استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

حوار «اللجان الشعبية» في تونس

الأربعاء 27 أكتوبر 2021 08:59 ص

حوار «اللجان الشعبية» في تونس

النازلون تباعا من حافلة قيس سعيد أدركوا أن سياقتها الرعناء ستقود إلى مأساة حقيقية.

شعار الشعب يريد لا يعني إلا قيس سعيد يريد مع دائرة ضيقة جدا أحاط بها نفسه وما زالت تعاني نفس عقد وأحلام سنوات نضال الجامعة الطويلة.

الجديد «صدمة» جعلت بعض مناصري الرئيس من سياسيين وأكاديميين يعربون عن قلقهم من أخذه البلاد لتجربة لا تبتعد كثيرا عن «اللجان الشعبية» لمعمّر القذافي.

ثلاثة أشهر كافية ليدرك الجميع في تونس أن تدابير قيس سعيد لا علاقة لها بمجابهة خطر داهم يهدد البلاد بل هي استحواذ على السلطة لهندسة تونس خارج مرجعية دستورية أو عقد اجتماعي جديد.

سيدرك من بقوا سعداء بغوغائية وشعارات السيادة والتحرر الوطني ووضع حد للاستقواء بالأجنبي أين ستقودهم انتهازيتهم أو حسن نواياهم حين ترتطم الحافلة بصخور أول منعرج أو حين تسقط في جرف هار بانفلات إحدى عجلاتها.

*     *     *

ثلاثة أشهر لا غير كانت أكثر من كافية حتى يدرك الجميع تقريبا في تونس أن ما قام به قيس سعيد لا علاقة له بمجابهة «خطر داهم» يهدد البلاد ولا بدفع «خطر جاثم» وإنما هو باختصار شديد عملية استحواذ على السلطة لإعادة هندسة تونس خارج كل مرجعية دستورية أو عقد اجتماعي جديد.

القصة كانت واضحة منذ البداية، ومع ذلك جاء «الحوار الوطني» الذي أعلن الرئيس عن قرب تنظيمه مع الشباب تحديدا، وعلى غير الصيغ المتعارف عليها لأي حوار جدي، لترفع الغشاوة عن أعين البعض وليس الكل.

هذا الحوار لن يتناول قضية التنمية أوكيفية الخروج بالبلاد من أزمتها الاقتصادية أو كيفية إصلاح مؤسساتها الديمقراطية وإنما سيتناول مع الشباب تحديدا مراجعة الدستور والنظامين السياسي والانتخابي عبر تطبيقات إلكترونية معينة، وهو حوار لا علاقة له البتة لا بما تطالب به القوى الوطنية ولا الدولية.

وفي هذا السياق جاءت تصريحات الأمين العام للاتحاد العام التونسي التي قال فيها إن البلد ليس لعبة، وإنه لا يحق لأحد أن يقرر مستقبل البلاد دون التشاور والتنسيق مع الاتحاد، وهي تصريحات قوية حتى وإن حاول تخفيف وطأتها لاحقا بحديثه أن لا قطيعة بينه وبين الرئيس.

وإذا ما تركنا جانبا حزبا واحدا ما زال متناغما مع الرئيس فهناك شبه إجماع بين كل الأحزاب على استهجان أن يقود سعيّد البلد منفردا بالشكل الذي يفعله الآن بغرض فرض أفكاره مستعينا بقوة الدولة وأجهزتها.

لكن الجديد هو ما بدا «صدمة» جعلت بعض مناصري الرئيس من شخصيات سياسية وأكاديمية يعربون مؤخرا عن قلقهم من أخذ الرئيس البلاد إلى تجربة لا تبتعد كثيرا عن تجارب «اللجان الشعبية» لمعمّر القذافي!

من خلال هذا الحوار الوطني الذي يستقي حتى بعض مفرداته من نفس القاموس من قبيل «تصعيد» المندوبين الذين يزعمون تمثيل الشعب من المحليات إلى الولايات (المحافظات) إلى الصعيد الوطني العام.

