استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

قمة العالم بين الأمس واليوم.. متفرقات من الذاكرة

الخميس 21 أكتوبر 2021 07:47 ص

قمة العالم بين الأمس واليوم.. متفرقات من الذاكرة

لم تسمح أمريكا بأن تتغير صفات النظام الدولى أو خصائصه، وإن تغيرت أوزان القوى الممثلة له.

روسيا سعيدة بحالها وبما تجنيه وتجمعه من انحدار أو انسحابات أقطاب أخرى سعيدة بوضعها الراهن ولا تتمنى أي تغيير.

صرنا نشك بصلاحية نظام مجلس الأمن بوضعه الراهن وبأوضاع أغلب أقطابه دائمي العضوية لأداء مهمة حفظ أمن وسلام العالم.

تعود بريطانيا الآن وبصعوبة أكبر تسعى لاستعادة دور ارتضته لنفسها منذ الحرب العالمية الثانية كمساعد أو تابع أصغر للقطب الأمريكى برتبة قطب دولي.

نتساءل بعد كل التغيرات التى طرأت على مكونات النظام الدولى ممتدة إلى بعض مفاهيمه الأساسية ألم يحن وقت تغيير بعض صفات النظام وخصائصه ومهامه؟

«هناك الآن فى العالم انقسامات جديدة، وهناك تحالفات جديدة، وهناك فوضى أو تفاعلات عنيفة فى كل مكان». و«القوة العظمى حالة وليست مجرد مواصفات»!

فرنسا القطب الثالث بالحلف الغربى تكاد لا تقوى على تحمل واجبات قيادة الاتحاد الأوروبى لدى تغيب ميركيل وغياب محتمل لحكومة ألمانية قوية ومتجانسة قادمة.

سياسة روسيا الراهنة بالشرق الأوسط لا تضيف الكثير لمكانتها كقطب دولي وأشك أن لديها أسباب مقنعة تبرر استخدامها المرتزقة وأساليب ملء الفراغات بمواقع غير مترابطة.

أمريكا، الوحيدة بين الدول الكبرى ما زالت قوة عظمى رغم تدهور أصاب سلوكيات نخبها الحاكمة والطبقة السياسية لكنها مؤخرا تتصرف كعملاق فقد التنسق بين أطرافه وعضلاته!

*     *     *

تساءلنا يوم سقطت الشيوعية وانفرط الاتحاد السوفياتى وحلت روسيا محله إن كان النظام الدولى سوف يحتفظ بصفاته وخصائصه التى صاغتها الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية.

علما بأن أمريكا قبل عقدين من الانفراط السوفييتى كانت قد سمحت ضمنيا ثم رسميا لحكومة الصين الشعبية بالحلول في مقعد الصين بمجلس الأمن الدولي وغيره من أجهزة الأمم المتحدة محل حكومة الصين الوطنية.

كانت روسيا المنزوعة الإمبراطورية أقل سمعة ووزنا وقوة من الاتحاد السوفياتى، وفى حالة الصين كانت الصين الشعبية أعلى سمعة وأثقل وزنا وأعظم قوة، وفى الحالتين لم تسمح أمريكا بأن تتغير صفات النظام الدولى أو خصائصه، وإن تغيرت أوزان القوى الممثلة له.

*     *     *

نتساءل هذه الأيام مرة أخرى. نتساءل بعد كل التغيرات التى طرأت على كثير من مكونات النظام الدولى ممتدة إلى بعض مفاهيمه الأساسية إن لم يحن وقت تغيير بعض صفات النظام وخصائصه ومهامه.

هل نحن بصدد مرحلة أخرى من العناد الأمريكى معنية بالحفاظ على النظام القائم بدون تغيير يذكر، أم نحن على وشك أن نشهد جهودا صينية مكثفة وربما غاضبة من أجل إقامة نظام دولى جديد، أم أننا مقدمون على العيش المشترك فى إطار نظام دولى هجين!

نظام يجمع خصائص من القديم مع خصال استجدت وفرضت نفسها وصار الاستمرار فى تجاهلها أو تأجيلها مكلفا لكل من أمريكا وبريطانيا بخاصة، وربما روسيا، وإن كنت أميل أحيانا إلى أن هذه الأخيرة سعيدة بحالها وبما تجنيه وتجمعه من انحدار أو انسحابات أقطاب أخرى، سعيدة بوضعها الراهن ولا تتمنى أى تغيير.

*     *     *

تذكرت اجتماعا جرى مع شو اين لاي رئيس وزراء الصين فى مكتبه بالعاصمة بكين. لم تكن المرة الأولى التى أقابل فيها الرجل. المرة الأولى كانت عندما التقينا قبل أربعة عشر سنة من هذا الاجتماع فى مناسبة عامة بالعاصمة الصينية عندما كنت أعمل بالدبلوماسية.

