استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

روسيا وحلم العودة قوة عظمى

الخميس 25 نوفمبر 2021 07:23 ص

روسيا وحلم العودة قوة عظمى

قمة دولية جديدة تتشكل من تراكم أعمال تعاونية قامت بها الأطراف الثلاثة: أمريكا، والصين، وروسيا ثنائيا وأحيانا مجتمعة.

هل يريد بوتين أن تعود روسيا قوة عظمى وتحديدا قوة عظمى ثالثة في نظام جديد للقمة الدولية تجري صياغته بجانب أمريكا والصين؟

انهزمت روسيا هزيمة مدوية عندما انفرطت إمبراطوريتها المسماة الاتحاد السوفييتى بدون إطلاق رصاصة واحدة. تقلصت المساحات وكانت شاسعة.

ماذا تريد روسيا البوتينية؟ ماذا يريد بوتين لروسيا أن تكون؟ هل يراها في أحلامه كما رآها قياصرة وزعماء شيوعيون في أحلامهم وسياساتهم قوة إمبراطورية؟

لعب الطرفان الصيني والأمريكي أدوارا أمتعت أكاديميين متخصصين وقدمت نموذجا فى التكامل الاقتصادي بين قوة تصعد هى الصين وقوة تنحدر هى أمريكا.

*     *     *

أجاب الكرملين مؤخرا على سؤال ظل يلح طيلة سنوات غير قليلة. السؤال يتعلق أساسا بكلمات قليلة سجلتها أقلام عديد المؤرخين وتعديلات غير طفيفة أدخلها علماء السياسة على خرائط توزيع القوة والنفوذ فى القارة الأوروبية.

انهزمت روسيا هزيمة مدوية عندما انفرطت إمبراطوريتها المسماة الاتحاد السوفياتى بدون إطلاق رصاصة واحدة. تقلصت المساحات وكانت شاسعة ولكن، وهو الأهم فى رأيى أنا وآخرين، سقطت نخبتها الحاكمة ومع سقوطها تبعثرت الأيديولوجية التى بررت القوة الفائقة والإمبراطورية الشاسعة.

تفكك الحزب اللينينى، اختفت زعاماته وتشتت لجانه ومكاتبه ومنظمات شبابه ونسائه. بيعت بقروش زهيدة أهم أصول الإمبراطورية فى الخارج والدولة فى الداخل فأثرى من أثرى ثراء فاحشا وتكالب على موسكو أهم خبراء الرأسمالية لتفكيك الاقتصاد الاشتراكى.

بعد قليل خرج من تحت عباءة أجهزة الدولة من عرف كيف يستفيد من ظروف الانتقال غير العنيف نسبيا ويستفيد من قوة الكنيسة وشعبيتها ليعيد إلى الحياة الكيان الروسى القديم.

*     *     *

عشت سنوات أراقب تطورات الحكم فى روسيا وأساليب الكرملين فى التعامل مع العالم الخارجى. قابلت عددا غير قليل من رجال السياسة والمفكرين ومن صناع الرأى فى عالمنا العربى لم يخفوا قناعتهم بأن فردا يقف وراء كل إنجاز عظيم فى مرحلة أو أخرى من مراحل صعود الأمم.

يعتقدون أن وراء كل ثورة يقف فرد، ووراء التوسع الإمبراطورى فرد، ووراء الثورة الدينية فى أى مكان وزمان فرد، ووراء كل نصر عسكرى فرد، ووراء كل عقيدة سياسية يقف فرد.

اختلفنا واتفقنا حول موقع القوى الاجتماعية التى ساهمت مع هذا الفرد أو ذاك فى صنع الإنجاز، هل كانت تقف وراءه تدفعه ليظهر ويقود أم لحقت به بعد أن ظهر وتمكن واختارها ليعتمد عليها فدفعته لينجز. ظل هناك على كل حال من يعتقد أن هذا الفرد لا بد وأن يكون ثمرة ظروف معينة وليس نبتا فى أرض بور.

بهذا المعنى لم يأت الرئيس فلاديمير بوتين من فراغ. ظهر، وكان فى داخلها، عندما بدأت أركان النظام السوفييتى تكشف عن ضعفها وعن استحالة أن تستمر فى تحمل مسئولية هذا العبء الثقيل، عبء فساد حزب وترهل قادة ولا مبالاة شعب وخسائر دولة دخلت سباق تسلح وهى غير مؤهلة له، عبء عقيدة رفض دعاتها تجديدها حتى عندما ارتفعت أصوات التجديد فى الأحزاب الشيوعية فى إيطاليا وفرنسا وغيرهما.

*     *     *

ذات صباح يوم قريب جدا استيقظت لأسمع مع آخرين أذهلهم كما أذهلنى نبأ إطلاق روسيا لصاروخ بعيد المدى، أو هكذا فهمت، نحو الفضاء ليقصف قمرا اصطناعيا بعينه فيفتته إلى جزيئات شكلت سحابة سرعان ما تناثرت رمادا أو رذاذا.

