استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

مجدداً: أسئلة قلقة!

الأحد 16 يناير 2022 08:03 ص

مجدداً: أسئلة قلقة!

ماذا نقول لأهل اليمن مثلاً!، حين تضاف الحرب لمعطيات البؤس الأخرى، في بلد هائل الإمكانات وعميق الرسوخ في الزمن؟

الثقة بالبشرية وبقفزات التاريخ اللولبية، تشبه يقينية من يترصدون علامات نهاية العالم! لكن ذلك لا يكفي، لأن الصبر وحده ليس حلاً

التاريخ والبشرية يمكن أن يمرا بفترات طويلة من السوء، تبدو أبديةً بقياس عمر الإنسان نفسه ممتداً إلى ما يمكنه أن يراه في معيشه!

انتفاضة العراق قدّم فيها أكثر من 700 شاب وشابة حياتهم إصرارا على الموقف المناهض للفساد لا يفت من عزمه شيء، وانتفاضة السودان لم تنته بعد..

*      *      *

من يفترض - أو يدعي – أنه يمتلك أجوبة على الضباب الكثيف المحيط بواقعنا في كل المنطقة، يكون إما ساذجاً أو كاذباً (والكذب هنا يمكن أن يرد لأسباب متنوعة!).

ربما يمكن للمتفائلين الأبديين - كموقف وليس كطباع - أن يعتبروا أن هذه الحال تُنبئ بقرب الارتطام بقعر ما للوضع بالغ السوء على كل الأصعدة الذي يحيط بالناس، وبالتالي وصوله إلى نهايته، بفَرض أن ذلك يعني بدء تبلور ما يعاكسه. وهي ثقة بالبشرية وبقفزات التاريخ اللولبية، تشبه يقينية من يترصدون علامات نهاية العالم!

ولعل لدى الفئة الأولى علامات مصنوعة من موجات من مقاومة السوء لا تنفك تحضر من قلب الخراب، نذكر أقربها زمنياً: انتفاضة فلسطين كلها في أيار/ مايو 2021، بينما كان الوضع يشي باستكانة مرعبة وباستقرار للسطوة الإسرائيلية، حمل كثيرون على إبداء اليأس ("خلْصت قصة فلسطين" و"يا أسفاه على كل النضالات" التي تُستحضر كذكريات تؤلم الوعي الحاضر )[1].

بهذه، وقبلها انتفاضة العراق التي قدّم فيها أكثر من 700 شاب (وشابة) حياتهم كمؤشر على إصرار على الموقف المناهض للفساد لا يفت من عزمه شيء، وقبلها انتفاضة السودان التي لم تنته بعد..

ربما كان ذلك صحيحاً، كبصيص ضوء، مع التذكير دوماً بأن التاريخ والبشرية يمكن أن يمرا بفترات طويلة من السوء، تبدو أبديةً بقياس عمر الإنسان نفسه ممتداً إلى ما يمكنه أن يراه في معيشه، أي إلى آبائه المباشرين وأبنائه المباشرين، وهي ثلاثة أو أربعة أجيال على الأكثر، وللمحظوظين طويلي العمر.

لكن ذلك الضوء لا يكفي، رغم أهميته الكبيرة في صون الأمل، وهو نسغ مختلطٌ بعصب الحياة، وكنوع من الكابح أو الحاجز دون مزيد من الانهيار نحو حالة من التوحش الخالص – والكلام عن مجمل المنطقة بل والعالم[2] المتعثر بشكل مخيف.

وليس عن النموذج اللبناني الذي يمكن أن يصبح مرجعياً كمثال بسبب صغر حجم البلد وقوة التناقضات العاصفة به! لا يكفي، لأن الصبر وحده ليس حلاً. والروادع الدينية هي الأخرى محدودة الأثر، كما نرى دائماً في ثنائية "تشييئ" الدين، والتأرجح الممارَس على كل المستويات الجماعية والفردية بين الذنب المتكرر وطلب المغفرة.

فلو رضي الناس بمغادرة تلك الفرضية الحداثية التي تتشارك فيها كل التيارات المنبثقة من "الأنوار"، والتي تقول بأن مسار البشر يتجه حتماً نحو الأفضل، يبقى أنه عليهم تدبر طعام أبنائهم والدواء والمسكن والتعليم، وهي، هذه الضرورات الأساسية نفسها، تصبح أصعب منالاً كل يوم.

ماذا نقول لأهل اليمن (مثلاً!)، حيث تضاف الحرب إلى معطيات البؤس الأخرى، في بلد هائل الإمكانات وعميق الرسوخ في الزمن؟

______________

1. نشر التلفزيون الإسرائيلي منذ أيام قليلة وثائقياً تناقلته وسائل إعلام عالمية، عن معركة قلعة الشقيف في جنوب لبنان 1982، وتقشعر له الأبدان. وهو يصف بطولة المقاومين الفلسطينيين واللبنانيين فيها ودفاعهم المستميت عنها، ما ردّ محاولات متكررة للجيش الإسرائيلي لاقتحامها، ودفعه إلى استخدام القصف الكثيف بالطيران، وإلى تكبد خسائر مهولة أثناء الاقتحام البري الأخير، حيث لم يستسلم المقاومون وقاتلوا في ملحمة تؤرخ.

يستنتج الوثائقي الإسرائيلي طبعاً أنهم –المقاومين – "يطلبون الموت" وهو مصدر استبسالهم، بينما الجنود الإسرائيليون "ينشدون الحياة"، وهو مصدر رعبهم خلال المعركة، في ثنائية سخيفة راجت في السنوات الماضية، تُعْمي الموضوع، وتحوّله إلى مطلقات قيمية ونفسانية!

2. دعكم من الجائحات ومن الحروب ومن النزوحات، ومن الكوارث البيئية المتكاثرة بسبب العبث بالطبيعة، ومن الإفقار المتعاظم... هناك في أماكنَ تضم أعلى مراتب الذكاء البشري، يجري تطوير ما يسمونه "الذكاء الاصطناعي"، بغاية التحكم بكل شيء بما فيها حروب وإباداة "نظيفة".

يجري تصميم ألغوريثمات تؤتمت الحياة اليومية عبر قوى مسيطِرة خفية، وتجعل المسافة بين المتحكمين القلائل - وهم بالطبع ليسوا التقنيين أنفسهم – وبين الناس، مهولةً وفي الوقت نفسه غامضةً مستورة. سيؤدي ذلك إلى تغير المفاهيم كلها، فما معنى "الديمقراطية" مثلاً في مثل هذه الحالة، ومن هي "الدولة"؟ هذا يجري في الواقع وليس في فيلم خيال علمي، ولو أن الأفلام من هذا النوع صارت كثيرة. هل هذا هو مستقبل البشرية؟ الله أعلم!

* نهلة الشهال أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"

المصدر | السفير العربي

  كلمات مفتاحية

فلسطين، التاريخ، انتفاضة، ثورة، ديمقراطية، قلعة الشقيف، الذكاء الاصطناعي، حروب، إبادة، العراق، فساد، لبنان،