كيف أصبحت الإمارات أفضل صديق لصربيا في الشرق الأوسط؟

الأربعاء 14 يوليو 2021 05:42 ص

في الأول من يوليو/تموز 2021، ظهر الرئيس الصربي "ألكساندر فوتشيتش" في حفل في بلجراد برفقة قطب العقارات الإماراتي "محمد العبار"، وهو رئيس مجلس إدارة شركة العقارات الإماراتية "إيجل هيلز"، للاحتفال بإنهاء العمل على برج داخل مشروع مجمع "ووتر فرونت بلجراد"، وهو مشروع عقاري ضخم تموله الإمارات.

كان هذا الحفل تجليًا آخر للعلاقات المتنامية بين صربيا والإمارات، والتي أصبحت خلال السنوات التسع الماضية شريك بلجراد الرئيسي في العالم العربي، كما أصبحت الإمارات مصدرًا للتمويل وأداة للترويج السياسي المحلي للقيادة الصربية.

تنحية براجماتية للماضي

أصبحت الإمارات واحدة من 6 دول لديها اتفاقية شراكة استراتيجية مع صربيا، أما الدول الأخرى فهي فرنسا وإيطاليا وروسيا والصين وأذربيجان.

وبين عامي 2010 و 2019، كانت الإمارات رابع أكبر مصدر للاستثمار الأجنبي المباشر في صربيا، حيث تمثل 3.1%، وتأتي في مرتبة بعد الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين.

وتعد الشراكات مع أطراف غير غربيين مثل الإمارات جزءا من سياسة صربيا الخارجية المتمثلة في تأمين رهاناتها والسعي لتدفقات رأس المال الأجنبي لدعم اقتصادها المضطرب، خاصة أصبح بعد أن أصبح الاتحاد الأوروبي غير قادر على مواصلة توسعه في البلقان بعد الأزمة المالية العالمية لعام 2008.

وفي الوقت ذاته، تم تنحية قضايا الماضي بشكل براجماتي، مثل الدعم الإماراتي للمسلمين البوسنة خلال الحرب الأهلية البوسنية (1992-1995) واعتراف الإمارات باستقلال كوسوفو.

دوافع الإمارات

هناك دوافع لدى الإمارات أيضًا في السعي لتوثيق الروابط مع صربيا، وهو ما فسره مجموعة من الباحثين في المملكة المتحدة عام 2017، بالقول إن الشراكة ركزت على 4 مجالات رئيسية؛ هي الطيران والبناء الحضري والزراعة والدفاع.

من المفترض أن تساعد الاستثمارات في مجال الطيران والبناء الحضري دولة الإمارات على تنويع اقتصادها من خلال نقل رأس المال للخارج والاستعداد لليوم الذي تفقد فيه دول الخليج القدرة على الاعتماد على صادرات النفط.

أما الاستثمارات في الزراعة والدفاع فهي وسيلة أبوظبي للاستثمار في أمنها الغذائي والعسكري، حيث تكسب بذلك موطئ قدم في منطقة عند مفترق الطرق بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط ولديها فرصة لمراقبة منافستها تركيا التي تنشط أيضا في البلقان.

وفي عام 2013، اشترت شركة الطيران الإماراتية "الاتحاد" حصة 49% في خطوط "جات" الجوية الصربية المأزومة، مما أدى إلى إعادة هيكلة الشركة تحت اسم "أير صربيا".

وفي أواخر عام 2020، خفضت "الاتحاد" حصتها في "أير صربيا" من 49% إلى 18%، وعلى الرغم من هذا التخفيض، إلا أن شراكة الطيران لا تزال قائمة.

وتنظر شركة "أير صربيا" حاليًا في إعادة تشغيل الرحلات بين بلجراد والإمارات بعد 4 سنوات من إيقافها، كجزء من بحثها عن فرص جديدة في أعقاب جائحة "كورونا".