أمريكا اتهمت روسيا بتهديد سلامة رواد وعلماء الفضاء متعددى الجنسيات المقيمين فى محطة فضاء أو أخرى. من ناحيتى قدرت خيبة أمل الشركات الخاصة التى أعلنت عن نشأتها مؤخرا بنية تنظيم رحلات تنقل السياح فى جولات بالفضاء.

الأهم فى نظرى هو ما لم يعلن فى كل من عاصمتى الولايات المتحدة والصين، وربما لن يعلن. يقف وراء اهتمامى نتف مما تحويه ذاكرتى و«خزنة» أحفظ فيها بعض ما تعلمت وقرأت عن الحرب العالمية الثانية وظروف نشأة نظام القطبين.

نعرف الآن أن السباق فى أوروبا على تحرير القارة من الاحتلال النازى منح الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتى شرعية تسمح للأولى، أى لأمريكا، بأن تحتل مكانة «الأول بين متساويين» على قمة النظام الدولى.

لكننا نعرف أيضا أن تجربة تفجير قنبلة نووية فى ألامو جوردو بولاية نيو مكسيكو فى 16 يوليو من عام 1945 ثم إلقاء قنبلتين على هيروشيما وناجازاكى فى 6 أغسطس و9 أغسطس من نفس العام أكدت جميعها مكانة أمريكا على قمة النظام الدولى وأحقيتها فى وضع القواعد اللازمة لضبط السلوكيات كما تراها متسقة مع ثقافتها ومصالحها طويلة الأمد ولتثبيت الهيمنة الأمريكية.

مرت سنوات أربع قبل أن يجرب الاتحاد السوفييتى قنبلته فى 29 أغسطس عام 1949. أعرف أنه فى هذا التاريخ أصبح الاتحاد السوفييتى فى عرف علماء السياسة الدولية والمجتمع الدولى بصفة عامة قطبا دوليا كامل الأهلية فى نظام ثنائى القطبية.

*     *     *

نعود إلى السؤال وهو «ماذا تريد روسيا البوتينية؟» وبمعنى أدق ماذا يريد بوتين لروسيا أن تكون؟. هل يراها فى أحلامه كما رآها القياصرة والزعماء الشيوعيون فى أحلامهم وسياساتهم قوة بمعالم إمبراطورية؟

كلهم جربوا. وكانت لهم إمبراطورياتهم. دفعت روسيا الثمن غاليا لتوسيع إمبراطوريتها وحمايتها. لم تكن حربها مع قوات نابليون أول الحروب ولا آخرها. بعدها دخلت فى سلسلة من التحالفات الأوروبية وحربا مع اليابان انهزمت فيها شر هزيمة وحربا عالمية أولى ثم انعزال قصير الأمد يليه الاشتراك فى حرب عالمية ثانية حماية لثورتها. كانت الحرب فرصة لتتوسع روسيا كما لم تتوسع من قبل.

*     *     *

أم أنه، وأقصد الرئيس بوتين، يريد، أو يريد أيضا، أن تعود روسيا لتكون قوة عظمى، وعلى وجه الدقة لتصبح قوة عظمى ثالثة، فى نظام جديد للقمة الدولية جارى صنعه أو صياغته، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية.

بهذه الصياغة نعنى بكل الوضوح الممكن أن الرئيس بوتين لا بد ويعلم حق العلم أن هناك فجوة واسعة تفصل بين القطبين الصينى والأمريكى من ناحية وروسيا من ناحية أخرى. لا يكفى أن تصعد روسيا فى المكانة الدولية مستفيدة من كبوات القطبين الآخرين.

هى مثلا تبدو مستفيدة من الخروج المشين لأمريكا من أفغانستان وهى الآن تسرع خطوات خروج أمريكا من قواعدها الجوية فى دول الجوار الروسى فى شمال وسط آسيا. أمريكا فشلت فى منع عودة التطرف الإسلامى إلى أفغانستان واستمرار وجودها فى دولة أو أكثر من دول الجوار لا يضمن عدم تكرار الفشل.

من ناحية أخرى تبقى جروح الطرفين الروسى والأفغانى غائرة منذ أيام حرب التحرير الأفغانية ضد القوات السوفييتية المحتلة. وبالتالى بينما يحق للصين الآن الحصول بسهولة على امتيازات استراتيجية فى بلاد الأفغان لن يحق لروسيا الشيء نفسه قبل أمد طويل.

من ناحية ثالثة خرجت الهند من أفغانستان، كما خرجت أمريكا، خاسرة بينما استمرت باكستان، حليفة الصين، مستفيدة لمدة أخرى قادمة.