أحد هؤلاء المناصرين قال إن سعيّد بما يفعله «سيجعل تونس أضحوكة العالم» وآخر اتهمه وجماعته دون أن يسميهم «بالضعف والفقر في الفهم السياسي في إدارة الشأن العام» فيما كتب آخر أنه «لا يحق لأي منا أن يجرب ما يراه ويرتهن مستقبل الأمة بأكملها» وأن ما يجري التخطيط له من «حوار وطني» على طريقة سعيّد يسير بالدولة نحو «التفكك».

من نددوا بما أقدم عليه قيس سعيد منذ اليوم الأول حكموا على الأمر وفق المبادئ وليس الهوى أو النكاية، رغم قتامة الوضع الذي كان سائدا.

هؤلاء الذين تعرضوا وما زالوا إلى حملات تنمر وتخوين وتشويه، من الرئيس نفسه ومؤيديه، لم يكونوا أكثر فطنة من غيرهم لكنهم غلّبوا منطق احترام قواعد اللعبة والمؤسسات الديمقراطية وضرورة الاحتكام الدائم لصناديق الاقتراع.

لهذا رأوا أن ما أقدم عليه سعيّد لا يمكن أن يقود إلاّ إلى نتائج من قبيل ما نشهده حاليا، خاصة بعدما اتضح جيدا مزاج الرجل.

في المقابل من رحّبوا بخطوة الرئيس في 25 يوليو/ تموز لم يتوقفوا عند خطورتها، ولا هم كلّفوا أنفسهم عناء التساؤل عن تداعياتها المحتملة، وما الذي يمكن أن يغري الرئيس للمضي إلى خطوات أخرى أخطر، كما فعل في 22 سبتمبر/ أيلول، عندما عطّل جزءا من الدستور واحتكر لنفسه كل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بلا حسيب ولا رقيب.

هؤلاء لم يتوقفوا كذلك لمعرفة مدى مساهمة رئيسهم نفسه قبل ذلك في تعطيل دواليب الدولة وزيادة احتقان حياتها السياسية. لم يروا سوى حكومة عاجزة وبرلمان فوضوي وفساد مستشر، وهم محقون في ذلك بلا جدال.

لكنهم توهموا أن سعيّد سيحقق لهم أمانيهم ويجسد لهم طموحاتهم بينما كان للرجل حساباته الخاصة، التي الله وحده يعلم مع أي حسابات داخلية أو خارجية تلتقي، موضوعيا أو عن تخطيط مسبق.

اتضح الآن أن شعار «الشعب يريد» لا يعني سوى «قيس سعيد يريد» مع الدائرة الضيقة جدا التي أحاط بها نفسه، والتي ما زالت تعاني نفس عقد وأحلام «سنوات نضال» الجامعة الطويلة.

ومن حسن الحظ أن «الحوار الوطني» غريب الأطوار الذي أعلن عنه الرئيس جاء في وقته حتى يتضح تماما الخيط الأبيض من الأسود وحتى لا يبقى هناك من عذر لمن ذهب مع الرجل عن حسن نية متوسما الخير في ما هو آت قبل أن يتضح سرابه الآن.

النازلون تباعا من حافلة قيس سعيد أدركوا أن سياقتها الرعناء ستقود إلى مأساة حقيقية، أما من ارتضوا البقاء فيها سعداء بالغوغائية السائدة فيها وبشعارات «السيادة الوطنية» و«حركة التحرر الوطني» ووضع حد «للاستقواء بالأجنبي» ونفوذ المؤسسات المالية الدولية الكبرى، فسيدركون قريبا إلى أين سيقودهم جهلهم، أو انتهازيتهم أو حسن نواياهم، حين ترتطم هذه الحافلة بالصخور عند أول منعرج مقبل أو حين تسقط في جرف هار بمجرد أن تنفلت إحدى عجلاتها.

يا ستار!!

* محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

  كلمات مفتاحية

تونس، الحوار الوطني، اللجان الشعبية، الشعب يريد، السيادة الوطنية، قيس سعيّد، غوغائية، شعارات، السيادة الوطنية، التحرر الوطني، استقواء بالأجنبي،