لهذا الأسباب.. دعم الانتقال الديمقراطي بالسودان مصلحة خليجية

الجمعة 13 أغسطس 2021 02:26 م

بينما تنهي الحكومة الانتقالية في السودان استعداداتها لانتخابات 2022، ستواصل دول مجلس التعاون الخليجي مراجعة سياساتها لتحقيق أهدافها فيما يتعلق بالسودان.

ويبدو جليا علاقة التبعية بين السودان ودول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث لعبت القوات السودانية دورا حيويا في الحرب في اليمن، كما قامت الخرطوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعد الإمارات والبحرين، وفضلا عن ذلك يعمل مئات الآلاف من السودانيين كمغتربين في شبه الجزيرة العربية.

ولدى السودان علاقة معقدة لكنها مهمة مع مصر، الشريك الخارجي الرئيسي لدول مجلس التعاون الخليجي.

لهذه الأسباب، من الواضح أن دول الخليج ستستفيد من استقرار السودان الذي يتقبل مصالحها.

وبالرغم من نجاح عملية الدمقرطة في السودان نسبيا حتى الآن، إلا أنها من المحتمل أن تؤدي إلى نتائج معاكسة لمصالح دول مجلس التعاون الخليجي.

فقد يؤدي الضغط من أجل ديمقراطية تمثيلية إلى تقويض الأنظمة التي تتبنى الاستبداد في الخليج.

والأهم من ذلك، تخشى العديد من عواصم دول مجلس التعاون الخليجي من عودة ظهور الأحزاب الإسلامية المنظمة جيدا في نظام ديمقراطي مفتوح، كما هو الحال في مصر عندما فاز "الإخوان المسلمون" بأول انتخابات حرة في البلاد عام 2012.

من ناحية أخرى، يمثل النموذج المصري مثالا ناجحا للثورة المضادة؛ حيث جرى إجهاض التحول الديمقراطي من خلال الانقلاب العسكري.

وأدى قرب مصر المادي والسياسي من السودان إلى مخاوف من أن الجهات الخارجية، بما فيها بعض دول مجلس التعاون الخليجي، قد تسعى إلى تكرار العملية في السودان من خلال استبدال الحكومة الانتقالية بحاكم عسكري.

ومع ذلك، فإن الديكتاتوريات العسكرية تقاوم الإصلاحات الشعبية؛ مما يزيد من مخاطر الاضطرابات وعدم الاستقرار الذي سيكون له تداعيات على أمن واستقرار الخليج نفسه.

باختصار، في حين أن عملية التحول الديمقراطي يمكن أن تؤدي إلى نتائج سلبية لبعض دول مجلس التعاون الخليجي على المدى القصير، لا سيما بالنسبة للسعودية والإمارات، ينبغي أن تستمر هذه الدول في دعم الانتقال كما هو مخطط له لضمان الاستقرار على المدى الطويل في كل من السودان والخليج.

حكومة جديدة علاقات قديمة

حافظ الرئيس السوداني "عمر البشير" طوال فترة حكمه، التي استمرت 30 عاما، على توازن جيوسياسي دقيق مع إيران من جهة ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى.

وأقام "البشير" علاقات سياسية وتجارية ودية مع كلا الجانبين، كما تجنب الانحياز لطرف في الحرب الإقليمية الباردة المستمرة بينهما.

لكن في سنواته الأخيرة في السلطة، تخلى "البشير" عن حياده واتجه بعيدا عن طهران وتقارب مع الرياض وأبوظبي.

وفي عام 2015، انضم "البشير" إلى التحالف الإسلامي العسكري، وهو كتلة عسكرية بقيادة السعودية تم إنشاؤها لزيادة بصمة الرياض الإقليمية وكبح نفوذ إيران الخارجي.

وفي العام نفسه، شارك السودان في حرب التحالف العربي ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن.

ووضع "البشير" 4 طائرات تحت تصرف التحالف ونشر 6 آلاف جندي في الدولة التي مزقتها الحرب.

ولعبت القوات السودانية دورا رئيسيا في صد مقاتلي "الحوثي" في الساحل الغربي لليمن.

وفي مقابل دعم "البشير"، قامت دول مجلس التعاون الخليجي، والسعودية على وجه الخصوص، بإغراق الخرطوم بالقروض والمساعدات الإنمائية؛ مما وفر لـ"البشير" إيرادات تشتد الحاجة إليها بعد فقدان عائدات النفط بسبب استقلال جنوب السودان عام 2011.

