استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مأزق العدوان على غزة

الثلاثاء 19 أغسطس 2014 07:08 ص

د. أحمد يوسف أحمد، الاتحاد

سألني الابن الفلسطيني العزيز الذي حصل معي على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية منذ حوالى عقد من الزمن عن رأيي بخصوص ما ستؤول إليه الأمور في غزة فيما هو مقبل من أيام.

تفهمت هواجسه، فهو معني بقضية وطنه وشعبه، ولكنه مهموم في الوقت نفسه ببيته الذي دُمر وأسرته التي شُردت من جراء العدوان الأخير. ترددت قبل أن أُجيب عليه، فالتنبؤ في التحليل السياسي بالغ الصعوبة، بل يراه كثيرون مستحيلاً نتيجة تعقد الظواهر السياسية وتشابك متغيراتها، وغياب المعلومات الكاملة عنها، وتحيز القائمين بالتحليل لفكرة أو توجه أو مصلحة، ما يؤثر على موضوعيتهم، والأهم من ذلك كله أن التنبؤات في الظواهر الاجتماعية -ومنها السياسية- مُعرضة لعدم التحقق حتى ولو كانت صحيحة، لأنها تتناول ظواهر قابلة للتحكم في مجراها من قبل الأطراف الفاعلة صاحبة المصلحة عكس الظواهر الطبيعية، ومع ذلك، فلا بد من الاجتهاد لأنه إما أن يصيب فيضيء الطريق إلى المستقبل، وإما أن يخطئ فنتعلم منه كيف نتجنب الوقوع في الخطأ مجدداً. 

قلت له إنني أتوقع أن نقطة نهاية العدوان قد حانت أو دنَت. أقول هذا وأنا واعٍ بآخر تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بأن الحرب «لم تنتهِ بعد» و«لن تنتهي إلا بعد تحقيق أهدافها»، وأن هذه الأهداف «تتمثل في وقف إطلاق الصواريخ على التجمعات الإسرائيلية، وإلحاق أضرار ملموسة بالبنية التحتية للإرهاب»، ويلاحظ أنه يدلي بهذه التصريحات بينما يجري ممثلوه مفاوضات غير مباشرة في القاهرة مع وفد يمثل الفصائل الفلسطينية كافة، وعلى رأسها «فتح» و«حماس»، بما يعني أن باب السياسة قد فُتح، وهو لا يُفتح عادة إلا بعد أن تكون «حدود القوة العسكرية» قد بدأت في الاتضاح بغض النظر عن صعوبة المفاوضات.

وفي كل صراع عسكري، تجري جنباً إلى جنب مع أصوات الرصاص وانفجارات القنابل وهدير المدافع، عملية «تعلم» من قبل طرفي القتال، فإذا وجد طرف نفسه متفوقاً في القتال استمر فيه حتى يحقق أهدافه، وإذا شعر آخر بأن البساط يسحب عسكرياً من تحت قدميه أوقف قتاله وسحب قواته وربما استسلم تماماً.

ويمكن أن تتم عملية «التعلم» قبل بداية الصراع استناداً إلى الخبرة الماضية، فيكون ذلك كابحاً لقرار البدء في القتال، ولكن الملاحظ أن هذا لا يحدث دائماً، بل أكاد أقول لا يحدث عادة، فلم يدرك هتلر فكرة «حدود القوة» كما تجسدت في تجربة نابليون ووقع في الخطأ نفسه، ولم تستفد الولايات المتحدة من الهزيمة الفرنسية في الهند الصينية (فيتنام الحالية) في خمسينيات القرن الماضي، فكررت التجربة نفسها بعد ما يزيد قليلاً على عقد من الزمن ولقيت المصير نفسه!

وفي حالتنا لم تستفد إسرائيل من دروس المقاومة اللبنانية في السنوات التي سبقت انسحابها من جنوب لبنان في عام 2000، ولا من دروس المقاومة الفلسطينية في غزة في السنوات السابقة على انسحابها من القطاع في عام 2005، ولا من دروس عدوانها على لبنان في العام الذي يليه وعلى غزة في 2008/2009، ففي كل تلك الحالات لم تحقق إسرائيل أهدافها الاستراتيجية، واضطرت إلى التوصل إلى تفاهمات تضمنت تنازلات قدمتها لخصومها أو إلى اتخاذ إجراءات أحادية لمواجهة المآزق التي زجت نفسها فيها.

