السودان: أبعد من صراع العسكر والمدنيين

الثلاثاء 5 أكتوبر 2021 03:54 ص

السودان: أبعد من صراع العسكر والمدنيين

يتوجب اليوم أن يكون ضمانة إتمام المرحلة الانتقالية التوصل لتشكيل المجلس التشريعي ومؤسسات أخرى تكفل سيرورات ديمقراطية سليمة.

مطلوب بإلحاح شديد لا يقبل تأجيلا أو تسويفا أن تحتكم المكونات السياسية السودانية بمختلف تياراتها لبرامج شعبية ووطنية كانت وراء انطلاق الثورة وانتصارها.

الصراعات اليوم ليست بين عسكريين ومدنيين بل تدور بين «المؤمنين بالتحول المدني الديمقراطي من المدنيين والعسكريين» و«الساعين لقطع الطريق أمامه من الطرفين».

المشكلات الأعمق في السودان لا تقتصر على صراعات يتخذها انقسام مجلس السيادة لعسكريين ومدنيين وانقسام قوى الحرية والتغيير لدعاة تسريع المسارات الديمقراطية الفعلية ودعاة إرجائها أو تعليقها لاعتبارات حزبية تنافسية!

*     *     *

اعتبر رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك أن الصراعات التي يشهدها البلد اليوم ليست بين عسكريين ومدنيين، بل هي تدور بين «المؤمنين بالتحول المدني الديمقراطي من المدنيين والعسكريين» و«الساعين إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين».

وقد يكون محقاً في كثير من معطيات هذا التوصيف، ما خلا أن المشكلات الأعمق في السودان لا تقتصر على تشخيص تبسيطي لأشكال الصراعات التي يتخذها انقسام مجلس السيادة إلى عسكريين ومدنيين من جهة أولى، وانقسام قوى الحرية والتغيير إلى دعاة تسريع المسارات الديمقراطية الفعلية ودعاة إرجائها أو حتى تعليقها لاعتبارات حزبية تنافسية من جهة ثانية.

الثابت أمام ناظر أبناء السودان هو غياب استحقاقات كبرى مثل تشكيل المجلس التشريعي أو تأسيس المحكمة الدستورية أو مجلس القضاء الأعلى، وهذه لم تدخل في صميم الوثيقة الدستورية فقط بل هي أيضاً مؤسسات لا تستقيم من دونها المرحلة الانتقالية أو العملية الديمقراطية بأسرها.

والمؤشر الأخطر أن هذا النقصان الفادح لا يتسبب في تعطيل عجلة الإصلاح والتطوير والدمقرطة فحسب، بل يعيد تكريس الكثير من الظواهر السلبية التي اقترنت بنظام عمر البشير البائد.

والانقسامات داخل المجلس السيادي بين العسكر والمدنيين ليست وظيفية فقط وتتعلق بالانتماء إلى الجيش أو الحياة المدنية، فالتمرد العسكري الأخير الذي كاد أن يتحول إلى انقلاب جرى من قلب المؤسسة العسكرية وهذا دليل على عدم تلاحمها بدرجة عالية أو كافية.

وكذلك فإن الانشقاقات الأخيرة ضمن قوى الحرية والتغيير تبرهن على أن الصف المدني ليس متماسكاً بدوره أو موحداً. كل هذا إذا وضع المرء جانبا واقع الاستقطاب الحاد من الطرفين بصدد ملف شائك مثل اتفاق شرق السودان في جوبا، الذي مضى عليه عام كامل ويشهد إغلاق ميناء بورسودان والطرق الحيوية شرق البلاد على تعثره أو عرقلته.

يمنح العسكر أنفسهم صلاحيات شبه مطلقة في إدارة علاقات السودان الخارجية، والانفتاح على هذا المحور العربي الإقليمي أو ذاك، والمضي أبعد في التطبيع مع دولة الاحتلال دون تفويض شرعي واضح من مؤسسة الحكم الانتقالي أو حتى من رئاسة الوزراء.

في حين يدير بعض المدنيين في المجلس التوازنات مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني من منطلقات حزبية ومهنية ضيقة لا تعلي دائماً المصالح العليا للشعب السوداني.

وبهذا المعنى فإن سلسلة من المشكلات المعيشية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، فضلاً عن الصراعات الناجمة عن مختلف المواقف منها، يشكل أجندات الاستقطاب الراهن الفعلية مثلما يعيق السير بخطوات متقدمة نحو التطبيق الفعلي لبنود الوثيقة الدستورية.

مطلوب إذن، وبإلحاح شديد لا يقبل التأجيل أو التسويف، أن تحتكم المكونات السياسية السودانية على اختلاف منابتها وتياراتها إلى البرامج الشعبية والوطنية التي كانت وراء انطلاق الثورة وانتصارها.

ويتوجب اليوم أيضاً أن تكون ضمانة إتمام المرحلة الانتقالية والتوصل إلى تشكيل المجلس التشريعي والمؤسسات الأخرى التي تكفل سيرورات ديمقراطية سليمة.

وهذه غايات عليا تخص البلد وأبناءه بصرف النظر عن الفريق العسكري والمدني، وبمعزل عن الأجندات المنفردة على اختلافها.

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

السودان، العسكر، المكونات السياسية، المجلس التشريعي، قوى الحرية والتغيير، المسارات الديمقراطية، المحكمة الدستورية، مجلس القضاء الأعلى،

حميدتي: المدنيون هدفهم السلطة ولم نناقش تسليمهم رئاسة المجلس السيادي

الصراع السياسي في السودان خلال 4 أعوام (تسلسل زمني)