وبالنظر إلى الدعم المتبادل بينهما، كان هناك شك في أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي ستعارض الإطاحة بـ"البشير" عام 2019.

ومع ذلك، أثبتت الحكومة الانتقالية الجديدة أيضًا أنها متقبلة تمامًا لمصالح دول مجلس التعاون الخليجي.

إذ واصل السودان تدخله في اليمن، وإن كان على نطاق أقل، كما انفصل بشكل حاسم عن إيران في مسائل السياسة الخارجية، فيما جنى مكاسب مالية من دول مجلس التعاون الخليجي.

وبعد الإطاحة بـ"البشير" مباشرة، قدمت الرياض وأبو ظبي 3 مليارات دولار للحكومة الانتقالية؛ مما ساعد على إبقائها واقفة على قدميها خلال الأشهر الأولى الحرجة.

وفي الوقت نفسه، حسّنت الحكومة الجديدة علاقتها مع الولايات المتحدة بشكل كبير.

وللمرة الأولى منذ 23 عاما، تبادل البلدان السفراء بعد أن حذى السودان حذو الإمارات والبحرين في الاعتراف بإسرائيل، وتمت إزالتها من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب؛ مما سمح بمزيد من الاستثمار الدولي.

وفي العامين التاليين للإطاحة بـ"البشير"، تمت قيادة السودان من قبل "ترويكا" غير عادية: "عبد الفتاح البرهان"، وهو جنرال بالجيش شارك في الانقلاب على "البشير"، و"محمد حمدان دقلو" قائد قوات الدعم السريع، و"عبدالله حمدوك"، وهو اقتصادي مدني ورئيس الوزراء الحالي للبلاد.

و بينما تبدو الحكومة مستقرة، لا تزال التوترات تحت السطح، لا سيما بين "البرهان" و"دقلو"، الذي قاوم اندماج قوات الدعم السريع التابعة له في الجيش السوداني. كما استمرت الاشتباكات المتفرقة بين الجانبين بالرغم من المفاوضات الجارية.

أهمية السودان للخليج

يثير احتمال تجدد الصراع في السودان قلق دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث يقع السودان على ساحل البحر الأحمر، وهو ممر مائي ذو أهمية حاسمة تمر من خلاله ما يقرب من ثُمن التجارة العالمية. وعلى أحد طرفي البحر تقع قناة السويس، وفي الطرف الآخر يقع مضيق باب المندب المجاور لليمن.

ويعد تجدد الصراع في السودان (وبالتالي خلق نقطة ثانية من عدم الاستقرار في قلب البحر الأحمر) تهديدا بالنسبة للدول المصدرة للنفط في دول مجلس التعاون الخليجي.

ولهذا حافظت السعودية والإمارات على علاقة وثيقة مع "البرهان" و"دقلو"× مما خلق مخاوف من أن الرياض وأبوظبي يمكن أن تدعما أحدهما كزعيم للسودان، حتى على حساب العملية الديمقراطية.

وقد حذرت "مجموعة الأزمات الدولية" في عام 2019 من أن دول الخليج تسعى فعليا إلى تنفيذ انتقال منظم للسلطة من نظام بقيادة الجيش إلى آخر بقيادة الجيش أيضا؛ لتجنب أي حالة من عدم اليقين قد تكون ضارة بمصالح مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا ومنطقة البحر الأحمر.

وعلى المدى القصير، ستوفر الحكومة العسكرية في السودان قدرا معينا من الاستقرار السياسي، كما ظهر مع اللواء "عبد الفتاح السيسي" في مصر.

ومع ذلك، هناك خطر متأصل في الحكم العسكري، فمن المرجح أن تقاوم حكومة عسكرية مطالب المتظاهرين السودانيين الذين أسقطوا نظام "البشير".

وإذا فشلت الحكومة الجديدة في تلبية احتياجات المواطنين، فإن استئناف الاحتجاجات قد يؤدي إلى عدم استقرار طويل الأمد، ومن المفارقات أنه قد يؤدي للنتيجة التي حاولت دول الخليج تجنبها.

وأدى انتقال السودان المنظم والناجح إلى تشجيع من الدائنين للسودان في أوروبا؛ حيث أعلن "نادي باريس"، وهو مجموعة من المقرضين الأوروبيين، في 16 يوليو/تموز، أنه سيلغي 14 مليار دولار من الديون السودانية، وأنه سيعيد جدولة مدفوعات الفوائد على 9 مليارات دولار أخرى.

