استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

كيف الخروج من استعصاء أوضاعنا؟

الاثنين 15 نوفمبر 2021 07:05 ص

كيف الخروج من استعصاء أوضاعنا؟

كيف يمكن تحقيق أي خطوة تغيير، حيث النوايا والاستعداد للتضحية والشجاعة لا تكفي. فكيف يمكن للتغيير أن يتحقق؟

المأزق العام الذي تواجهه منطقتنا اليوم هو مآل زمن طويل سار في هذا الاتجاه، وليس وليد ظرف من هنا وسلوك من هناك.

هناك مشكلة تكوينية بمفهوم الحكم والسياسة ومبادئ التوافق والتسوية والديمقراطية وفي موقعنا الاقتصادي والانتاجي وهذا باب قائم بذاته.

هناك شراسة قوى النظام واستعدادها لارتكاب أي شيء دفاعاً عن السلطة والثروة، وهما متلازمان في كل مكان لكنهما متطابقان بشكل خاص في بلداننا.

الثورة المضادة تجعل من أي تحريك للمستنقع الآسن تهديداً بوقوع العنف الدموي حتى صار الناس يريدون "الستر" ويتخلون عن أحلامهم بغد افضل!

عجز فاضح لدى قوى التغيير بسبب فقدانها لصدقيتها وما يمكن اعتباره جنوح نحو التسلق والمكاسب وافتقادها الخيال السياسي مما يتسبب بيأس عام لدى شرائح وفئات تطمح للتغيير أو تحتاجه.

*     *     *

نمسك قلوبنا بايدينا: هل سيتدحرج الوضع في السودان نحو جنوح العسكر الى مواجهة المتظاهرين بالعنف الدموي المنفلت من كل ضبط، وقد فعلوها مراراً؟ هل ستسيل دماء كثيرة في شوارع العراق إثر صدامات بين تشكيلات مختلفة، بما يشبه حرباً أهلية، وهي ليست كذلك في أي تعريف؟ هل ستنتهي تجربة تونس الى عنف وقمع بغض النظر عن درجاته؟

هل من مخرج آخر أمام انسداد أفق الوضع في لبنان غير الصدامات البشعة، سواء كانت على غرار بروفا عين الرمانه منذ أسابيع، أو كانت تستحضر اهوال الخمسة عشر سنة من الجنون.

هكذا يحصل كلما جرى تحريك المستنقع الآسن، وقد صار كثيرون لا يأملون بغير "الستر" ويرتضون المستنقع خوفاً من الاسوأ، وهو بالضبط وتحديداً ما تصبو اليه القوى المهيمنة والحاكمة: أن يتخلى الناس عن حلم تغيير حياتهم الى الافضل، وعن أي أمل.

عُقد اتفاق علني في السودان، برعاية اقليمية ودولية، أو على الاقل بحضور ممثلين عن تلك الجهات، في حفل اعلان الميثاق الذي كرس الانتهاء من حكم البشير والاعتراف بأن ثورة الناس، العراة الحفاة، كما الآخرين المتعلمين ومتوسطي الحال، قد صنعت فارقاً.

هي تسوية توافقية إذاً، مع أجنحة من العسكر تمسك بعناصر قوة لا يمكن تجاهلها. واتُفق على فترة انتقالية برعاية اقليمية ودولية مجدداً، وبغض النظر عن الميول الخبيثة لأركانها، وعن المطامع. وكان هناك صراع يومي يدور، بعضه في الخفاء وبعضه الآخر في العلن، يؤشر الى مخططات العسكر لقضم المزيد من السلطة والصلاحيات، تقابلها اعتراضات من المكون المدني ومحاولات تصويب... تميزت بالميوعة.

إذ وفي الوقت نفسه، استرخى المكون المدني متذوقاً "نصره"، فعادت حليمة الى عادتها القديمة لدى الاجزاء التقليدية منه، الاحزاب التي تتنافس وتتطاعن في الظهر، وهو دأبها خلال عقود– فيما كان الحزب الشيوعي يتخذ موقفاً تطهرياً مبدئياً، فيه الكثير من العجز– وكان "تجمع المهنيين"، وهو ركيزة تلك الثورة، و"لجان المقاومة في الاحياء" يبدون كمن تجاوزتهم الأحداث.