دار الحوار ليلتها مع رئيس الوزراء حول قضايا الغذاء وأرقام الاستهلاك والعلاقة بين ثلاثي الحكم الحزب والحكومة والجيش. وكلها أمور بالمقارنة بالصين الراهنة تجاوزتها الظروف إذ كنا نتحدث عن شعب عدد أفراده لم يتجاوز بكثير الستمائة مليون نسمة، وكانت العلاقات بين الحزب وكل من الجيش والحكومة شديدة التوتر.

كان الحزب يمر فى أشد مراحل الانتقال قسوة إذ لم يكن قد مضى على وصوله بكامل قيادته إلى العاصمة أكثر من عشرة أعوام، بمعنى آخر كان الحزب حديث العهد بحياة ومشكلات أهل المدن.

كان الهم الأكبر الداخلى هو الاهتمام بحماية الثوار من أمراض المدينة وفسادها وكان الهم الأكبر الخارجى حماية الثورة الصينية من ضغوط وتدخلات الاتحاد السوفياتى.

*     *     *

مرت سنوات وعدت إلى الصين مع الزميل فى الدبلوماسية والبحث الأكاديمى سميح صادق ضمن رحلة آسيوية واسعة شملت الصين واشترك فى الإعداد لها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية حديث النشأة أو التسمية والمتفرع من مؤسسة الأهرام. قاد الوفد الأستاذ محمد حسنين هيكل بعد اجتماعات تحضيرية عديدة.

كانت الصين محطتنا الأولى فى الرحلة. وصلنا بكين نحمل قناعات أهمها ثقتنا جميعا فى أن سنوات قليلة تفصل بيننا وبين أن تصبح آسيا قارة تقود أحداث المستقبل. كان من قناعاتنا أيضا توقع اتساع الفجوة بين قطبي الشيوعية، الصين والاتحاد السوفياتي.

ولا شك أن المناقشات الأيديولوجية الساخنة التى جرت بين الزميل محمد سيد أحمد والسيد شو اين لاى كانت أقوى دليل على أهمية هذا التوقع من جانبنا والجانب الصيني.

*     *     *

كانت جلسة ممتعة امتدت لساعات طويلة أبدع فيها الجميع. كان هيكل رائعا كنموذج لصحفى قادر على إبهار محدثيه من الأجانب. أنا شخصيا أعلم كم من الكتب عن الصين قرأ قبيل انطلاق الرحلة وكم من الدارسين لآسيا أو فى آسيا قابل ليسأل عن كل كبيرة وصغيرة.

انبهرنا بذاكرته. كنا نجتمع مرتين بعد كل زيارة لمسئول كبير. المرة الأولى نجتمع، محمد سيد أحمد وسميح صادق والصحفى اللامع حمدى فؤاد وأنا، لنراجع مذكراتنا عن اللقاء، ثم ينضم إلينا هيكل لنكتشف أنه وهو الذى لا يكتب أثناء اللقاءات جمع من الملاحظات عن المسؤول وحاشيته واللوحات أو الصور المعلقة على حوائط الغرفة أكثر من كل ما جمعنا نحن الأربعة.

أمتعنا أيضا فى تلك الجلسة المطولة وفى جلسات أخرى كثيرة محمد سيد أحمد، كان ببساطته وذكائه وخفة ظله وإنسانيته عبقرية ناطقة ومتحركة. عبقرية لا تهدأ ومتجددة أذهلت الطرف الآخر.

*     *     *

أذكر لشو اين لاى وصفه الوضع الدولى فى ذلك الحين بالكلمات التالية «هناك الآن فى العالم انقسامات جديدة، وهناك تحالفات جديدة، وهناك فوضى أو تفاعلات عنيفة فى كل مكان». وعندما سئل عن تعريفه للقوى العظمى قال «القوة العظمى حالة وليست مجرد مواصفات».. عدت قبل أيام إلى أوراق أسجل فيها انطباعات سياسية. قرأت ما سجلت.

وعلى الفور وجدت نفسى أقارن بين حال العالم فى ذلك الوقت كما وصفه شو اين لاى وما بدا لى فى أوراقى أنه اجتهادات شخصية عن عالم اليوم.

أمريكا، الوحيدة بين الدول الكبرى التى ما زالت تستحق صفة القوة العظمى رغم التدهور المريع الذى أصاب سلوكيات نخبها الحاكمة والطبقة السياسية عموما، رأيتها فى السنوات الأخيرة تتصرف كعملاق ضخم فقدت أطرافه وعضلاته التنسيق الضرورى بينها، وهو التنسيق الذى يضمن تحركها باتزان وحسابات دقيقة.

أو لعلها كما وصفها أحد كبار المعلقين صارت مثل باخرة كبيرة عابرة للمحيطات لا تتمكن من تغيير اتجاهها إلا بصعوبة بالغة وببطء شديد. لا اختلاف كبير فى هذا الشأن بين عهد ترامب وعهد بايدن وبخاصة فى شأن مواجهة ضرورات إصلاح البنية التحتية ووقف تدهور نظامها الديمقراطي والرأسمالي.

