استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

التطويق المتبادل بين ايران وإسرائيل

الثلاثاء 5 أكتوبر 2021 03:58 م

التطويق المتبادل بين ايران واسرائيل

استراتيجية التطويق هي الاستراتيجية الكبرى لكل من اسرائيل وايران في مواجهة بعضهما.

انسحاب تدريجي أمريكي من المنطقة وجوارها خاصة أفغانستان، يقابله تزايد هذه المكانة  الجيواستراتيجية  لكل من الصين وروسيا.

ظاهرتان تستحقان التأمل: اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين الصين وإيران مؤخرا، الى جانب انضمام ايران لعضوية منظمة شنغهاي.

تقوم إسرائيل باختراقات استراتيجية في أذربيجان وتحاول تعميق صلاتها بأكراد العراق وإيران ثم بدأت مؤخرا بتعزيز تواجدها بالإمارات والبحرين.

تحول في المكانة الجيوستراتيجية للشرق الاوسط يتضمن ميزة لصالح ايران على حساب إسرائيل فإمكانية التوظيف الإسرائيلي للوجود الأمريكي المباشر بالمنطقة اضحى موضع مناقشة واضحة.

أقامت إيران قواعد ارتكاز لها حول إسرائيل بلبنان وغزة واليمن لضبط طرق الامداد والمضائق الاستراتيجية وفي سوريا قرب العنق الاسرائيلي والعراق كعمق استراتيجيا لوجودها بسوريا ولبنان.

*     *     *

في القرن الثالث قبل الميلاد كتب الاستراتيجي الهندي كوتيليا Kautilya في كتابه  المشهور "آرثاشاسترا" Arthashastra عن العلاقة بين التحالفات والتعاون الاستراتيجي من ناحية والجغرافيا من ناحية أخرى، واشار الى مفهوم "التطويق" للعدو استنادا الى دول "الجوار الجغرافي" لذلك العدو.

ويبدو أن استراتيجية التطويق هي الاستراتيجية الكبرى لكل من اسرائيل وايران في مواجهة بعضهما، فقد تمكنت ايران من ايجاد قواعد ارتكاز لها حول " اسرائيل" في لبنان من الشمال، وفي غزة من الجنوب، وفي جوار البحر الاحمر في اليمن للتاثير على طرق الامداد والمضائق الاستراتيجية (وحاولت مع السودان قبل انقلاب السودان الاخير) وفي سوريا قرب العنق الاسرائيلي، وفي  العراق ليكون عمقا استراتيجيا لوجودها في سوريا ولبنان.

وترد اسرائيل على ذلك، باختراقات استراتيجية مقابلة، فهي تتواجد وبشكل مؤثر في أذربيجان على الحدود الشمالية لإيران الى حد ان جعلت من أذربيجان الزبون الثاني في قائمة الدول التي تشتري السلاح الاسرائيلي بعد الهند الى جانب التعاون الكبير بين البلدين في مختلف المجالات.

وتحاول تعميق صلاتها مع الاكراد في العراق وايران بجوار الغرب الايراني، ثم بدأت مؤخرا بتعزيز تواجدها في دول مجلس التعاون الخليجي بخاصة في الامارات والبحرين وبتواجد مموه في كل من عمان والسعودية.

ناهيك عن تسللها عبر اختراق لبعض التنظيمات المعارضة في سوريا ولبنان وعبر ما تسميه الادبيات السياسية الاسرائيلية "حلف الضواحي" المتمثل في الاقليات العرقية والمذهبية والدينية.

ويقوم كل من الطرفين بعمليات لسع متبادل على الطرق المؤدية الى مراكز الجوار لكل منهما، ضرب الناقلات، او تصيد الخبراء والعلماء، او محطات التنصت وشبكات التجسس والهجمات والاختراقات السبرانية.

والملاحظ أن تراجع المكانة  الجيوستراتيجية للمنطقة في الاستراتيجية الامريكية لحساب مناطق اخرى حددتها وثيقة بايدن الأخيرة وعبر عنها بوضوح الانسحاب التدريجي الأمريكي من المنطقة وجوارها خاصة من أفغانستان، يقابله تزايد هذه المكانة  الجيوستراتيجية  لكل من الصين وروسيا.

وهو ما عبرت عنه ظاهرتان تستحقا التأمل وهما اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين الصين وايران مؤخرا، الى جانب انضمام ايران لعضوية منظمة شنغهاي.

وذلك يعني ان هذا التحول في المكانة الجيواستراتيجية للشرق الاوسط ينطوي على ميزة لصالح ايران على حساب إسرائيل في هذا الجانب تحديدا، نظرا لأن امكانية التوظيف الإسرائيلي للوجود الامريكي المباشر في المنطقة اضحى موضع مناقشة واضحة.

ويبدو أن تركيا تدرك أهمية هذا التحول لكنها تريد ان توظف هذا التحول لصالحها، فهي تدعو على لسان أردوغان مؤخرا إلى الانسحاب الأمريكي من سوريا (إلى جانب ان الوجود الامريكي في العراق سيتقلص الى حد بعيد مع نهاية العام الحالي) كما انها تصر على صفقة أس-400 الروسية.

ومع تنامي الحساسيات بين أطراف الناتو الذي تمثل تركيا احد اركانه، فان المصلحة الاستراتيجية التركية ستكون اقرب للقوى التي تتزايد اهمية المنطقة لها، وهو امر لصالح ايران أيضا.

ويبدو لي ان المباراة "غير الصفرية" بين تركيا وايران تسير بشكل يرضي كلا منهما بنسبة معقولة رغم خيوط العلاقات التركية الاسرائيلية، بل إن العلاقة الصينية التركية ستتجاوز موضوع الإيغور لا سيما أن انحسار الظاهرة الدينية سيتواصل مما يظلل على ما جرى سابقا بين البلدين في موضوع الإيغور.

ذلك يعني، ان دور القوى الاقليمية المركزية في تشكيل المنطقة سيتزايد، وستستثمر هذه القوى الحاجة الاستراتيجية للقوى الكبرى الصاعدة للمنطقة، وهي قوى اقرب في رؤيتها الاستراتيجية للمنطقة لايران منها لاسرائيل (دون مبالغة في هذا الجانب) تاريخيا وحاضرا ومستقبلا.

انهارت المنظومة الاستراتيجية للمنطقة خلال العشرين سنة الماضية بسبب "ربيع يابس"، وحروب أهلية، وتفكك منظومات اقليمية، وتطبيع عربي اسرائيل، وطغيان سياسي له ملامح جديدة الى جانب ما اشرنا له من تغير في المكانة الجيوستراتيجية للقوى الكبرى.

وهذا سيدفع نحو وضع سيناريوهات مختلفة للمنطقة، ولما كانت الدول الكبرى القادمة (روسيا والصين) ومعها الدول الإقليمية المركزية (تركيا، إيران، إسرائيل) بلورت منظومتها الجيوستراتيجية عبر التطويق المتبادل، فان المنطقة العربية مقبلة على تحولات قسرية لكنها تستبطن تغيرات جوهرية سنعمل على تفصيلها في مقال آخر.

* د. وليد عبد الحي استاذ علوم سياسية، باحث في الدراسات المستقبلية والاستشراف

المصدر | فيسبوك

  كلمات مفتاحية

التطويق المتبادل، إيران، إسرائيل، تركيا، الصين، روسيا، المكانة الجيوستراتيجية، الاستراتيجية الامريكية، الشرق الأوسط، المنطقة العربية،