من ناحية رابعة تبدو، ولا مبالغة فى القول أن، الهند بظروفها الراهنة قد تصبح عبئا وربما عالة على حلفائها، وبخاصة روسيا تقليديا وأمريكا حديثا، ولصالح كل من الصين وباكستان.

*     *     *

لاحظنا خلال السنوات الأخيرة أن روسيا عادت تجرب التوسع بالنفوذ فى الشرق الأوسط منذ أن اتضحت لها فى أيام الرئيس أوباما نية الأمريكان الخروج من الشرق الأوسط. بعد سنوات تأكدت نية الخروج. تأكدت معها تعديلات فى السياسات والتوجهات لا تقل أهمية.

منها مثلا أننا صرنا نعرف أن أمريكا لن تخرج تماما من الشرق الأوسط وأن روسيا لن تدخل تماما. أمريكا لن تخرج تماما إذ وجد فى داخلها وفى الشرق الأوسط من ينبهها إلى أن خروجها الكامل يعنى انتقاصا فى مكانتها كقوة عظمى.

وروسيا لن تدخل تماما بمعنى أنها أصلا لم تزمع التوسع فى جميع أنحائه وفى قواعدها السابقة أفقيا أو رأسيا على الأقل فى الأجل المنظور. من التعديلات الهامة ما طرأ أو تم فرضه على الصراع العربى الإسرائيلى. إذ بالخروج الأمريكى وإن كان غير كامل أو شامل تسارعت خطوات التسوية بشروط إسرائيلية.

لا تسمح المساحة المتاحة لهذا المقال بالتناول المطول للعلاقة بين الخروج الأمريكى من الشرق الأوسط وتسارع خطوات التسوية بشروط إسرائيلية، أو بالتعليق المفصل على العلاقة غير المباشرة بين نية الخروج الأمريكى وانهيار أو على الأقل انحدار وتيرة وأفكار وسياسات العمل العربى المشترك.

الواضح لنا تماما أن حالة من التسيب أصابت ما تبقى من علاقات وفاق بين دول المنظومة العربية بالتصادف مع نية أمريكا فى الخروج. هنا يبدو لى أن نفوذ روسيا فى الإقليم لم يتضرر كثيرا نتيجة هذه التطورات الأخيرة وأهمها الزيادة المفاجئة والهائلة فى النفوذ الإسرائيلى على صعيد الإقليم.

يبدو لى أيضا أن بين العرب، وبقية أمم الشرق الأوسط من أحس بانحدار قوة أمريكا والأفول المتدرج لنجمها فى سماء الشرق الأوسط فراح يبتكر من السياسات الجريئة ما يعوض به هذا التطور فى موازين القوة الإقليمية.

*     *     *

أظن، وبعض الظن له دوافع، أظن أننا نعيش فى مرحلة فريدة من نوعها. إذ نرى قمة دولية جديدة تتشكل من تراكم أعمال تعاونية قامت بها الأطراف الثلاثة ثنائيا وأحيانا مجتمعة.

كنا شهودا على سنوات عديدة لعب الطرفان الصيني والأمريكي أدوارا أمتعت عديد الأكاديميين المتخصصين، سنوات قدمت نموذجا فى «التكامل» الاقتصادى بين قوة تصعد وهى الصين وقوة تنحدر وهى الولايات المتحدة.

على الناحية الأخرى قدمت العلاقة بين أمريكا فى عهد دونالد ترامب وروسيا نموذجا لا يختلف عن النموذج الذى سبق أن قدمته العلاقة بين الصين وأمريكا فى مراحلها التأسيسية وقبل أن تنطلق المنافسة الاستراتيجية فى صورتها العدوانية.

تغير الكثير على كل حال سواء نتيجة التخبط السياسى فى أمريكا الذى صاحب نهاية عهد ترامب أو نتيجة تسارع الانحدار الأمريكى الذى صاحب بدايات عهد بايدين. بعض هذا التغير يدفع الآن كلا من روسيا والصين إلى حرص زائد وبذل جهد خاص لتأكيد أحقيتهما فى موقع على القمة.

وما الصاروخ الذى أطلقته موسكو لتدمر به قمرا اصطناعيا فى فضاء الكون إلا خطوة سوف تليها خطوات تسعى لتأكيد حق روسيا فى موقع على القمة. هكذا تحاول روسيا وتجازف بتكلفة باهظة لتكون طرفا ثالثا فى المنافسة الاستراتيجية بين الصين وأمريكا.

* جميل مطر مفكر سياسي، دبلوماسي مصري سابق.

المصدر | الشروق

  كلمات مفتاحية

روسيا، قوة عظمى، قياصرة، امبراطورية، الاتحاد السوفياتي، بوتين، الصين، أمريكا، الحزب اللينيني، الشرق الأوسط، إسرائيل،