركة، فهو يذهب إلى المدرسة، والجامعة، ويبحث عن عمل، ويلتقي بالأصدقاء، ويبدأ بالتعرف على الجنس الآخر، ويكتشف ويطور ميوله ومواهبه، وهو الأمر الذي ينقص كثيراً، وربما يتلاشى، مع التقدم في العمر أو الشيخوخة، فالتزاماته وأعماله أقل، ما يعلي من إحساسه بالرتابة والتكرار.

لا أحد منا لم يختبر هذا التفاوت في الإحساس بالوقت، ففي بعض الأحيان يمر سريعاً، فلا نكاد نحس به، ونتمنى، من كل جوارحنا لو كان بمستطاعنا أن نمسك به، أن نبقيه واقفاً، بما يذكرنا بقول السيدة أم كلثوم في إحدى أغانيها الجميلة:

«ونقول للشمس تعالي تعالي بعد سنة»، رغبة في أن يمتد الليل الآسر، فلا يأتي الصباح. ويمكن أن يحدث العكس تماماً: يمر الوقت ثقيلاً، بطيئاً، خانقاً، فنتمنى لو أنه باستطاعتنا دحرجته بقوة، كما ندحرج صخرة من أعلى جبل نحو الوادي في أسفله.

هل يمكن التحكم في هذا بالسعي لأن لا يكون الوقت ثقيلاً وبطيئاً، وأن يمر بخفة وسعادة؟ هذه هي «صناعة الوقت» التي يدعو إليها صاحبنا، مقترحاً صنع تجارب جديدة:

هوايات مختلفة، تجارب لم تعشها في السابق، السفر إلى أماكن جديدة، فكلما زاد عدد الذكريات عن أمر ما أو تجربة جديدة أو رحلة جديدة فإننا نشعر أنها كانت أطول من غيرها.

طبعاً الرجل قال هذا الكلام، على ما نرجح، في زمنٍ آخر «غير كوفيدي»، لكن لنغلّب الأمل، وندعو الله بسرعة جلاء الغمة، لكي تصبح نصائحه ممكنة التطبيق بيسر أكبر، لكنه أتى على اقتراحات مفيدة حتى في زمن «كوفيد-19».

بينها: «لا تنفق الكثير من الوقت على الاستهلاك السلبي: تضييع الوقت بما هو غير مفيد، مثل تصفح الهاتف المحمول، عدم الانشغال بالماضي، والذكريات الرتيبة»، أو: لنجرب التفكير في أمور جديدة غير مكرورة.

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

الوقت، زمان، ستيف تايلور، صُنع الوقت، كوفيد-19، الاستهلاك السلبي، الجيل، فلسفة الزمان والمكان، الماضي،