*     *     *

لاحظت أيضا كيف أن بريطانيا وقد فقدت نهائيا وقطعيا صفة العظمى التى ورثتها عن أيام الإمبراطورية التى لا تغرب عنها الشمس وقد انضمت إلى أوروبا ولم تجد فيها مكانا مريحا، ثم تخلصت وبصعوبة بالغة عن صفتها الأوروبية.

وهى الصفة التى كادت تلصق بها خلال عضويتها فى الاتحاد الأوروبى، ها هى تعود الآن وبصعوبة أكبر تسعى لاستعادة الدور الذى ارتضته لنفسها منذ الحرب العالمية الثانية كمساعد أو تابع أصغر للقطب الأمريكى برتبة قطب دولي.

رأيناها مؤخرا تلعب هذا الدور بامتياز لتكسب لأمريكا ولنفسها ولأستراليا حلفا جديدا، فيه من روح الانتقام من فرنسا التى جعلتها تذوق الأمرين أثناء مفاوضات البريكسيت أكثر مما فيه من أي شيء آخر مثل التنبه إلى ضرورة استعادة روح القومية الأنكلوسكسونية.

نراها أيضا تقف أمام نقابات سائقى اللوريات الأوروبية الذين فقدوا وظائفهم فى بريطانيا مع البريكسيت، تقف متسولة إنقاذ اقتصادها من أزمة نقل وتوزيع الوقود.

*     *     *

لا أبالغ إن قلت أننى وجدت فرنسا القطب الثالث فى الحلف الغربى تكاد لا تقوى على تحمل واجبات قيادة الاتحاد الأوروبى فى حال تغيب منطقى من جانب السيدة أنغيلا ميركيل وغياب محتمل من جانب حكومة ألمانية قوية ومتجانسة قادمة.

وجدت بين ما وجدت وهو كثير أن ماكرون بذاته أو فرنسا القطب الدولي تتلقى فجأة هذا الكم من الإهانات من حكام أفارقة وعرب. كلنا، إلا قليلون، لم يفتنا منظر وعواقب الصدمة التى تلقاها الرئيس الفرنسى نتيجة تدخله فى الشأن اللبنانى. رأينا فرنسا محشورة فى لبنان فى مواقف لا تحسد عليها.

شمت البريطانيون شماتة كبيرة وشمت بعض الأمريكيين والروس. ثم وجدنا من يخرج ليحكى لنا قصة إدخال فرنسا عضوا بين الأقطاب الخمسة أعضاء مجلس الأمن خلال محادثات إنشاء الأمم المتحدة. نعرف الآن أن أمريكا أدخلتها بعد تردد كبير.

لم تتمتع فرنسا فى ذلك الوقت بسمعة تليق بصفة القوة العظمى أو بالعضوية الدائمة فى مجلس الأمن. وسواء كان فى القصة اختلاق أو مبالغة تبقى السلوكيات الفرنسية الأخيرة فى الخارج كما فى الداخل ومطالب الاعتذار والتعويض الصادرة من الدول الخارجة من تحت الاستعمار الفرنسى تستوقف المراقب أو المحلل.

*     *     *

روسيا العضو الخامس دائم العضوية فى مجلس الأمن ورثت المنصب مثل بريطانيا ربما عن غير حق. ولكن هل يصح أن تظل حاملة للقب القوة العظمى بعد زوال الإمبراطورية الأوراسية الواسعة الأرجاء.

شهدت المرحلة الانتقالية التى أطلقها عهد الرئيس يلتسين بداية تراجع النفوذ الروسى داخل أوروبا بخاصة وفى أنحاء أخرى من العالم بشكل عام. أظن أن السياسة الروسية الراهنة فى الشرق الأوسط مثلا لا تضيف الكثير إلى مكانة روسيا كقطب دولى.

أشك أن لدى موسكو أسباب مقنعة تبرر استخدامها المرتزقة وأساليب ملء الفراغات فى مواقع غير مترابطة الأهداف والخلفيات. أحيانا أجد صعوبة فى فهم المصلحة وراء وجود روسيا، القطب العظيم، فى موقع بسوريا أو ليبيا أو مثلهما مثل وجود تركي أو وجود خليجي.

*     *     *

تغيرت صورة العالم. تغيرت أيضا صورة أقطاب النظام الدولى. شو اين لاى كان على حق عندما اعتبر القوة العظمى حالة وليست وضعا مستقرا ثابت المواصفات.

الآن وعلى ضوء معطيات الواقع صرنا نشك فى صلاحية نظام مجلس الأمن بوضعه الراهن وبأوضاع أغلب أقطابه الدائمى العضوية لأداء مهمة حفظ أمن وسلام العالم.

* جميل مطر مفكر سياسي ودبلوماسي مصري سابق

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

العالم، النظام الدولي، مجلس الأمن، القوة العظمى، روسيا، بريطانيا، أمريكا، الصين، فرنسا،