استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الحيوية الجديدة والوضع الإنساني الراهن

الاثنين 11 أكتوبر 2021 01:30 م

الحيوية الجديدة والوضع الإنساني الراهن

البشرية على شفى كارثة مناخية حقيقية تترى نذرها مع ضعف الاستجابة الدولية لهذا التحدي الكوني الهائل.

مشروع العلم التحكمي في الطبيعة أفضى لتحويل القدرات الحيوية الإنسانية لمادة طبيعية خاضعة للتصرف والاستغلال.

وحدة وترابط المجال الحيوي الذي يشمل بجانب البشر كلَّ الأنواع العضوية والمعدنية التي تنتمي إلى مفهوم الطبيعة في دلالاته التقليدية.

الوعي الجديد نتاج الإشكالات الأخلاقية المعقدة التي طرحتها الثورة التقنية الراهنة المرتكزة حول الطفرة الجينية والذكاء الاصطناعي.

التحديات البيئية ترتبط أوثق الارتباط بالموجة الفيروسية الحالية التي غيّرت نوعياً نمطَ العيش الإنساني منذ أن عمت جائحةُ كورونا العالمَ بأجمعه.

الرابط بين ظاهرتي التغير المناخي والموجة الفيروسية مسؤولية بشرية كبرى في إفساد توازنات الوسط الحيوي بما يهدد أمن الإنسانية صحياً بمختلف الصعد.

 ظهور نزعة حيوية جديدة في الفكر الفلسفي والاجتماعي تختلف عن المدرسة الحيوية القديمة التي كانت تنظر إلى الكوزموس كنسق حي له روحه الكونية.

وُظِّفت عقيدة مركزية الإنسان بالقرون الماضية لإفساد الطبيعة وتلويثها بما أدى لتهديد مستقبل الإنسانية في محيطها الحاضن الذي غدا غير صالح للسكن والعيش.

*     *     *

التأم في الفاتيكان مؤخراً مؤتمر القيادات الدينية حول المناخ تحت عنوان «الإيمان والعلم»، بمشاركة ممثلي المؤسسات الدينية المختلفة ورجال العلم المهتمين بالأمن البيئي للعالم.

المؤتمر هو أحد المناسبات المتكررة التي تزايدت في السنوات الأخيرة، بعد أن أصبح من الجلي أن البشرية على شفى كارثة مناخية حقيقية، لم تزل نذرها تترى رغم ضعف الاستجابة الدولية لهذا التحدي الكوني الهائل.

ولا يخفى أن التحديات البيئية ترتبط أوثق الارتباط بالموجة الفيروسية الحالية التي غيّرت نوعياً نمطَ العيش الإنساني منذ أن عمت جائحةُ كورونا العالمَ بأجمعه.

ما يربط بين الظاهرتين هو المسؤولية البشرية الكبرى في إفساد توازنات الوسط الحيوي، بما من شأنه تهديد أمن الإنسانية صحياً على مختلف الأصعدة.

ليس من همنا الوقوف عند هذه التهديدات التي أصبحت اليوم بارزةً معلنةً لا أحد يشك فيها، وإنما أردنا تبيان أثرها في الفكر الفلسفي والاجتماعي الراهن، الذي يتجاوز المنظور الإيكولوجي الضيق الذي تحمله تيارات سياسية وأيديولوجية معروفة.

ما يتوجّب التّنبيه إليه هنا، هو ظهور نزعة حيوية جديدة في الفكر الفلسفي والاجتماعي تختلف عن المدرسة الحيوية القديمة التي كانت تنظر إلى الكوزموس في شكل نسق حي له روحه الكونية.

ما يجمع بين مختلف التيارات الحيوية الجديدة، هو القول بوحدة وترابط المجال الحي الذي يشمل إلى جانب البشر كلَّ الأنواع العضوية والمعدنية التي تنتمي إلى مفهوم الطبيعة في دلالاته التقليدية.

وفق هذا التعريف الجديد، يتم تجاوز الثنائية الانتربولوجية الكلاسيكية بين الطبيعة والثقافة باعتبارها تغفل حقيقتين مركزيتين هما أن الثقافة، من حيث هي التعبير عن النشاط الإنساني الرمزي والاجتماعي، لا تتم إلا ضمن السياق الطبيعي وبالتفاعل معه، وأن المنظور الحيوي هو محور العملية الثقافية كلها.