أما بالنسبة لقطاع البناء، فإن محوره هو مشروع "ووتر فرونت" في بلجراد، وقد تم الاتفاق على المشروع عام 2015، ويستلزم استثمارًا قدره 3 مليار دولار لتحويل الأرض القفر إلى مجمع حضري فاخر.

ويسمح المشروع لأبوظبي بتركيز رأس مالها في بلد قريب بما يكفي لأن يكون مرشحًا لعضوية الاتحاد الأوروبي ولكن دون نفس آليات الفحص الصارم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وتشجعت الإمارات بفضل التراجع الديمقراطي الذي شهدته البلقان في السنوات الأخيرة.

أما في صناعة الدفاع، فإن الشخصية الرئيسية المحركة للأمر هو "محمد دحلان"، رئيس الأمن الوقائي الفلسطيني السابق في غزة، الذي ينظم الآن الترتيبات لصالح الحكومة الإماراتية.

فقد كان "دحلان" هو ميسر شراكة الإمارات وصربيا والاستثمارات الإماراتية في صناعة الدفاع الصربية، وفي عام 2013، وقعت شركة "يوجو امبورت اس دي بي ار"، وهي أكبر شركة دفاع في صربيا، مع شركة "الإمارات للأبحاث والتكنولوجيا القابضة" اتفاقية بقيمة 267.8 مليون دولار على التطوير المشترك لنظام الصواريخ الهجومي المتقدم  "ALAS"، وهو نظام دفاع صاروخي مضاد للدبابات.

وتستفيد صربيا من خلال توزيع أسلحتها في أسواق الشرق الأوسط، بينما تحصل الإمارات على مصدر للأسلحة وقدرة على توزيعها على حلفائها في مختلف النزاعات الإقليمية، في غضون ذلك، تم إعطاء "دحلان" الجنسية الصربية واشترى المقربون منه فيلات فاخرة في بلجراد.

وبما أن الإمارات تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية، فإن الأمن الغذائي هو القوة الدافعة وراء الاستثمارات الإماراتية في القطاع الزراعي.

وفي عام 2013، قدم صندوق التنمية الإماراتي قرضا قدره 400 مليون دولار للزراعة الصربية، تلته صفقة بقيمة 400 مليون دولار، اشترت بموجبها "شركة الظاهرة الزراعية" التي يقع مقرها في أبوظبي 8 شركات زراعية صربية.

وفي عام 2018 وقعت "الظاهرة" اتفاقية بقيمة 172 مليون دولار لتولي الأصول الزراعية لشركة "بي كي بي كوربوراسجي" الخاصة بإدارة الأعمال الزراعية.

المنظور السياسي

لعبت السياسات الداخلية دورا رئيسيا في العلاقة الصربية المزدهرة، بتعزيز من جائحة "كورونا"، حيث ستعقد صربيا انتخابات رئاسية وربما انتخابات برلمانية في عام 2022.

وبالنظر إلى هيمنة الرئيس "فوتشيتش" وحزبه "الحزب الصربي التقدمي"، فإن النصر شبه مؤكد، لكن استمرار جائحة "كورونا" يجعل النخبة الصربية تشعر بالحاجة لضمان سير الأمور بسلاسة.

لذلك، فإن الشراكة مع الإمارات توفر للقادة الصربيين مصدرًا للأموال وموادًا ترويجية لحملاتهم، وهي حيلة قديمة سيستخدمها الرئيس "فوتشيتش" مرة أخرى.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، تلقى "فوتشيتش" ما يقدر بعدة ملايين يورو من المساعدات الطبية من دولة الإمارات بترتيب من ولي العهد الإماراتي "محمد بن زايد"، وتلقت بلجراد أيضا مساعدات طبية من أبوظبي في مارس/آذار من ذلك العام.

كما إنه بعد زيارة "فوتشيتش" للإمارات في مارس/آذار 2021، أعلن أن الإمارات ستموّل إلى جانب الصين، بناء منشأة في صربيا لإنتاج لقاح "سينوفارم" الصيني.