وقد استطاعت إسرائيل غير ما مرة وابتداء بسنة نشأتها في عام 1948 أن تدحر عسكرياً عدداً من الدول العربية في مواجهات بين جيوش نظامية، ولكنها لم تستطع أن تحقق الإنجاز نفسه عندما دخلت «حروباً غير متماثلة» مع حركات تحرر سعت إلى التخلص من احتلالها فلسطين وأراضي لبنانية، وفي هذه الحروب يكون الخلل في ميزان القوى فادحاً لغير صالح حركات التحرر في البداية، ولكنها تقوى بالتدريج، وتتبع أساليب غير تقليدية في القتال فيما يعرف بحروب العصابات، فلا يستطيع خصمها أن يقضي عليها، ولا تستطيع هي أيضاً أن تقضي عليه بسبب ذلك الخلل الفادح لصالحه في ميزان القوى، ولكنها تستطيع وفقاً لخبرة حركات التحرر الوطني كافة أن ترفع تكلفة الاحتلال إلى الحد الذي يعجز عن تحمله سياسياً واقتصادياً فيسلم في النهاية بمطالبها، فلم تهزم جبهة التحرير الجزائرية الجيش الفرنسي، ولكنها أجبرت ديغول بأدائها وإنجازاتها على القبول باستقلال الجزائر، وكذلك فعلت حركات التحرر في جنوب اليمن والمستعمرات البرتغالية في أفريقيا وغيرها الكثير.

ولكن المستعمر لا يدرك هذا عادة بسهولة، وهو يكرر سلوكه على نحو نمطي حتى يصل مضطراً إلى لحظة الحقيقة، وفي الوضع الراهن فاق عدوان إسرائيل على غزة عدوانها على لبنان 2006 زمنياً. وإسرائيل لا تحب الحروب الطويلة للاعتبارات الديموغرافية المعروفة، كما أن خسائرها البشرية وإن لم تصل إلى مستوى خسائرها في عدوان 2006 حتى الآن (64 في مقابل 120 تقريباً على التوالي) إلا أنها أكبر من أن يتم تجاهلها في الساحة السياسية الإسرائيلية، وهو ما يفسر الانتقادات اللاذعة من كُتاب سياسيين إسرائيليين لهم وزنهم وقيادات سياسية وعسكرية سابقة لها وزنها في إسرائيل كذلك للأداء العسكري لجيشها، واعتبارهم أنها أخفقت في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، بالإضافة إلى التكلفة العالية للحرب وإنْ لم تحسب بدقة حتى الآن، ناهيك عن التحول المضاد لإسرائيل شعبياً ورسمياً في أميركا الجنوبية وعدد من الدول الأوروبية، واضطرار البيت الأبيض في سابقة هي الأولى من نوعها إلى الحديث عن تشديد الرقابة على عمليات نقل الأسلحة لإسرائيل. وقد يكون تصريح كهذا ذراً للرماد في العيون، ولكنه يبيّن على الأقل إحساس الرئيس الأميركي بفداحة الدفاع عن السياسة الإسرائيلية دون قيد أو شرط.

وسيكون من الصعوبة بمكان على رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يستأنف عدوانه على غزة بالهمجية والوحشية ذاتهما اللتين وصمتا ذلك العدوان، وقد يُضطر لعدم إراقة ماء الوجه أن يضرب هنا أو هناك، ولكنه لن يجرؤ على استئناف العدوان على النحو السابق وإلا كلفه ذلك كرسي الحكم ذاته إنْ لم يكن قد كلفه بالفعل. وسيتعين عليه أن يستجيب لمطالب فلسطينية يعتد بها إذا كان راغباً في تهدئة حقيقية وممتدة بالطريقة نفسها التي يتعين فيها على «حماس» أن تقدم ضمانات لتهدئة مخاوف إسرائيل من صواريخ المقاومة.

  كلمات مفتاحية