«ستراتفور»: هل يمكن لروسيا أن توظف التجارة والاقتصاد ضد تركيا؟

الخميس 26 نوفمبر 2015 12:11 ص

الخلاف بين موسكو وأنقرة يتزايد بعد قيام تركيا بإسقاط طائرة مقاتلة روسية تزعم بأنها انتهكت مجالها الجوي. وقال الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني إن الهجوم سيكون له عواقب وخيمة على العلاقات الروسية التركية. لقد كانت هناك فورة من النشاط الدبلوماسي خلال الوقت القصير منذ وقوع الحادثة، وقد قطعت الدولتان اتصالاتهما العسكرية.

لكن هذا قد لا يكون كافيا لاسترضاء ناخبي «بوتين». تتصاعد الدعوات بين المسؤولين الحكوميين الروس والسياسيين والشركات ذات الصلة بالكريملين لتقييد التجارة مع تركيا. ولدى روسيا بالفعل خيارات تمكنها من فعل ذلك، وخصوصا في مجال الطاقة، حيث لا تزال روسيا هي أكبر موردي الغاز الطبيعي إلى تركيا. ومع ذلك، فإن «بوتين» عليه أن يقرر إذا ما كانت فوائد معاقبة تركيا الآن من خلال قطع إمدادات الغاز الطبيعي تفوق مخاطر دفع أنقرة للبحث عن مصادر بديلة للطاقة.

تحليل

التجارة بين روسيا وتركيا تتركز بشكل كبير في عدد قليل من القطاعات وأهمها هي الطاقة والمعادن والزراعة. وإجمالا، تشكل الصادرات الروسية حوالي 10% من واردات تركيا، في حين تمثل تركيا 4% فقط من إجمالي الصادرات الروسية.

قطاع الطاقة هو الأكثر أهمية حين يتعلق الأمر بالتجارة بين روسيا وتركيا. روسيا هي أكبر مصدر أجنبي للغاز الطبيعي إلى تركيا حيث توفر 55% من احتياجاتها (حوالي 27 مليار متر مكعب) طبقا لبيانات عام 2014. وعلى سبيل المقارنة، فإن 13% فقد من صادرات الغاز الطبيعي الروسية تذهب إلى السوق التركية. ترسل روسيا الغاز الطبيعي إلى تركيا عبر خطي أنابيب سعة كل منها 16 مليار متر مكعب. الأول هو خط بلو ستريم، وهو الطريق المباشر الذي يمر عبر البحر الأسود، في حين أن الثاني، وهو خط أنابيب الغرب يمر عبر أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا أولا. تستقبل تركيا باقي وارداتها من الغاز الطبيعي من أذربيجان عبر خط أنابيب جنوب القوقاز، ومن إيران عبر خط أنابيب «تبريز- دوغو- بايزيد»، ومن الجزائر وغيرها عبر محطات الغاز المسال في مرمرة وإلياجا.

المشكلة الأكبر بالنسبة لتركيا أنه إذا اختارت روسيا قطع إمدادات الغاز الطبيعي فإنه لن يكون أمامها سوى سعة محدودة لزيادة واردتها من الطرق الأخرى. كلها طرق الاستيراد غير الروسية والمرافق التركية تعمل تقريبا بكامل قدراتها، لدى تركيا أقل من 7 مليارات متر مكعب من القدرة الإضافية المتبقية في محطات الغاز الطبيعي المسال، وربما 4 مليارات متر مكعب أخرى من مساحات التخزين. إذا قررت روسيا وقف التدفقات الحالية عبر خطوط الأنابيب فإن ذلك يعني حرمان تركيا من 27 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ولن تكون أنقرة قادرة على تعويض أكثر من نصف هذه الإمدادات المفقودة.

