أفغانستان.. حروب الوكالة الإقليمية جزء من صراع القوى العظمى

الأحد 24 أكتوبر 2021 02:58 ص

لا يمكن استشراف مصير أفغانستان إلا بالنظر في جذورها التاريخية، خاصة تاريخها تحت الاستعمار والذي ولد هذا البلد من خلاله.

ومن الصعب تسمية أفغانستان بـ"الدولة"، على الأقل بالمعنى الحديث للمصطلح، حيث تُعرّف الدولة حاليًا بـ3 عناصر حيوية هي: منطقة محددة وهوية وطنية وحكومة ذات سيادة، وإذا فقدت واحدة من الثلاثة، تكون الدولة المعنية دولة "فاشلة" أو "ضعيفة".

تتمتع أفغانستان بحدود واضحة (وإن كانت سهلة الاختراق)، كما تمارس حكومة "طالبان" الجديدة سيادة الحكم بالأمر الواقع، ولكن لم تتشكل أبدًا "هوية وطنية" في أفغانستان، ولهذا السبب؛ فغالبًا لم يحقق الأفغان الوحدة والتماسك في الفترات التاريخية الحاسمة خلال القرنين الماضيين.

وأدى افتقاد مفهوم "الهوية الوطنية" إلى حرمان أفغانستان من تصور متماسك للجنسية ومن نموذج لحكومة تمثيلية يمكن أن تدمج المناطق المتباينة في البلاد، لكن هذه الأحداث في حد ذاتها هي نتيجة لأسباب أخرى يمكن معرفتها من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: لماذا افغانستان؟ ولماذا حلّ مثل هذا المصير بهذه الأرض؟ وما هي العوامل التي أوصلت أفغانستان إلى ما هي عليه الآن؟

الإجابة معقدة، ولكن يمكن الإجابة على هذه الأسئلة بطريقتين؛ الجواب البسيط هو "الاستعمار"، وأما الجواب الأكثر دقة فهو "الجغرافيا السياسية".

ساحة لصراع القوى الكبرى

يعود ميلاد أفغانستان إلى المنافسات الاستعمارية البريطانية والروسية قبل قرنين من الزمان. فعندما غزت بريطانيا الشرق الأوسط في القرن 18، حاولت تعزيز مكانتها من خلال إضعاف الدول الشاسعة التي واجهتها.

وكانت هذه الاستراتيجية فعالة في التعامل مع إيران والإمبراطورية العثمانية وحتى الهند لأن تقسيم الدول الكبيرة أدى إلى إنشاء دول أصغر وأكثر عجزًا وأقل تماسكًا يمكن إجبارها بعد ذلك على الخضوع للمطالب الاستعمارية. ويمكن اعتبار تفكك إيران الكبرى والهند والإمبراطورية العثمانية تأكيدًا على نجاح هذه الاستراتيجية.

وبعد ولادة كيان غير متجانس مثل أفغانستان، ظهرت تساؤلات أخرى منها: ماهي أهميته لجيرانه وللقوى الإقليمية والعالمية؟ وربما تكون الجغرافيا هي الإجابة الأكثر دقة على هذا السؤال.

تقع أفغانستان في قلب آسيا الوسطى، وقد أصبحت مركزًا للصراع بين مصالح الشرق والغرب، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول.

ومع أحداث 11 سبتمبر/أيلول وغزو أفغانستان والعراق، تصاعد الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط والذي بدأ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحرب عام 1991 لتحرير الكويت. وبعد أن ساعدت الولايات المتحدة عن غير قصد في تشكيل نواة حركة "طالبان" على الحدود الأفغانية الباكستانية في أوائل التسعينيات، أصبحت المنطقة مرتعًا للتطرف والإرهاب، ما أدى إلى وجود أمريكي كبير ودائم في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، سعت الصين وروسيا (اللتان كانتا في طريقهما لأن تصبحا أقوى) إلى تحقيق مصالح أكبر في آسيا الوسطى، وسعت إيران إلى أن تكون الجانب الثالث من المثلث الشرقي.