بالنسبة لدولة الإمارات، فإن هذا استثمار رأس مال استراتيجي في أوروبا من شأنه أن يضمن إمدادات اللقاحات للأزمات الصحية المحتملة، أما بالنسبة لصربيا، فإنه سيساعد البلاد على الظهور كمركز إمداد لقاح إقليمي في البلقان.

وبعد زيارة الإمارات، سافر "فوتشيتش" أيضا إلى البحرين، حيث أبرز الجهود الرامية إلى صياغة علاقات سياسية وتجارية أقوى مثل تلك التي تمتلكها صربيا مع الإمارات، وهكذا فتحت أبوظبي أبوابًا جديدة لبلجراد وقدمتها لشركاء اقتصاديين جدد في الشرق الأوسط.

وخلال الحفل الأخير تحدث الرئيس " فوتشيتش" عن خطط لزيادة الرواتب والمعاشات التقاعدية، قائلًا: "لن يكون ذلك ممكنا دون نمو في البناء والوظائف الكبيرة والأحلام التي كان لدينا. لم نحقق أبدا مثل هذا الأداء الجيد، نحن نصل ببطء إلى المعايير الأوروبية من حيث الرواتب والمعاشات."

لا شك في أن "فوتشيتش" يستغل الإمارات ومشاريعها بشكل متزايد في صربيا للتسويق السياسي المحلي، حيث يستفيد الرئيس من التعاون مع أبوظبي للترويج لنفسه كقائد يحتفظ بتماسك البلاد والاقتصاد على الرغم من المصاعب في العالم المضطرب بالجائحة.

وفي يناير/كانون الثاني 2021 بينما كانت السلطات الصحية ترزح تحت الوباء، حضر "فوتشيتش" حفلًا مليئًا بالرقص التاريخي، وكشف الستار عن نصب تذكاري للحاكم الصربي في العصور الوسطى "ستيفان نيمانيا" في مجمع "ووتر فرونت بلجراد".

شراكة مستمرة رغم التحديات

ومع ذلك، فإن التورط مع الإمارات يجلب المخاطر أيضا، حيث لا يزال مشروع "ووتر فرونت" مثيرا للجدل بالنسبة للعديد من البلجراديين بسبب عدم وجود شفافية للمشروع.

وأحاط بالمشروع كثير من الجدل بشأن ما إذا كان المجمع الحضري الفاخر يناسب القوة الشرائية المنخفضة للمواطن العادي والمشهد الجغرافي والحضري في المدينة.

وفي عام 2016، هدمت مجموعة من الرجال المقنعين المجهولين العديد من المباني المتنازع عليها قانونيا مما عرقل مشروع "ووتر فرونت"، وأثارت استجابة الشرطة المتخاذلة على الهدم احتجاجات جماعية في بلجراد.

كما أدى الافتقار إلى الشفافية بشأن المعاملات حول خطوط "الاتحاد" ومشروع "ووتر فرونت"، إلى مخاوف من أن وجود رأس المال المحفز للفساد سيعزز حتما الحكم الاستبدادي.

هذا بالإضافة إلى أن الأسلحة المباعة إلى الإمارات والسعودية غالبًا ما تسقط في نهاية المطاف بأيدي مقاتلي الميليشيات في سوريا واليمن.

كما أن الاستثمارات الزراعية الإماراتية مثيرة للجدل أيضا حيث استمرت مبيعات الأراضي للشركات الإماراتية على الرغم من معارضة الجيش الصربي.

ولكن على الرغم من هذه الخلافات، ستستمر الشراكة لأن النخب في بلجراد وأبوظبي تتربح منها، كما إنها توفر أيضا فرصة جيدة للترويج السياسي المحلي في انتخابات العام المقبل.

المصدر | فوك فوكسانوفيتش/ معهد الشرق الأوسط - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صربيا بلجراد البوسنة ووترفرونت استثمارات الإمارات دحلان الإمارات

شراكة صربيا وG42.. هل انتهى شهر العسل بين الإمارات والصين؟