استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

الليبرالية الاقتصادية من المنافسة إلى الاحتكار

الاثنين 18 أكتوبر 2021 11:12 ص

من المنافسة إلى الاحتكار

ترتدّ اللّيبراليّةُ الاقتصاديّة إلى مبدأين: حريّة التملُّك، والحقّ في المنافسة.

بدأتِ اللّيبراليّةُ الاقتصاديّةُ دفاعاً عن حقٍّ جماعيّ في التّملُّك الخاصّ والمنافسة الحرّة، لكنّ الرّأسماليّة انتهت بها إلى النّقيض!

دشّن قيام الرّأسماليّة الماليّة انتقالاً حاسماً في الرّأسماليّة عينِها من طور المنافسة الحرّة إلى طور الاحتكار: طّور الإمبرياليّة.

انتهت الرأسمالية إلى ليبراليّة وحشيّة داروينيّة البقاءُ فيها للأقوى فحسب: الأقوى الذي يبتلع الأضْعَفِين ويفرض شروطه وشريعتَه؛ وذلك هو الاحتكار.

أكثر حركات الاستعمار في العالم انطلقت من ثمانينات القرن 19 وغَمَرت القارّات الثّلاث. وعليه، كان طورُ الاحتكار هو طوْر نهب المستعمَرات بامتياز.

كانت السّمةُ الرّئيسية للإمبرياليّة (الرّأسماليّة الاحتكاريّة) تحطيم حدودها القوميّة وحدود العالم حولها بقصد التّوسُّع فاقتضى ذلك منها أن تتخذّ شكلاً كولونياليّاً متزايداً.

تقتضي حريّة التّملّك الحقَّ في حيازة حريّة الاستثمار لأنّ فيها تعظيماً للملْكيّة ويفترض الحقُّ في المنافسة رفعاً لقيود الدّولة عليها وتحريراً للاقتصاد والإنتاج من تدخُّلها المباشر.

*     *     *

ترتدّ اللّيبراليّةُ الاقتصاديّة إلى مبدأين: حريّة التملُّك، والحقّ في المنافسة. تقتضي حريّة التّملّك الحقَّ في حيازة حريّة الاستثمار لأنّ في هذا تعظيماً للملْكيّة؛ ويفترض الحقُّ في المنافسة رفعاً لقيود الدّولة عليها وتحريراً للاقتصاد والإنتاج من تدخُّلها المباشر.

في الحاليْن، ليس من دورٍ للدّولة - في عدسة اللّيبراليّة - سوى ضمان حريّة المبادرة الاقتصاديّة وحمايتها قانوناً؛ إذِ الملْكيّة الخاصّة، عندها، من مقدّسات المجتمع والدّولة التي ما نَشَأتِ الدّولةُ إلاّ لإحاطتها بالحماية.

 واللّيبراليّةُ في تعبيرها النّظريّ، من جون لوك إلى آدم سميث، لا تعدو أن تكون تنظيراً لحركةٍ اقتصاديّة انطلقت فعلاً، منذ القرن السّابع عشر، في إنجلترا - ابتداءً - ثمّ في فرنسا والولايات المتّحدة، قبل أن تبدأ في ألمانيا وإيطاليا فتشمل، بعد ذلك، سائر بلدان القارّة.

وهي هي حركةُ الإنتاج الرّأسماليّ التي ستشهد على اندفاعتها الكبرى في القرن الثّامن عشر؛ في مناخ الثّورة الصّناعيّة. وقد استقامت وانتظم أمرُها على مقتضى مبدأ المزاحمة أو المنافسة بين قواها الرّأسماليّة من شركاتٍ ومجموعات مصالح.

وكما اقتضَتِ المنافسةُ فَتْحاً عسكريّاً للأسواق في الدّاخل، وتحريراً للأسعار وإخضاعاً لها لقوانين العرض والطّلب، كذلك اقتضت - في مرحلةِ لاحقة من القرن الثّامن عشر- فتْحاً عسكريّاً لأسواق الخارج، وتوفيراً للموادّ الخامّ الخارجيّة ولليد العاملة الرّخيصة.

فكانت إجابةُ هذه الحاجات الجديدة، لدى قوى المنافسة الاقتصاديّة الرّأسماليّة، إيذاناً بانطلاق الحقبة الكولونياليّة (الاستعمارية) في النّظام الاقتصاديّ اللّيبراليّ.

وهكذا أتى الاستعمار يعيد إنتاج النّظام الرّأسماليّ ويخرجه من أزمته التي وضَعها فيه ضِيقُ الأسواق القوميّة الدّاخليّة وشحّ الموارد الطّبيعيّة الغنيّة (المعدنيّة خاصّةً)، فَيَفْتَحَهُ على طورٍ جديدٍ من التّطوُّر.