لقد قامت الحداثة التقنية والاقتصادية على أطروحة تعنيف الطبيعة وسيطرة الإنسان عليها، بغية امتلاكها والسيادة عليها، وفق عبارات ديكارت الشهيرة.

بيد أن هذا التصور الميكانيكي للطبيعة تعارض مع اتجاه آخر محوري في الحداثة هو الاتجاه الحيوي الذي عبّر عنه سبينوزا في فلسفته النسقية القائمة على مبدأ تكثيف القدرات الحيوية للإنسان.

ما حدث من بعد هو أن مشروع العلم التحكمي في الطبيعة أفضى إلى تحويل القدرات الحيوية الإنسانية إلى مادة طبيعية خاضعة للتصرف والاستغلال، سواء تعلّق الأمر بالجسد المروض أو بالرغبة التي تحولت إلى رهان من رهانات السلطة.

تلك هي الظاهرة التي أطلق عليها الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو عبارة «السلطة الحيوية»، وفسّرها تلميذه الفيلسوف الإيطالي جورجيو أغامبن بممارسة السيطرة والتسلط على «الحياة العارية»، بالمقارنة مع مفهوم العيش المدني أو الأخلاقي الذي كان هو مادة السلطة السياسية في الفكر اليوناني والروماني القديم.

هكذا تكون النزعة الحيوية الجديدة عودةً إلى فلسفة سبينوزا في احتفائها بمبدأ تدعيم الفاعلية الإنسانية ومواجهة مخاطر التحلل والضعف في الوجود البشري.

إن هذه النزعة الحيوية الراهنة تندرج في منظور التصورات الإنسانية الحديثة، لكنها تختلف عنها في معيار أساسي، هو الخروج عن النطاق التجريدي غير المتعين لحقوق الإنسان في حريته وكرامته، من أجل الدفاع عن فكرة التناغم والترابط بين مكونات الوسط الحي في بعديه الطبيعي والبشري.

لقد ظهر من الواضح أن عقيدة مركزية الإنسان وظفت في القرون الماضية من أجل إفساد الطبيعة وتلويثها، بما أدى في نهاية المطاف إلى تهديد مستقبل الإنسانية نفسها في محيطها الحاضن الذي غدا غير صالح للسكن والعيش.

وفي السنوات الأخيرة تزايد الوعي بضرورة بناء ما أَطلق عليه المفكر السنغالي فلوين صار «الكونية الحيوية» من حيث هي المهمة الأولى والأساسية في الفكر الإنساني المعاصر، وهو يعني هنا إبداع الآليات المعيارية والقانونية والتنظيمية التي تمنح حقوقاً متوازنةً لكل مكونات الوسط الحي، بدل الانغلاق في مدونة حقوق الإنسان المجردة.

إن هذا الوعي الجديد هو من نتاج الإشكالات الأخلاقية المعقدة التي طرحتها الثورة التقنية الراهنة المرتكزة حول الطفرة الجينية والذكاء الاصطناعي.

ومن هذه الإشكالات ما يتعلق بانبثاق مخاطر أنماط جديدة من العبودية تصادر حرية الإنسان باسم تحسين قدراته الجينية، والقضاء في ظل الموجة الإلكترونية الجديدة على ذاتيته الحميمة التي هي حصة هويته الفردية وإرادته الحرة.

إن الأمر هنا يتعلق بتجديد النزعة الإنسانية ذاتها، من منطلق يتجاوز الخصوصية البشرية في نظام الكون المتناغم لإعادة تنزيل الوجود الإنساني في محيطه الحي، أي بعبارة أخرى نبذ فكرة تحرير الإنسان من قبضة الطبيعة التي شكلت الوهم الأيديولوجي للمجتمعات التقنية الليبرالية الحديثة.

* د. السيد ولد أباه كاتب وأكاديمي موريتاني

المصدر | الاتحاد

  كلمات مفتاحية

الحيوية الجديدة، البشرية، النزعة الإنسانية، كارثة مناخية، الموجة الفيروسية، كورونا، توازنات الوسط الحيوي، الطبيعة،