 كما أدخل صندوق النقد الدولي السودان في برنامج إغاثة للبلدان الفقيرة المثقلة بالديون؛ بهدف خفض إجمالي الدين الخارجي للدولة بما يصل إلى 50 مليار دولار.

وربط صندوق النقد الدولي صراحة برنامجه للإغاثة بعملية الدمقرطة الناجحة حتى الآن في السودان.

وإذا خرجت هذه العملية عن مسارها، وعاد السودان إلى الحكم العسكري، فمن المؤكد أن الاستثمار الأجنبي سيتقلص، وقد تُفرض عقوبات؛ مما يعيد الوضع المالي غير المستقر للبلاد.

ولمنع هذه النتيجة والتصدي للظروف الصعبة في السودان، من الضروري استمرار الاستقرار السياسي.

ولحسن الحظ، يبدو شبح تجديد الديكتاتورية العسكرية بعيدا، ويبدو قادة السودان جديين في التزامهم بالانتقال الديمقراطي.

وحتى الآن، جري الالتزام بالجدول الزمني المعتمد في مسودة الإعلان الدستوري عام 2019؛ ولذلك من المقرر إجراء الانتخابات في العام المقبل.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، من المقرر حل مجلس السيادة المؤلف من 11 عضوا ، والذي يترأسه "البرهان" و"دقلو".

وبشكل حاسم، مُنع أعضاء مجلس السيادة من الترشح للمناصب السياسية؛ مما يضمن الانتقال إلى حكومة مدنية.

وإذا تم الانتهاء من هذا البرنامج وفقا للجدول الزمني، فمن المقرر أن يكون للسودان حكومة منتخبة بالكامل بحلول أوائل عام 2024.

ويمثل إكمال هذه العملية أفضل فرصة للسودان لاستمرار الاستقرار السياسي والمالي، وبالتالي للاستقرار الإقليمي أيضًا.

وسيكون العامل الأساسي الأخير في مستقبل السودان علاقته مع الولايات المتحدة.

وفي تناقض واضح مع إدارة "ترامب"، أشارت إدارة "بايدن" إلى إحياء الهدف الأمريكي طويل الأمد المتمثل في الدعوة إلى الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وقد انتقدت بعض دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة القدامى، الذين عارضوا هذا الاتجاه.

لذلك فإن الوضع في السودان يقدم للخليج فرصة نادرة.

وتلتزم الخرطوم، على الأقل من حيث المبدأ، بحكومة ديمقراطية علمانية، وهي مبادئ يدعمها الأمريكيون من جميع الأطياف دون تحفظ.

ومن خلال دعم الانتقال، يمكن للسعودية والإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى المساعدة في تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة.

ويتذكر كثير من السودانيين دعم "البشير" من قبل دول الخليج؛ لذلك فمن المفهوم قلقهم بشكل خاص من المخططات السعودية والإماراتية في السودان.

وفي الواقع، أدت حزمة المساعدات الخليجية البالغة 3 مليارات دولار في عام 2019 إلى احتجاجات من السودانيين الذين كانوا يخشون أن تُترجم الأموال السعودية والإماراتية إلى نفوذ سياسي.

ومع ذلك، لا يزال السودان في الوقت الحاضر في وضع لا يسمح له برفض المساعدات الخارجية.

ولتهدئة الشكوك، يجب على السعودية والإمارات الاستمرار في دعم الانتقال إلى حكم مدني في السودان.

وبفعلهما لذلك، فهما يُظهِران للولايات المتحدة أن الدول الثلاث تقفان مرة أخرى في نفس الاتجاه.

وبطبيعة الحال، فإن الفوائد التي تعود على دول مجلس التعاون الخليجي من وجود رئيس أمريكي ودود معهم تفوق بكثير الفوائد التي سيحصلون عليها من مستبد سوداني صديق.

المصدر | تريفور فيلساث/ منتدى الخليج الدولي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

العلاقات السعودية السودانية العلاقات الإماراتية السودانية مستقبل السودان عمر البشير عبدالفتاح البرهان

السعودية تجدد دعمها لموقف مصر والسودان في أزمة سد النهضة

بدعم سعودي.. السودان يكافح غسيل الأموال وتمويل الإرهاب