 غير أنّ احتداد المنافسة بين قواها أطاحها عند لحظةٍ من اشتدادها؛ أي عند اللّحظة التي تحوّلت إلى عبءٍ على بعضها، وإلى كابحٍ في وجه تعظيم مصالحه. وكانت النّتيجة أنّه شُرِع في تصفية المنافسة من طريق ابتلاع الأقوى فيها للأضعف، الأمر الذي تحوّلت معه إلى احتكار.

بدأت هذه السّيرورة نحو الانتقال من المنافسة إلى الاحتكار في ثمانينات القرن التّاسع عشر، وساعد على نجاحها ما بدأ من تحوُّلٍ داخل النّظام الرّأسماليّ نفسِه من اندماج بين الرّأسمال الصّناعيّ والرّأسمال البنكيّ، ونشوء رأسمالٍ جديد منهما هو الرّأسمال الماليّ، وميْلٍ متزايدٍ إلى تكوين تروستات أو كارتيلات كمجمّعات إنتاجيّة.

هكذا سيدشّن قيام الرّأسماليّة الماليّة انتقالاً حاسماً في الرّأسماليّة عينِها من طور المنافسة الحرّة إلى طور الاحتكار: طّور الإمبرياليّة.

 ولمّا كانت السّمةُ الرّئيسية للإمبرياليّة أو (الرّأسماليّة الاحتكاريّة) هي تحطيم حدودها القوميّة وحدود العالم مِنْ حولها قصد التّوسُّع، اقتضى ذلك منها أن تتخذّ شكلاً كولونياليّاً متزايداً.

لذلك لا غرابة في أنّ أكثر حركات الاستعمار في العالم انطلقت من ثمانينات القرن التّاسع عشر وغَمَرت القارّات الثّلاث. وعليه، كان طورُ الاحتكار هو طوْر نهب المستعمَرات بامتياز.

لكنّ التّدافع بين الإمبرياليات الكبرى على المستعمَرات والأسواق والأملاك (الاستعماريّة) ومناطق النّفوذ استَجَرَّ، موضوعيّاً، صراعاتٍ طاحنةً بينها اسْتَفْحَلَت إلى الحدّ الذي انفجرت فيه وباتت حروباً ضاريةً.

ولم تكن الحربان العالميّتان الأولى والثّانيّة إلاّ الشّكل المُكَبَّر لتلك الصّراعات المندلعة على المصالح بين تلك الإمبرياليّات.

 لم ينته الاحتكار بجلاء الاستعمار عن المستعمرات، تحت ضربات حركات التّحرّر الوطنيّ؛ بل هو استمرّ وتَعَاظَم قوّةً واتّسع نطاقاً أكثر من ذي قبل.

ولقد بَدَا، في الحقبة ما بعد الكولونياليّة، في غيرِ حاجةٍ إلى جيوشٍ تَحْرُس له المصالح في بلدان الجنوب؛ فهو نجح - طَوال وجوده فيها - بالرّسملة والبنى التي ازْدَرَعَها فيها أن يشُدّها، بألفِ آصِرَةٍ، إلى المتروپولات الرّأسماليّة.

هكذا أتتْ علاقاتُ التبعيّة التي تشدُّ هذه البلدان إلى تلك المراكز تقوم مقامَ الجيوش والإدارات الاستعماريّة المباشرة، وتُؤمِّن لتلك الاحتكارات مصالحها.

ثمّ لن تلبث رأسماليّة الاحتكار أن شهدت على طور منها جديدٍ وأعلى هو طور العولمة؛ ففي العولمة أخذ الاحتكار مداهُ الأبعد، وبات مألوفاً أن تنشأ مجموعات بنكيّة واستثماريّة وصناعيّة أضخم تقطع الطّريق على أيّ منافسة.

بدأتِ اللّيبراليّةُ الاقتصاديّةُ، إذن، دفاعاً عن حقٍّ «جماعيّ» في التّملُّك الخاصّ والمنافسة الحرّة، لكنّ الرّأسماليّة انتهت بها إلى النّقيض: إلى ليبراليّة وحشيّة من طبيعةٍ داروينيّة البقاءُ فيها للأقوى فحسب: الأقوى الذي يبتلع الأضْعَفِين ويفرض شروطه وشريعتَه؛ وذلك هو الاحتكار.

* د. عبد الإله بلقزيز كاتب وأكاديمي مغربي

المصدر | الخليج

  كلمات مفتاحية

المنافسة، الإمبريالية، الاحتكار، الليبرالية الاقتصادية، الرأسمالية، الغرب، داروينية، استعمار،