وقد انقض العسكر للاستحواذ منفردين على السلطة بعدما عقدوا اتفاقات في الظل وشقوا من يمكنهم شقه وغافلوا الباقين. واليوم يعتبرون ان ما ارتكبوه هو الأمر الواقع ويدعون الناس للارتضاء به ويشكلون مجلس سيادة على هواهم، وبرئاستهم، فيعلنون موت المسار السابق، بحجة ان السودان لم يعرف واقعا أفضل في ظل السنتين من الانتقال – وهم طبعاً قاموا بكل ما يمكنهم ليكون الأمر على هذه الشاكلة.

وفي العراق، جرى توافق على اجراء انتخابات نيابية، وقد شاركت القوى السياسية المسلحة بشكل ثقيل فيها، وكل واحدة منها تُمنّي نفسها بالفوز بأغلبية المقاعد. وهو تمني طبيعي ومشروع. ولكن تلك القوى نفسها تغضب وتتمرد حين لا تأتي النتائج كما توقعت!

وتعترض وتطالب باعادة الفرز، ولا ترضى بالنتيجة، وتتجه الى التهديد بالسلاح، والى السعي لقلب الطاولة بواسطة محاولة اغتيال رئيس الوزراء الذي جسّد هذا المقطع من تاريخ البلد... وكأن العملية الانتخابية مجرد ستارة لمسرحية مكتوبة سلفاً.

ليست الانتخابات هي جوهر الديمقراطية بالطبع، ولكننا اليوم بأزاء ما هو أدنى بكثير من تلك الممارسة الجزئية للديمقراطية المزعومة، بينما يخيم على البلاد ظل الملالي الايرانيين الذين يوشوش الإله في آذانهم.

وتقف تونس أمام المجهول. مهد 2011، الذي قبع بن علي سلمياً، مهدد بفشل الفصل الأخير من مسيرته بعد تخبط دام أكثر من عشر سنوات مذاك. ويبدو أن اجراءات قيس سعيد التسلطية تستند الى يأس الناس من قدرة القوى التي تولت السياسة– بما فيها "اتحاد الشغل" ذائع الصيت–على الانتقال بالبلاد الى وضع أفضل. بل إن البلاد على وشك العجز عن سداد ديونها، والاضطرار لإعلان ذلك، مع ما يعنيه من خراب. ونعرف طبعاً أنه لا يوجد منقذون وملهمون، سيجدون مخارج بمفردهم، وأن هكذا صيغة تنتهي دائما بكارثة.

وأما السيسي فمقتنع بأنه مكلف بمهمة إلهية..

ويمكن الاسترسال. تختلف السيناريوهات في سائر الامثلة، وبالطبع معها المعطيات المخصوصة بكل بقعة، ولكنها جميعاً تقود الى مسألة مركزية واحدة.

فأولاً، المأزق العام الذي تواجهه منطقتنا اليوم هو مآل زمن طويل سار في هذا الاتجاه، وليس وليد ظرف من هنا وسلوك من هناك.

وثانياً، هناك عجز فاضح لدى قوى التغيير بسبب فقدانها لصدقيتها – وما يمكن اعتباره جنوح نحو التسلق والمكاسب - وافتقارها للخيال السياسي، وهو ما يتسبب بيأس عام لدى شرائح وفئات تطمح للتغيير أو تحتاجه، بعضها بسبب البؤس المعيشي المتعدد، وبعضها الآخر، ممن حقق تعليماً ومهارات، آملاً بحياة اجتماعية وثقافية ومهنية ممتعة.

ولكن وثالثاً، هناك شراسة قوى النظام واستعدادها لارتكاب أي شيء دفاعاً عن السلطة والثروة، وهما متلازمان في كل مكان، ولكنهما متطابقان بشكل خاص في بلداننا.

هناك مشكلة تكوينية في مفهوم الحكم والسياسة ومبادئ التوافق والتسوية والديمقراطية (وبالطبع في موقعنا الاقتصادي والانتاجي وهذا باب قائم بذاته). كأننا ما زلنا لدى السلاطين، وهذا "المنطق" قائم لدى المجتمع بكل فئاته، وليس في عقول الحكام، وسائر الطامحين للسلطة فحسب.

كيف يمكن تحقيق أي خطوة تغييرية، حيث النوايا والاستعداد للتضحية والشجاعة لا تكفي. سؤال يأمل باثارة النقاش...

* نهلة الشهال أستاذة وباحثة في الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية

الثورة المضادة، الأنظمة العربية، ديمقراطية، تغيير، قوى النظام، السلطة والثروة، العنف الدموي، السيسي، السودان، تونس، العراق،