لكن وزارة الطاقة الروسية قد تعهدت بالفعل باحترام تعاقداتها مع تركيا، حيث إن لدى الكريملين أسبابه الخاصة لتجنب العبث بصادرات الطاقة. إن قطع جميع إمدادات الغاز الطبيعي إلى تركيا يعني وقف التدفقات إلى أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا كذلك. وكانت روسيا قلقة من استخدام هذا الخيار في السنوات الأخيرة في محاولتها للحفاظ على موطئ لأقدامها في الغرب وسط إجراءات تنظيمية اتخذها الاتحاد الأوربي وأضعفت من قدرة الكريملين على تسييس عقود الطاقة. ونتيجة لذلك، إذا ما قررت روسيا تقييد تجارة الطاقة مع تركيا، فإنها قد تكون عل استعداد فقط لإغلاق صادراتها المباشرة إلى تركيا عبر بلو ستريم.

سوف يكون لأي إجراء عقابي يتخذه «بوتين» بخصوص صادرات الطاقة تأثيرا على مصلحته على المدى الطويل، حيث سيجد صعوبة في الحصول على تعاون تركيا في المشاريع المستقبلية، خصوصا «ترك ستريم». هذا المشروع المثير للجدل والذي يهدف بالأساس إلى تجاوز أوروبا والربط مباشرة مع تركيا عبر خط آخر يمر عبر البحر الأسود تصل سعته ما بين 30 إلى 63 متر مكعب. في الأسابيع الأخيرة، أشار الكرملين أن روسيا وتركيا ستحاولان تحقيق تقدم بشأن اتفاق خط الأنابيب المقترح خلال زيارة الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» إلى تركيا والتي كان مقررا لها في ديسمبر/ كانون الأول، وهي الزيارة التي لا يعرف مصيرها إلى الآن في ضوء التطورات. إذا قيدت روسيا صادراتها من الغاز إلى تركيا لأهداف سياسية، فإن أنقرة من المرجح أن تتردد في المضي قدما في أي مشروع للطاقة من شأنه أن يزيد من الاعتماد المباشر على الإمدادات الروسية.

 خيارات محدودة

الطاقة هي المجال الذي يمكن من خلاله توجيه ضربة تجارية قوية لتركيا. ولكن بالنظر إلى رد الفعل السلبي لمثل هذا التوجه ومدى تأثيره على مصالح روسيا على المدى الطويل فإن موسكو قد تتطلع إلى تركيز اللعب في مناطق أخرى. تقوم روسيا بتوفير حصة ضخمة من المعادن إلى تركيا: الحديد والصلب الروسي يشكلان 15% من واردات تركيا منهما، في حين يشكل الألومنيوم الروسي نسبة 31%. ومع ذلك، فإن الأسواق العالمية متشبعة بهذه السلع، وستكون تركيا قادرة على تعويض أي إمدادات مفقودة بسهولة من أماكن أخرى. لذلك فإن استهداف تجارة المعادن سوف يشكل عبئا مؤقتا فقط على تركيا، ومن المحتمل أن تقوم الولايات المتحدة وأوربا بملأ أي ثغرات في الإمدادات على المدى الطويل.

بدلا من ذلك، يمكن لروسيا تقييد صادراتها من الحبوب إلى تركيا، وخاصة القمح.. في عام 2014، قدمت روسيا ما يقرب من 70% من إجمالي واردات القمح في تركيا، وقامت بتلبية ما يقرب من ثلث احتياجات الاستهلاك في البلاد. لكن تركيا شهدت تنامي إنتاج محصول القمح المحلي القوي هذا العام، وسوف تقلل الأسعار العالمية المنخفضة من الأثر المالي على تركيا حال احتياجها لإيجاد بديل للقمح الروسي. في عام 2010، أظهرت أنقرة قدرتها على الصمود في وجه حظر تصدير الحبوب الروسية.

بدلا من خفض صادراتها، يمكن أن روسيا تنظر إلى حظر واردات الغذاء التركية، على غرار الحظر الحالي ضد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كجزء من العقوبات المضادة. يستهلك السوق الروسية ما يقرب من 40% من صادرات الفواكه والخضروات التركية وهي النسبة التي شهدت ارتفاعا طفيفا منذ تطبيق روسيا للعقوبات المضادة على أوربا وأمريكا. أعلنت وكالة الأغذية الروسية في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني أنه تم حظر استيراد الدواجن من الشركات التابعة لأحد الوكلاء الأتراك بسبب مخاوف من إصابات الليستريا. ومع ذلك، لا تزال هناك 10 شركات تركية أخرى لديها تراخيص لتصدير الدواجن إلى روسيا، وهذا يعني أن القضية ربما لم تكن بدوافع سياسية.