ومع صعود الصين خاصة في العقد الماضي، شرعت الولايات المتحدة في تركيز استراتيجيتها تجاه آسيا، في محاولة لـ"احتواء" الصين كما فعلت مع الاتحاد السوفيتي.

وبعد عقدين من الحرب، قررت إدارة "بايدن"الانسحاب من أفغانستان، مما أدى إلى اضطراب الوضع الأمني ​​الهش بالفعل في المنطقة، حيث عانت آسيا الوسطى دائمًا من الاضطرابات نتيجة انتشار الفقر والأمية والافتقار للعلاقات السياسية والتجارية مع الأجزاء الأخرى من العالم.

وأدى فراغ القوة الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة إلى عودة ظهور "الحركات المتشددة"، كما يتضح من استيلاء "طالبان" السريع على أفغانستان وصعود منافسها تنظيم "الدولة الإسلامية ولاية خراسان".

أهمية الجغرافيا السياسية

يعتبر صعود "طالبان" جزءا من تغيير أكبر في السياسة الدولية، ولا يمكن تحليل التطورات الأخيرة دون النظر إلى "الحرب الباردة" الجديدة بين الولايات المتحدة والصين (وإلى حد أقل روسيا)، ويعد دور "طالبان" استمرارًا أو تعزيزًا للحروب بالوكالة التي تقودها إيران والسعودية في المنطقة.

ومع صعود "طالبان" يمكن للسعودية الانخراط في صراع بالوكالة على الحدود الشرقية لإيران كرد فعل على النفوذ الإيراني المتزايد على حدود السعودية.

ووفقًا لمسؤولين بريطانيين وأمريكيين، تلقت "طالبان" دعمًا مبكرًا (وإن كان غير مباشر) من كل من السعودية والولايات المتحدة؛ حيث تم تمويل الحركة في البداية من تبرعات سعودية، واعترفت المملكة بحكمها في التسعينيات وأقامت علاقات مع حكومتها، على أمل استخدامها كسلاح ضد إيران.

ولكن بعد 11 سبتمبر/أيلول، أنهت السعودية اعترافها بالحركة (عبر صمت طويل الأمد) ودعمت الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب.

ويعتبر موقف السعودية من عودة "طالبان" مهم أيضًا، حيث لعبت الحركة دورًا في التوترات بين السعودية وقطر في عام 2017، حين وجهت الرياض اتهامات للدوحة بدعم الإرهاب، وقال القائم بالأعمال في سفارة السعودية في كابل "مشاري الحربي": "تنظر الرياض الآن إلى طالبان باعتبارها جماعة إرهابية مناهضة للحكومة، وهذا هو الموقف الرسمي للحكومة السعودية".

ومع ذلك، فإن تعليقات وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان آل سعود" بعد سيطرة "طالبان" على كابل تشير إلى تحول في الموقف السعودي.

وبعبارة أخرى، يمكن فهم الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران على أنها تنافس صغير في قلب معركة أكبر بكثير بين الصين والولايات المتحدة.

وما لم تكن أفغانستان قادرة على تحويل نفسها من ساحة لعب للقوى الإقليمية والدولية إلى دولة مستقرة نسبيًا، فسيكون من السهل التلاعب بها من قبل تلك القوى.

وسيكون هذا مصيرًا سلبيًا للغاية؛ لأن المصالح السياسية والاقتصادية للقوى الكبرى لا تنضب، وتؤدي دائمًا إلى استغلال الدول الضعيفة لإعادة تشكيل ميزان القوى في العالم.

المصدر | فارزين زاندي - منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

أفغانستان حرب بالوكالة السعودية إيران التنافس السعودي الإيراني صراع القوى العظمى الانسحاب الأمريكي من أفغانستان طالبان

وفد طالبان في اجتماع موسكو: تضرر استقرار أفغانستان لا ينفع أحدا