وقد قامت موسكو أيضا بفرض بعض القيود التي تهدف في المقام الأول إلى إثبات موقفها ليس لها تأثير اقتصادي كبير. وقد طلبت وكالة السياحة الفيدرالية الروسية بالفعل من شركات السياحة الروسية تعليق الرحلات الروسية إلى تركيا، وقد أوصت وزارة الخارجية الروسية بتجنب السفر إلى البلاد. تشكل السياحة حوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي في تركيا هو واحد من الأهداف الأكثر وضوحا للقصف الروسي. وكانت وسائل إعلام روسية قد بثت لقطات لمواطنين روس يعيدون تذاكر سفرهم إلى تركيا. ومع ذلك، يمثل السياح الروس 14% فقط من إجمالي السياحة في تركيا، وعادة ما تتركز رحلاتهم في أشهر الصيف.

وثمة خيار نهائي أن تسعى روسيا إلى عرقلة تجارة تركيا مع دول الاتحاد السوفيتي السابق. سعت موسكو إلى إستراتيجية مماثلة في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول، عندما أوقف مسئولو الجمارك الروسية إصدار وثائق عبور للشاحنات التركية. هناك 8000 شاحنة تركية تمر عبر روسيا في طريقها إلى وسط و شرق آسيا كل عام، تنقل منتجات كيميائية وإلكترونية بقيمة 1.7 مليار دولار. وقد استخدم الكرملين القيود الجمركية بشكل مماثل على بلدان أخرى في الماضي.

لدى روسيا مجموعة واسعة من الخيارات المتعلقة بالتجارة عندما يتعلق الأمر بالانتقام من تركيا. ومع ذلك، فإن القطاع الوحيد الذي يمكن أن يشكل ضربة حقيقية هو الطاقة. وق استخدمت روسيا هذه الأداة من قبل عدة مرات في أزمات سابقة. لكن الكرملين يدرك أنه في حين أنه قد يكون بإمكانه الإدلاء ببيان سياسي واضح في المدى القصير، فإنه أيضا سوف يسهم في تسريع مساعي تركيا لتنويع مصادر الطاقة لديها أملا في حرمان موسكو من نفوذها في المدى الطويل.

  كلمات مفتاحية

تركيا روسيا سوريا إسقاط الطائرة الروسية العلاقات التركية الروسية بوتين أردوغان

«بوتين» يطلب اعتذارا أو تعويضا من تركيا عن إسقاط الطائرة و«أردوغان» يرفض

التوتر التركي الروسي يهدد عقودا بقيمة 44 مليار دولار

إسقاط تركيا للطائرة الروسية .. خطوة خاطئة أم تغيير لقواعد اللعبة؟

الكرملين: روسيا ستواصل ضرباتها الجوية في سوريا قرب الحدود التركية

ما الذي نتوقعه بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية؟

«أوباما»: البيت الأبيض وحلف الناتو يؤيدان حق تركيا في الدفاع عن سيادتها

تركيا ترد على انتهاك أجوائها و«بوتين» يعتبر إسقاط الطائرة طعنة في الظهر عواقبها وخيمة

الاقتصاد العالمي نحو الخروج من المراوحة

ليس شيكا مفتوحا!

التوتر التركي الروسي يهدد عقودا بقيمة 44 مليار دولار

منع الحرب العالمية الثالثة في سوريا بين روسيا وتركيا

«أردوغان» لـ«بوتين»: من المخجل اتهامنا بأسلمة الدولة فـ99% من الأتراك مسلمون

تداعيات إسقاط المقاتلة: تركيا ترفض الاعتذار وروسيا تعلق التعاون العسكري

الروس عالقون في الوحل السوري.. وعليهم أخذ «أردوغان» في الحسبان

تركيا بعد إسقاط الطائرة الروسية

«أردوغان»: الهجمات التي تتعرض لها تركيا تأتي انتقاما من فتح القسطنطينية